أرشيفات التصنيف: مراجعة كتاب

بيوغرافيا الجوع فى سيرة البلجيكية آميلي نوثومب..

1965065_741506112528678_330263043_nهى أقرب أن تكون سيرة روائية تقوم على تجارب حقيقية للروائية البلجيكية إيميلى نوثومب ، فقد عاشت إيميلى حياة تنقل برفقة والدها الدبلوماسى البلجيكى فقد عاشت فى عدة دول كاليابان و الصين والولايات المتحدة الامريكية وبنغلاديش و الهد وكمبوديا حتى تعود الى بلدها الام فى سن المراهقة ، تسرد لنا إيميلى سيرتها الذاتية من خلال الارتكاز على فكرة الجوع فى حياتها ، فتبدأ كتابها بالحديث حول أرخبيل اوقيانوسى يدعى فانواتو لا يجوع سكانه لكثرة الطعام الذي يتعدى حاجة الناس هناك لذا أهل فانواتو مسالمون جدا، كأن السأم مقيم في أنفسهم، لهذا لا يكترثون بأي شيء، حياتهم يفتقدون للسعى لوفرة الطعام ، مايجعلهم منسيين فى العالم ، فالروائية البلجيكية تدلل فى الفصل الاول عن دور الجوع و المجاعات فى تولد روابط وصلات ، وتخلق نزاعات وصراعات وحروب ، ثم تطرح إيميلى سؤال تحاول من خلاله الربط بين مقدمتها الغريبة نوعا ما وبين ماسترويه عبر صفحات سيرتها الذاتية ، إذ تتسائل : هل يوجد جوع هو فقط جوع البطن وليس مؤشراً على جوع أعم؟ وتعطى اجابة اولية هى : فالجوع يعني تلك الحاجة الفظيعة التي تمس الكائن كلّه، ذاك الفراغ الآسر، وذلك التوق لا إلى الامتلاء الطوباوي بل إلى تلك الحقيقة البسيطة: فحيث لا يوجد شيء، أتطلع لأن يكون ثمة شيء.

تمضى عبر باقى فصول الكتاب مجيبة على ماطرحته من تساؤل و ماتوصلت اليه من إجابات عبر إعادة تأمل حياتها ، فتبدأ فى تذكر طفولتها التى قضتها فى اليابان فتتحدث عن جوعها لأشياء وأن تكون بسيطةكجوعها للسكاكر،أو للهرب من الحضانة، و عن جوعها لمربيتها اليابانية.

ثم تنتقل العائلة من اليابان إلى الصين بحكم عمل والدها كسفير ، لتكتشف إميلي أنها أمام جوع أكبر، وهو جوعها للبشر. ففى زمن الثورة الثقافية وماويحكم الصين كان يُصعب على أى اجنبى الاقتراب من الصينيين ، خاصة إذ كان ذلك الاجنبى قادم من اليابان و من أصل أوربى أكثر انفتاح ، فيتحول جوعها فى الصين من البشر الى نهم القراءة فتنغمس تماما فى عالم الكتب خاصة كتب الكبار لتكتشف عالم جديد لم يسبق لها معرفته .

من الصين الشيوعية الى الولايات المتحدة الامريكية البلد الرأسمالى يكون المحطة التالية فى سلسلة تنقلات والدها ، وفى نيويورك حيث يعمل والدها كممثل لبلدها فى الامم المتحدة تكتشف إيميلى عن جوع جديد يحكم حياتها ، وهو جوعها للماء فتصبح مهووسة بشرب كميات كبيرة من الماء فى ساعات قليلة .

تستمر التنقلات إلى بنغلادش حيث تتعرف على الجوع الحقيقى للغذاء فى ابشع وجوهه التى لاتحتملها فتنطوى على نفسها ممضية سنوات اقامتهم بالبلد فى الاستلقاء على كنبة والاكتفاء بصحبة شقيقتها الوحيدة جوليا ، عبر سلسلة التنقلات التى عشتها مع إيميلى كنت فى كل مرة اتعرف معها على تجسد مختلف للجوع فى حياتها حتى عودتها لبلجيكا لدراسة فقه اللغة فى جامعة بروكسل الحرة .

صدرت السيرة الروائية فى العام 2004 ضمن كتاب مقسم الى 60 فصل ، كل واحد من تلك الصول تتراوح صفحاته بين الواحد الى أربع صفحات ا وفى بعضها صفحة واحدة ، استخدمت الروائية اسلوب خفيف ومسلى نوعا ما ، بعد أن اسهبت فى وصف جزر فانواتو وطبيعة السكان والحياة هناك فى مقدمة مملة كادت أن تجعلنى اترك الكتاب فى اوله ، فهو من نوعية الكتب التى انتابتنى أثناء قراءتها مشاعر مختلطة ، فقد صدمتنى بحديثها عن مشهد اغتصابها وكيف صورته ببرودة ومرت عليه مرور عابر وكأنه لم يترك أى آثر فى المراحل اللاحقة من حياتها ، كما اصابتنى حالة فزع من اصرار الروائية على الحديث عن ادمانها لتناول الخمور خلسة او حتى برفقة اسرتها وهى لم تتجاوز التاسعة ، ماجعلنى اتسائل هل هى جزئية مختلقة ضمن مخيلة إيميلى الغرائبية المدهشة إم أنها تروى ماحدث حقيقة فى طفولتها ، من ناحية اخرى أحببت حديثها عن ولعها بمربيتها اليابانية وولعها باليابان الذي اعتبرته وطنها ، لتقدم صورة فاتنة لذلك البلد الآسيوى ثم تعود فى كتابها (ذهول ورهبة) محطمة اسطورة بلد الشمس المشرقة ،  اعتقد لو أننى قرأت بيوغرافيا إيميلى قبل (ذهول ورهبة ) لربما اصابتنى صدمة كبيرة ، ولكنى استطعت ان اتفهم من أين اتت رغبتها فى تحمل ظروف عمل صعبة وقاسية فقط للبقاء فى اليابان حيث قضت طفولة جميلة ، بالاضافة الى ذلك فقد احببت شرهها تجاه القراءة فهى لامست شىء بداخلى ، ففى طفولتى كنت مثلها اقرا بنهم غريب كل ماتقع عليه يداى من كتب او مطبوعات للكبار ، اعجبنى حديث إيميلى عن نيويورك ، ووصف بنغلاديش البلد الفقير وشعبه الودود المسالم .

أكثر ما ازعجنى فى الكتاب الثيمة الاساسية التى اختارتها الروائية البلجيكية ، فبرأيى بالغت فى تقديم وصف مفصل و ممل لعاداتها الغذائية وعادات اسرتها ، خاصة عادات والدها فى الاكل ، اعتقد أن إيميلى قد أساءت استخدام ثيمة الجوع فى بعض المواضع من الكتاب ، ورغم ذلك يظل لكتابات إيميلى فرادة كبيرة لسلاسة أسلوبها وقدرتها على التلاعب بالالفاظ مايجعل قراءة أى عمل لها مفيد ، وممتع الى حد كبير، فهى تبدو مختلفة عن الروائيات الشابات اللائى ظهرن فى الالفية الجديدة .

يوميات صنع الله في سجن الواحات…

5948600يتناول نصر الله ابراهيم فى كتاب “يوميات الواحات” تجربة الشيوعيين المصريين في المعتقلات بعد 23 يوليو ، بالإضافة لاستعراض بدايات تجارب الكتابة لديه بتلك الفترة من حياته ، يتحدث عن نشأته وأسرته بشكل مختصر ومركز مبينا ً دور والده فى زرع بذرة التمرد على الواقع بمصر فى عقد الأربعينات ، ثم عن دخوله الجامعة ، والمشاركات الأولى فى الأنشطة الثقافية والسياسة الحزبية ، بالإضافة للمرات الأولى لاعتقالات بمراكز الشرطة قبل أن ينتمى الى الحركة الديموقراطية للتحرر الوطني (حدتو)، احد الأحزاب الشيوعية قبل أن يدخل معقل الواحات فى العام 1959م ، إذ بدأ نظام الحكم فى تلك الاعوام بحل التنظيمات للأبقاء على تنظيم واحد يسهل السيطرة عليه ، لهذا دخل ابراهيم صنع الله مع الكثير من المثقفين والأكاديميين والنشطاء و زعماء النقابات العمالية ، و الشخصيات الحزبية الى ذلك المعتقل سىء السمعة ، وذلك لاجبارهم على حل تنظيماتهم ، و الحاقهم بالعمل فى الاتحاد الأشتراكى ، والتنظيم الطليعى ، وهما من تنظيمات النظام الخاضعات لمراقبته وسيطرته عليها.

فى القسم الخاص باليوميات المدونة على أوراق أكياس الاسمنت ، والأرز ، وورق لف السجائر ، على ذلك الورق المكتوب بحبر الميكركروم سنتعرف على تجربته الكتابية ، واعماله الروائية وقصصه القصيرة ، و ملاحظاته على كتب ومؤلفين قرأ اعمالهم بتلك الفترة الصعبة من حياة صنع الله بداخل المعتقل ، عن طريق تهريب تلك الكتب وتبادلها مع رفقاء السجن .

هذه اليوميات تضم أسماء الكثير من الاعمال الروائية المولودة بالسجن كرواية الشمندورة للروائى النوبى “محمود قاسم” أو قصائد الشاعر فؤاد حداد ، أو رواية المتمردون للكاتب صلاح حافظ والتى تحولت لفيلم من أخراج توفيق صالح . كما سنقرأ حول الكثير من الاسماء الثقافية والأدبية والفكرية من تيارات مختلفة ، وسنتعرف على أساليب المعتقلين فى تهريب أوراقهم وكتاباتهم خارج السجن ، عن ايصال الأخبار والرسائل لأهاليهم ، عن تفاصيل المعيشة والحياة وسط بيئة صحراوية صعبة ، وظروف شديدة القسوة ، لاتضاهيها سوى شراسة وقساوة القائمين على ذلك المكان من سجانين و ضباط وموظفين .

هذه الكتاب شهادة تاريخية مهمة على وحشية الأنظمة القمعية فى الدول العربية ، بالإضافة لرصدها لتطورات الأساليب البوليسية فهو أى نصر الله يشير لحقوق المعتقلين فى الحصول على راديو وكتب وأوراق واقلام فى السجن ايام المملكة المصرية ، فى حين حُرموا من أبسط الحقوق أى تناول طعام نظيف ، ومكان نظيف و ايصال الرسائل والاخبار لأسرهم ايام الجمهوريات العسكرية العربية .
كتاب لا يقُرأ للتسلية ، بل لتعرف على ماوراء الشعارات الرنانة التى ترفعها الأنظمة العربية منذ حوالى ستة عقود

ريام وكفى رواية عراقية فى سباق البوكر للعام 2015 ..

هدية_1تدور أحداث رواية “ريام وكفى” حول أربع نساء من أسرة واحدة تنتمى للطبقة الوسطى بالعراق ، الإبنة الصغرى التى تحمل اسم “كفى” اطلقه والدها”ياسين الفضلى” كى تتوقف زوجته عن انجاب المزيد من البنات ، بينما اطلقت عليها امها اسم “ريام” كمناكفة لحماتها ، وتمردا ً على زوجها الذى سيتزوج عليها زوجة أخرى تنجب له الولد الوحيد للأسرة ، تلك الإبنة “ريام وكفى” هى التى ستسعى لنبش الماضى ، وتعيد كتابة حكايات نساء تلك الأسرة ، وتروى أسرار علاقاتها بالرجال الذين عبروا بحياتها.

تعمل الأم فى الخياطة بالمنزل هربا ً من خيانات الزوج و استهتاره ، الذى سيبحث عن زوجة جديدة صغيرة يأتى بها لتعيش فى بيت العائلة مع الأم وبناتها الثلاث ، اللائى سيرثن مهنة الأم ، ويواصلن العمل فى الخياطة واشغال التطريز حتى بعد رحيلها.

الأبنة الكبيرة “هند” تلتحق بوالدتها فى غرفة الخياطة لتتعلم منها و تكتسب مهارات تزيين الفساتين والعباءات برسوم وتطريزات لفراشات و ورود ، ولينتهى بها الحال فى الرواية لتقمص او التماهى مع شخصية الأم ، بعد مرورها بزواج فاشل.

أما الأبنة الوسطى “صابرين” المرحة الودودة ، الشغوفة بوالدتها وبعالم التفصيل و تزيين العباءات والأوشحة ، وبتتبع القصات عبر الباترون ، تتعرض لامتحان عسير على يد العم “نعمان” الواقع فى قبضة الادمان على الخمور والحشيش بعد محنة فقدان الزوجة وولديه الوحيدين ، فى لحظة فقدان الوعى يتحرش بإبنة الأخ ، التى ينتهى بها الحال للوقوع فريسة الاكتئاب ثم الانتحار.

فى حين تكون الإبنة الصغرى “ريام وكفى” البنت صاحبة الفضول ، والشغوفة بتتبع الأسرار وتفكيك الالغاز ، تتمرد على قوانين الأب الصارم الذى لاتتذكر من طفولتها معه إلا العقوبات الصارمة والضرب ، ووساطات زوجة الأب الصغيرة أم الولد .

فى البداية تتردد “ريام” فى تعلم مهنة الأم التى ستصبح صاحبة محل لبيع الأبسة النسائية تضع عليه يافطة تحمل اسمها “سمر الفضلى” تعويضا عن لقب (أم البنات) الذى كان الزوج والحماة ينادونها به كمناكفة ومضايقة لها لانها لم تنجب الولد.

و تعى “ريام” كل تفاصيل الحياة بين الأب والام ومايشوبها من توترات و مشادات صامتة او مسموعة لمن حولهما ، و تنتهى تلك الحياة الزوجية بين الأثنين بموت الأب بعد فقدانه لزوجته أم الولد الذى سيكبر فى حضن الجدة التى ستعمل على افساد تربيته فينتهى به الحال لدخول السجن مرارا وتكرارا ، قبل أن يختفى من حياة الأسرة بالسفر والهجرة للخارج .

الأبنة “ريام” تقع فى الحب أكثر من مرة أولها فى سن مبكرة لم تتجاوز الثالثة عشر من عمرها مع ولد يبلغ السادسة عشر يدعى “ريحان” ينتمى لمعدان سكان الأهوار ، ثم يخرج من حياتها بعد افشاء “هند” لسر تلك العلاقة البريئة بينها وبين “ريحان” وتدخل الخال بمنعها من مقابلته و ضرب الولد الذى يرحل للأهوار حيث يختفى اثره .

ثم يدخل حياتها ثلاث رجال احدهم هو ربيب صاحب المحلات التى تبيعه أمها انتاجها من الثياب ، ولأجل هذه العاطفة تترك الجامعة و تبدأ فى تعلم الخياطة لأجل ان تكون قريبة من مكان عمل ذلك الحبيب ، و لكنها تخيب فى ظنها إذ يصبح قاتل لوالدته الهاربة مع عشيقها ، ثم تتوهم مشاعر حب تجاه جار يتبين لها انتماءه لتنظيم محظور ويصبح مطارد ، بينما الرجل الثالث هو صاحب مكتبة تترد عليها ولكنها لا تنتبه لمشاعرها تجاهه إلا بعد فوات الاوان ، إذ يختفى من حياتها بعد ان تجد المكتبة قد أصبحت محل لبيع الملابس .

بعد حلم ترى خلاله “ريام” والدتها تقرر أن تفسره على أنها تحرضها وتحثها على تغيير مسار حياتها وترك العمل فى الخياطة ، و مغادرة البيت لاكتشاف الحياة من أبواب أوسع ، فتغادر حاملة حقيبة سفر تضم أوارق رواية كتبتها حول حياتها وحياة نساء أسرتها ، و عن فاطمة مساعدتها بالعمل .

***

“لماذا أكتب عن تلك الأيام وأستحضر أرواح من ماتوا؟ هل خوفاً من نسيان ماجرى كما أحب أن أقنع نفسي، أم لأهرب من رمال الصحراء التي غطت حقولي وأحاول درأها لكي لاتتيبس تماما؟ أم تراها رغبة لتخفيف الضغط على قلبي من هزيمة في الحب ؟ أم تراها هذا وربما ذاك وربما لكل تلك الاسباب ..”

تحاول الساردة أى “ريام” أن تفسر او تبرر الرغبة المفاجئة التى انتابتها فى كتابة رواية توثق من خلالها تاريخ نساء عرفتهن فى حياتها ، مع مواصلتى للقراءة حتى النهاية ،لم تنجح “ريام” فى تبرير بعض تصرفاتها أو قراراتها التى بدت لى ، على الأقل غير مفهومة نوعا ما ، فى اطار ماكتبته حول تاريخ الأسرة ، والعلاقة بين الأب والأم ، كما لم يكن لمعاناة الأم أى اثر على نفسية “ريام” فى سن أكبر ، حتى بعد ذهابها للجامعة وتخصصها بالدراسات التاريخية تنفيذا لرغبة قديمة نشأت وقت علاقتها البريئة “بريحان ابن المعدان” لم يتطور وعي “ريام” او يتواصل نموها النفسى والعقلى ، بل ظلت أسيرة لرغبات متقلبة .

استحوذت شخصية الأم “سمر الفضلى” على اهتمامى اكثر من أى شخصية نسائية فى الرواية ، إذ بدت أكثر نضج ووعى وحكمة فى التعامل مع تقلبات الحياة ومعاناتها مع زوج مستهتر وجاحد ، وحماة قاسية القلب ، و أذكى فى تعاملها مع ضرتها ، وأكثر صلابة فى مواجهة اطماع الرجال من حولها ، و تملك ادراكها الخاصة للحياة ، وربما الربط بين شخصية الأم و شخصية المطربة الكبيرة “عفيفة اسكندر” كان فى محله .

العلاقة المتوترة بين “ريام” و “هند” لم تكن منطقية او مفهومة فى سياق السرد الروائى حول حياتهن الأسرية ،إذ تكتفى “هدية حسين” بتقديم مختصر نوعا ما لشخصيات الرواية ، فجاءت معظمها سطحية فى تفكيرها و مفتقدة للعمق النفسى فى سلوكها ، وفاقدة للثراء الروحى ، مايجعل تلك الشخصيات الروائية سهلة النسيان بعد مرور الوقت على قراءة الرواية . 

حاولت الكاتبة تقديم نماذج نسائية من المجتمع العراقى ، وتسليط الضوء على مشاكلهن الاجتماعية ، ولكنها لم تنجح فى وضع حكاية فاطمة الأرملة فى مكانها الصحيح إذ كان بالامكان استعمالها لتسليط الضوء على مشاكل النساء العراقيات ضحايا الحروب الكثيرة التى خاضها البلد خلال العقود الماضية ، وبالرغم من الحاحها على “ريام” بكتابة حياتها فى الرواية التى اعلنت عن بدء الشروع فى تأليفها .

تبدو الرواية أقرب لحكايات يتبادلنها النساء فى جلسات تناول القهوة او الزيارات الاجتماعية ، الحبكة الروائية غير معقدة ، سلسة ، تناسب عبرها الحكاية ببساطة لتروى حياة النساء الأربعة ، حاولت الكاتبة استخدام فن الحكى الشفهى من خلال حكايات والدتها حول ماضى اسرتها ، مع يوميات ريام ، والتى لم يظهر لها أى اثر فى ثنايا الحكاية ، رغم اعلنها فى بداية الرواية بأنها ستكتب مستندة ليوميات كتبتها فى العشرين ، ولكن لم يظهر منها شىء حتى خاتمة الرواية ، واكتفت بالاسهاب والاستطراد فى حديث “ريام” واسترجاعها لذكرياتها من الذاكرة ، كل ذلك فى لغة جيدة ، متماسكة ، ولاتخلو من نفحات شاعرية .

استخدام الوقائع التاريخية ، و استعراض لجوانب من العادات والتقاليد والموروث الشعبى العراقى اضفى على الرواية مسحة جميلة ، ومنحها ملامح واضحة للخلفية التى تتحرك فيها تلك النسوة .

السؤال هل تستحق أن تصل هذه الرواية للترشح للقائمة الطويلة لجائزة البوكر للرواية العربية ، برأيى كقارئة لا ، فهى رواية عادية ، لا تحوى شخصيات مؤثرة ، أو سرد مشوق .

***

هدية حسين كاتبة وروائية عراقية مقيمة في كندا. صدره لها تسع روايات وست مجموعات قصصية وكتاب في النقد، و ترجمت روايتها “ما بعد الحب” (2003) إلى اللغة الإنجليزية عن دار “سيراكيوس يونفيرستي بريس” الأميركية عام 2012، وترجمت لها مجموعة قصصية إلى اللغة الصربية بعنوان “وتلك قضية أخرى” (2002) كما ترجمت العديد من قصصها إلى الإنجليزية والإيطالية والصربية، وفازت بالجائزة الأولى عن أندية فتيات الشارقة عام 1999.

***

رابط أغنية ( الله لو تسمع هلي) للمطربة العراقية “عفيفة اسكندر” التى كانت ترددها “سمر الفضلى” والدة “ريام” ..

https://www.youtube.com/watch?v=p7PPKXCJxBg

شوق الدرويش فى سباق البوكر للعام 2015..

6a613e94a2894780b6629cad5c7dfc84“كل شوق يسكن باللقاء، لا يعوّل عليه”
                                                   ابن عربي

قرأت عبر موقع القودريدز آراء وتعليقات القراء حول رواية جديدة اسمها “شوق الدرويش” لروائى سودانى شاب اسمه “حمور زيادة” صدرت بالعام الماضى 2014 ، ونالت رضاهم واستحسانهم مما حفزنى لوضعها على قائمة القراءة لشهر يناير 2015 ، و لم يكن اعجاب الأصدقاء من مشتركي الموقع هو الحافز الوحيد لذلك ، او ظهورها على القائمة الطويلة لترشيحات البوكر لعام 2015 ، إذ كنت اضع بالاعتبار رغبتى الدائمة فى توسيع أفق قراءاتى بإتجاه عوالم ودول جديدة وأماكن وثقافات لا نعرف الكثير عنها خاصة فى عالمنا العالم العربى ، بالرغم من كل الدعايات حول الأخوة فى الدين واللغة والأصل المشترك والخ من ديباجات وكليشيهات كنا نسمعها فى وسائل الأعلام الحكومي الرسمي لأنظمتنا السابقة دون أن نعرف او نتعرف حتى على أنفسنا وثقافاتنا وتاريخنا ولو بالقدر اليسير .

***

تبدأ رواية شوق الدرويش مع نهاية المهدية بالسودان أى العام 1898م ، إذ يُهزم” عبد الله التعايشي “خليفة مهدى الله و دخول القوت الأنجليزية والمصرية إلى أم درمان عاصمة الدولة المهدية ، و استرداد بطل العمل الروائى “بخيت منديل” حريته وسط الفوضى التى تعم المدينة إذ يُطلق سراحه من سجن (الساير ) ليخرج باحثا ً عن أعدائه لينتقم لمقتل ثيودورا/حواء حبيبة القلب .

عبر صفحات الرواية نتعرف على حكاية “بخيت منديل” و اليونانية “ثيودورا/حواء” التى جاءت من الإسكندرية إلى الخرطوم ضمن البعثة التشيرية لتقع فى أسر جنود المهدى ، وينتهى بها الحال فى بيت أحد كبار التجار الانتهازيين ممن ركبوا موجة الحركة المهدية لتحقيق مكاسب شخصية ، فيدخلها سيدها إبراهيم ود الشواك الاسلام بالقوة ، طمعا ً فى معاشرتها كجارية ومع رفضها وماقومتها لمعاشرته يعاقبها بالختان والنبذ قبل أن ينهى حياتها بعد محاولتها الفرار الفاشلة برفقة إحد الأدلاء ممن قادوها فى رحلتها للخرطوم ، قبل أن تعقد العزم على الفرار تلتقى بالعبد “بخيت منديل” المحرر لتوه من نير الأسر لدى سيده المصرى “سعيد أفندى” بعد هزيمة “جردة النجومى ” فى منطقة توشكى بالجنوب المصرى ، فتتوطد المعرفة بين بخيت و ثيودورا/حواء ، وتتحول مشاعر الود الى حب عميق من طرف بخيت ، بينما تظل ثيودورا/ حواء تتخبط بين مشاعر القبول والرفض لمشاعر الحب تلك ، وبين الحيرة تجاه حقيقة ماتشعره ومايختلج فى أعماقها من اعجاب وعاطفة سامية “لبخيت” الذى ينتمى للأرض التى تسببت لها بالكثير من الألم و الوجع والفقد ، و تظل مشاعر الحيرة تتجاذبها حتى لحظة الرحيل.

خروج “بخيت منديل” من السجن وسعيه لانتقام لمقتل الحبيبة ثيودورا /حواء يقوده للوقوع بين يداى “الحسن الجريفاوي” طالب القرآن وتلميذ أحد كبار الصوفيين ، ومن سيكون صهره بعد زواجه من ابنته فاطمة “الجريفاوى” قبل أن يطلقها ليلحق بالمهدى من أجل رفع الظلم واقامة العدل ، ونشر الإسلام وفقا لرؤى يوتوبية ، من خلال “الحسن الجريفاوى” نتلمس مشاعر نموذج عن البسطاء والمؤمنين الأنقياء ممن يمتلكون قابلية الإيمان الإعمى بالمخلص أو المنقذ قبل أن يقعوا ضحايا لشكوك تقودهم لفقدان ذلك الإيمان العميق .

***
من خلال ايقاع سريع ومشوق نتعرف على حياة “بخيت منديل” من العبودية والأسر الاستغلال الجسدي والسجن و العنصرية ، و على حياة الأوربيين والمصريين والأتراك الموجودين بالسودان بتلك الفترة التاريخية ، عن ظلم الحاكم الأجنبى أثناء فترة الحكم التركى – المصرى أو الحكم الأنجليزى ، عن المظالم التى وقعت فيها دولة المهدى ، عبر تقنية الفلاش باك أى العودة للتذكر بين الحاضر و الماضى دون الألتزام بخط زمنى واحد قد يبعث الرتابة فى نفس القارىء ، يقسّم الرواية فصولاً تحمل أرقام ، والفصول الى فقرات مرقمة .

كما يلجأ “حمور زيادة ” لاستعمال أدوات سردية عدة نتعرف من خلالها على باقى خيوط الحكاية و أقدار إبطالها الرئيسيين “بخيت منديل” و “ثيودورا/ حواء” و ” الحسن الجريفاوي” فيتداخل السرد الروائى مع الوثائق التاريخية ، و الحكايات الشعبية ، و الأغانى ، و الرسائل والمذكرات ، وحتى النصوص الدينية من القرآن الكريم و التوراه والانجيل ، و القصائد والنصوص الصوفية .

لم استسغ العاطفة الجياشة ، المغرقة فى الرومانسية عند “بخيت منديل” تجاه “ثيودورا/حواء ” رغم وجود “مريسيلة ” الحسناء السودانية التى بذلت أقصى جهدها مضحية بالكثير لاسترضائه ، كما لم افهم الدوافع أو المبررات النفسية “لبخيت منديل” بأصراره على الانتقام لحبيبته التى لم ترق أو تلين أمام كل تلك العاطفة القوية النبيلة .

إيضا لم أجده تصرف مفهوم من سعيد أفندى المالك المصرى للعبد” بخيت منديل ” بإعطائه حريته و ومنحه كمية كبيرة من المال ، رغم فقره وعوزه وسعيه لجمع المال .

كانت شخصية”الحسن الجريفاوى ” تتمتع بسحر وجاذبية وتأثير أكثر من أى شخصية أخرى بالرواية ، إذ جاء تكوينها النفسى واستعدادها الصوفى متساقا ًمع الأحداث التاريخية بالبلد فى الفترة التى يتناولها الكاتب ، كما أحببت شخصية “مريسيلة” بشجاعتها وكبريائها وعاطفتها الصادقة فى مواجهة شبح ثيودورا /حواء الحائم حول “بخيت منديل” وحرمان “مريسيلة ” من فرصة الحصول على قلبه .

***
حمور زيادة هو صحفي ومدون سودانى ، يقيم حاليا بالقاهرة منذ عام 2009 ، صدرت له مجموعتان قصصيتان هما “سيرة أمدرمانية” و”النوم عند قدمي الجبل” ورواية “الكونج ” ، و رواية “شوق الدرويش” التى دخلت القائمة الطويلة لترشيحات جائزة البوكر لعام 2014 .

وقد سبق أن فازت نفس الرواية بجائزة نجيب محفوظ للأداب عام 2014 ، والمثير للانتباه هو ماورد فى كلمة لجنة التحكيم لجائزة محفوظ حول الأسباب و الحيثيات التى ساهمت فى فوز الرواية :” هى سرد لقصة الحب والاستبداد والعبودية والقهر والثورة المهدية في السودان في القرن التاسع عشر… ما جعلها تجسد المشهد الحالي في المنطقة حيث تعم الفوضى نتيجة للتطرف الديني ” ، مما دفعنى للتساؤل عن نزاهة لجنة التحكيم فى هذا الشأن ، كما احيت بداخلي التساؤلات القديمة الجديدة التى تثار حول الجوائز والتوظيف السياسى والايديولوجى لها ، و محاولات استغلال بعض الاعمال والاسماء الروائية المخضرمة او الشابة ضمن هذا الاطار ، أيضا قد يتم استغلال هذه السطور من نص حكم لجنة التحكيم من قبل اشخاص كثر لن يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن الرواية وقرأتها لاستيعاب ماأراد الروائى “زيادة” أن يعبر عنه من تأويلات و وقراءة جديدة لفترة تاريخية مهمة من فترات التاريخ السودانى الحديث .

بعيدا عن الرأى السياسى الفج لقرار لجنة التحكيم بجائزة محفوظ أرى كقارئة وباحثة تاريخية رواية “شوق الدرويش” تمتعت بمواصفات العمل الروائى المتكامل ، و جاء استعمال الأحداث التاريخية الممزوجة بمهارة مع حكاية بخيت مع ثيودورا لتقدم لنا السودان بكل مافيه من ثقافات واثنيات وابطال تاريخيين وموروث صوفى و شعبى دون عناء أو تكلف ، الشىء المزعج فى نسختى من الرواية هو الطباعة الرديئة والتنسيق السىء الذى اشعرنى ببعض الضياع فى تتبع الحكاية حتى نهايتها ، إذ كنت اضطر لتحديد بداية كل فصل أو فقرة جديدة ، بالإضافة لوضع علامات حول اسماء الأشخاص و الاماكن والمعارك كى اقدر على الاستيعاب بشكل أدق .

***
رواية “شوق الدرويش” هى عمل رائع ، وساحر يستحق القراءة والإشادة بموهبة ومقدرة وامكانيات الروائى الشاب القادم من بلد العطور والمر والبخور .

 

نساء الطغاة..

images1تتناول الباحثة الفرنسية “ديانا دوكريه” فى هذا الكتاب أجزاء من حياة مجموعة منتقاة من دكتاتورى العالم والنساء اللائى أحطن بهم ، حيث تحكى الكاتبة تفاصيل العلاقات الغرامية ، ومايتخللها من مواعيد ولقاءات ، و ماتركته الحياة السياسية على حياتهن ، بالمقابل ماساهمن بالتأثير فى حياة الطغاة سواء بالسلب أو الأيجاب ، ومدى أثار تلك العلاقات العاطفية على الحياة السياسية ، يمتلىء الكتاب بتفاصيل صغيرة حول شخصيات طغاة كهتلر و موسولينى و موتسى تونغ و سالازار ، وما اتبعوه من طرق لاغواء النساء ، وكيف تفاعلوا مع المعجبات ، وإلى أى مدى ذهبوا فى نزواتهم ، أو تلبية نزوات ورغبات نسائهم.

بنيتو موسولينى ، حياة المرشد

بحسب مقاييس الجمال لدى الطليان تمتع موسولينى بجاذبية طاغية لدى النساء إذ “كن يشعرن بضعفهن يتحول إلى قوة ” عندما يتوجه إليهن بالحديث ، لهذا استغل موسولينى هذا الجانب جيدا فى السيطرة والتأثير على الجماهير ، فهو تبنى مبدأ سياسيا ً يقوم على توجيه خطاب لجمهور لا إلى شعب .

كانت بداياته العاطفية مع فتيات قرويات وقعن ضحية لما كان يمارسه عليهن من سحر حتى تحول الى سابى للقلوب .

6
موسولينى و مرغريتا سارفاتى

فى العام 1904 تعرف الى أنجليكا بالانوف واحدة من المثقفات المنتمية للطبقة الارستقراطية العريقة فى أوربا ، التى تحولت لاعتناق الشيوعية ، رافعا راية الفكر النسوى فى ذلك الوقت ، فارتبطا بعلاقة عاطفية وطيدة ساهمت فى ايصاله لمراتب متقدمة فى الحياة الصحفية التى كان يخطو الخطوات الآولى فيها قبل ان يكثف من نشاطه السياسى ويتحول لشخصية سياسية مرموقة مع منتصف العشرينات من القرن الماضى ، فى أثنائها لايكتفى بعلاقته بأنجليكا ، إذ تدخل لحياته العاطفية والسياسية امرة اخرى هى مرغريتا سارفاتى زوجة محامى مرموق ستتخلى عن حياتها الزوجية والأسرية فى سبيل عشقها الجنونى لموسولينى الذى لن يقدم لها شىء بالمقابل ، بل يقيم علاقات عاطفية عابرة ، أثناء وجودها كعشيقة فى حياته ، ساهمت مارغريتا الخبيرة فى الصحافة فى صنع أسطورة ترتكز على قوته الجسدية فهو الذكر الكامل الذى يعمل خمس عشرة ساعة فى اليوم ، بقدرة هائلة على التركيز وقوة جسدية لاتضاهى ، ساهرا على مصالح ومصير إيطاليا.
وعندما توفى زوج مرغريتا فى العام 1924 رفض موسولينى الانفصال عن راشيليه زوجته المقيمة فى بيتهم بميلانو بعيدا عن الاضواء ، فى هذه الأثناء بدأت مرغريتا تقع ضحية لما صنعته ، إذ بدى أن وجود عشيقة رسمية فى حياة موسولينى الرجل المرسل من السماء ، المتحلى بأخلاق حميدة ، وجود مشين .

خرجت مرغريتا من حياة موسولينى لتحل محلها عشيقة جديدة وأخيرة هى كلارا بيتاتشى التى التقاها بصحبة أسرتها على الطريق المؤدى للشاطىء البحر بمدينة أوستى حيث تقضى أسرة بيتاتشى عطلتها.

فى العام 1904 تعرف الى أنجليكا بالانوف واحدة من المثقفات المنتمية للطبقة الارستقراطية العريقة فى أوربا ، التى تحولت لاعتناق الشيوعية ، رافعا راية الفكر النسوى فى ذلك الوقت ، فارتبطا بعلاقة عاطفية وطيدة ساهمت فى ايصاله لمراتب متقدمة فى الحياة الصحفية التى كان يخطو الخطوات الآولى فيها قبل ان يكثف من نشاطه السياسى ويتحول لشخصية سياسية مرموقة مع منتصف العشرينات من القرن الماضى ، فى أثنائها لايكتفى بعلاقته بأنجليكا ، إذ تدخل لحياته العاطفية والسياسية امرة اخرى هى مرغريتا سارفاتى زوجة محامى مرموق ستتخلى عن حياتها الزوجية والأسرية فى سبيل عشقها الجنونى لموسولينى الذى لن يقدم لها شىء بالمقابل ، بل يقيم علاقات عاطفية عابرة ، أثناء وجودها كعشيقة فى حياته ، ساهمت مارغريتا الخبيرة فى الصحافة فى صنع أسطورة ترتكز على قوته الجسدية فهو الذكر الكامل الذى يعمل خمس عشرة ساعة فى اليوم ، بقدرة هائلة على التركيز وقوة جسدية لاتضاهى ، ساهرا على مصالح ومصير إيطاليا.

وعندما توفى زوج مرغريتا فى العام 1924 رفض موسولينى الانفصال عن راشيليه زوجته المقيمة فى بيتهم بميلانو بعيدا عن الاضواء ، فى هذه الأثناء بدأت مرغريتا تقع ضحية لما صنعته ، إذ بدى أن وجود عشيقة رسمية فى حياة موسولينى الرجل المرسل من السماء ، المتحلى بأخلاق حميدة ، وجود مشين .

images

بنيتوموسولينى والعشيقة كلارا بياتشى

خرجت مرغريتا من حياة موسولينى لتحل محلها عشيقة جديدة وأخيرة هى كلارا بيتاتشى التى التقاها بصحبة أسرتها على الطريق المؤدى للشاطىء البحر بمدينة أوستى حيث تقضى أسرة بيتاتشى عطلتها.

مارس موسولينى المزيد من الأكاذيب والحيل لنيل قلب كلارا ، ولابقاء زواجه من راشيليه قائما ، محافظا على مظاهر زائفة أمام الشعب الإيطالى الذى وصل فى سنوات ماقبل الحرب العالمية الثانية لذورة عبادة الدوتشى .

كتُب في العام 1938 لعلاقة كلارا وموسولينى الانطفاء مع هبوب نذائر بحرب عالمية جديدة على أبواب أوربا والعالم ، إذ كانت المصائب الشخصية والعامة تتوالى على حياة الدوتشى ، من فقدان لابنه برونو ، لخسائره على الجبهة الروسية ، لبروز مؤأمرات لاسقاطه داخليا ، كل ذلك دفعه للعزوف عن مواصلة علاقته الغرامية بكلارا الشديدة الاخلاص التى لم تتخل عنه ، حيث تبعه حتى آخر لحظات حياته فى هروبه باتجه سويسرى متخفيا فى لباس جندى ألمانى لكنه يقع فى أيدى المناوئين واعداءه الحزبيين فيتم اعدامه بالرصاص مع عشيقته كلارا التى تحرص حتى آخر لحظة فى حياتها على أرضاء الدوتشى الصعب قائلة ً: “هل أنتَ راض عني لأني سأموت معك؟”                                                              ***
      أنطونيو سالازار ، الحب يقرع الباب مرتين

    على محطة القطار فى العام 1905 يتلقى أنطونيو سالازار الطالب بالمدرسة الأكليريكية الآنسة فليسمينا دى أوليفارا صديقة شقيقته ماريا ، كان أنطونيو فى السادسة عشر ، وفليسمينا تكبره بسنتين ، جاءت لقضاء جزء من العطلة فى بيت صديقتها .

كانت فليسمينا تنحدر من أسرة متواضعة ، قررت الالتحاق بسلك الرهبنة وتكريس حياتها لخدمة الرب ، ولكنها عدلت عن ذلك للالتحاق بدار المعلمين بفيزو حيث ستلتقى بماريا سالازار، فى تلك الفترة من حياة فليسمينا تحولت لاتخاذ شخصية فتاة متزمتة ترتدى اللون الأسود وتتشدد فى سلوكها ، وتتبرع بأعطاء دروس لزميلاتها المعوزات .

تلقت فليسمينا رسالة من أنطونيو يبوح فيها بمكنونات قلبه ويخبرها فيها عن استعداده لتغيير مسار حياته وترك دراسة اللاهوت والزواج بها ، فأشعرها هذا الأمر بالاثم ، فقررت رفض مشاعره وعاطفته ، يتكرر هذا العرض على مدى سنوات طويلة حتى يفقد أنطونيو الأمل بقبولها وتتحول العاطفة بين الاثنين الى صداقة قوية ومتينة ، تقوم فيها فليسمينا بمد يد العون والدعم لانطونيو الذى تحول من دراسة اللاهوت لكلية الحقوق بكومبرا ، حيث ينجح فى الحصول على درجته العلمية ، قبل أن يبدأ الصعود فى الحياة الحزبية والسياسة بالبرتغال فى سنوات الجمهورية الأولى ، تحت رعاية أسرة برستوالو العريقة التى ستساهم فى تعليم أنطونيو طرق حياة الطبقة النبيلة بالبلد .

مع وصول أنطونيو للحكم تصبح فليسمينا صاحبة تأثير قوى ، فهى من أدق مخبرات سيد الدولة الجديدة ، حيث شغلت منصب مفتشة المدارس كأول امراة برتغالية تنال هذا المنصب ، ولم يكن لاحد أن يحتفظ بسلطته دون رضاها ، كانت فليسمينا تتحول شىء فشىء لامرأة شديدة المرارة ، فاقدة لايمانها القديم ، تميل لانتقام لأدنى شبهة او هفوة . 

2
انطونيو سالازار و فليسمينا دى أوليفرا فى فترة الشباب

أما المرأة الأخرى فى حياة دكتاتور البرتغال سالازار فهى الصحفية الفرنسية كريستين غارنييه التى جاءت فى العام 1951م للبرتغال لاجراء ابحاث ولقاء انطونيو من أجل تأليف كتاب حوله ، وكانت كريستين أمراة لاتعرف النفاق الذى تفرضه الحياة السياسية ، فقالت له :” يقول البعض إنك قديس وأنه لن يمر وقت طويلقبل أن تطُوب . والبعض الآخر يرى إنك زعيم عديم الاحساس والإنسانيةوصيت تقشفك ذائع الى درجة أنهم نصحونى بعدم التعطر وتجنب طلاء أظافرى..” فتن انطونيو بهذه الثقة بالنفس و سمح لها بطرح ماتريد من اسئلة ، كما دعاها لقضاء أيام فى سانتا كومبا البيت الريفى الذى يعود لاسرته حيث كان يقضى أوقات طويلة للراحة وأثناء العطلات .

كان أنطونيو يصحب كريستين فى نزهات مستندا على عصاه الهندية ، مثيرا ظهورهما معا همس ولغط بين القرويين ، فكريستين كانت أمراة فى الثلاثين ، فى حين بلغ سالازار الإثنين والستين ، وقد قضيت كريستين صيف ذلك العام تتنقل بين سانتا كرمبا وبرشلونة ، قبل ان تصبح مواظبة على التنقل بين فرنسا والبرتغال فقد وصلت الى مرحلة أن تصبح عشيقة لدكتاتور البرتغال العجوز ، وكان سالازار ينفق ببذخ على نزوات كريستين ورغباتها ، بالمقابل كان يستغلها لابعد مدى ، إذ كانت كريستين تسافر كثيرا وتخالط النخبة الفرنسية والوزراء والأعيان ، وتملك شبكة علاقات واسعة فى أوربا جعلته يلجىء لطلب خدماتها فى المسائل الحساسة التى تتطلب الابتعاد عن القنوات الدبلوماسية الرسمية .

أنطونيو سالازار برفقة الفرنسية كريستين غارنييه فى قريته سانتا كومبا
أنطونيو سالازار برفقة الفرنسية كريستين غارنييه فى قريته سانتا كومبا

فى 27 من مايو عام 1970 توفى سالازار فى بيته بسانتا كرمبا برفقة مدبرة منزله التى احبته بصمت لعقود طويلة دون ان يبادلها العاطفة ، بالمقابل رحل دون ان يلقى نظرة وداع على فليسمينا من أحبته قرابة النصف قرن ، وبقيت عذارء من أجله .
                                                  ***

فوهرر إسمه الرغبة 

“..ياقائدى الحبيب ، لابد لى أن أفكر فيك كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة . لكنت أذهب بكل سرور إلى برلين للألقاك ، هل يحق لى هذا؟ مهم حصل فإن حياتى ملك لك . أود لو أعرف مغزى كل ذلك . إذ لم يعد باستطاعتى أن أعمل ، لأنى افكر فيك دوما ً . لايسعنى أن أحب غيرك أكثر منك . آمل أن تتحقق أمنيتى. أرجوك أكتب لى إذا كان يحق لى المجىء” ..كانت هذه واحدة من مجموعة ضخمة من رسائل تلقاها أودلف هتلر فى مستشارية الرايخ ، كانت الرسائل التى تصل بعيدة كل البعد عن مراعاة شروط الأعراف عادة ، فكانت تتدفق يوميا رسائل لتقديم التهانى او النصائح اللطيفة او البوح المتقد ، كلها موجه لهتلر أثناء توليه السلطة فى ألمانيا ، رغم صعوبة تصور هذه الشخصية الغريبة والشاذة رمزا ً لمثال جنسى لدى النساء ، والملفت للانتباه لم يكن من بين آلاف هذه الرسائل ولا حتى رسالة او بطاقة تحمل اللوم أو الانتقاد ، و أستوجب هذا التدفق فى الرسائل تخصيص أرشيف لمراسلات هتلر الخاصة .

أودلف هتلر برفقة جلى إبنة اخته المنتحرة
أودلف هتلر برفقة جلى إبنة اخته المنتحرة

ستركز المؤلفة على ثلاث نساء فى حياة هتلر ، الاولى هى جلى ابنة أخته ، التى كانت تعيش معه لمدة تزيد عن ثلاث سنوات ، حيث تقع فى حب أميل موريس سائق هتلر و يقررا الزواج ، ولكن هتلر يرفض اعطائهما الموافقة ، بل ويتآمر على تفريق الحبيبن ليحتفظ بجلى لوحده ، فيقوم باحتجازها فى بيته بدعوى مراقبتها ، مشبعا نزواته كل مرة منها ، حتى تصل الى مرحلة اليأس وتقرر الانتحار واضعة حد لحياتها.

 أما المرأتين الاخريين فهما أيفا براون العاملة البسيطة فى محل للتصوير حيث يتم لقائها الاول بهتلر فتقع تحت تأثير شخصيته مع الفارق الكبير فى السن ، وتتحول لعشيقة تأكلها الغيرة التى تصل لحد تهديد هتلر بالانتحار ، قبل ان تنتهى حياتها معه فى الحصار الأخيرة لمبنى المستشارية فى برلين بعد اتمام اجراءات زواج لايتجاوز البضع ساعات ، ليأتى قرار الزواج متأخرة .

صورة عائلية تضم ماغدا جوبلز مع الزوج والأطفال الضحايا
صورة عائلية تضم ماغدا جوبلز مع الزوج والأطفال الضحايا

 أما المرأة الثالثة فهى ماغدا جوبلز زوجة وزير اعلامه ، هى ابنة غير شرعية لمهندس المانى مرموق وفر لابنته افضل حياة مرفهة ولم يتخلى عنها ، رغم ذلك تحولت ماغدا لانسانة مغامرة ، ربما يفسر دافعها لانخراط فى الحياة الحزبية فى ألمانية فى تلك الفترة لاقتراب اكثر فأكثر من الفوهرر هتلر ، بل وتقبل بالزواج من وزير اعلامه القبيح صاحب الشخصية المتجهمة الكئيبة جوبلز كى تبقى على مقربة من معبودها ، منهية حياتها وحياة زوجها وأطفالها الستة فى حفلة الانتحار المقامة فى الساعات الأخيرة من عمر الرايخ الالمانى أثر الهزيمة فى الحرب العالمية الثانية على يد قوات الحلفاء .

                                                         ***

 يضم الكتاب ثمانى شخصيات من طغاة العصر الحديث ، ولكنى استعرضت هنا 3 منهم فقط ، كأختيار يتوافق مع رغبتى فى فهم الكيفية التى جعلت موسولينى وحياته العاطفية والجسدية تترك بأثارها على بلدى فى أثناء الاختلال الإيطالى فى سنوات العشرينات والثلاثينات من القرن الماضى ، فبعض الذكريات المروية فى الكتاب استنادا ً لمراجع تتضمن مذكرات وأبحاث حول حياة نساء موسولينى وبالاخص مرغريتا و كلارا وأنجليكا تساهم فى فهم طبيعة الكثير من قرارات هذا الدكتاتور الذى ارتكب الكثير من الجرائم بحق الشعب الليبى و الشعب الحبشى و غيرها من الاماكن التى اكتوت بنيران طموحه وجنون العظمة التى عانى منها منذ بدايات حياته السياسة .

أما سالازار فمدى ماتركه حب قديم من سنوات الشباب الاول على افكار هذا الدكتاتور الذى حول بلاده لسجن كبير ، و كرس الكثير من الافكار الرجعية حول مكانة المرأة ، وزرع الارهاب فى نفوس الشعب البرتغالى ، فتحت تأثير افكار فليسمينا الرجعية المتزمتة حول مكانة ودور المرأة بالمجتمع البرتغالى سن الكثير من القوانين وحصرت دورها فى أضيق نطاق .

وفى مايخص بشخصية هتلر فمازالت لا استوعب حتى الآن ماهو الجاذب فى هذا الرجل الشاذ انسانيا والغريب الاطوار ، ماالذى يدفع امرأة كأيفا او ماغدا تتمتعان بالجمال والقدرة على البدء بحياة جديدة مختلفة بعيدا ً عن هذا الدكتاتور بالتمسك بالبقاء معه حتى آخر لحظة فى حياتهن وحياته ، بل كيف تقدم أم على تسميم أطفالها فى حفلة الانتحار الجماعية فى مبنى المستشارية .

الكتاب شيق ، استخدمت الكاتبة أسلوب قصصى سردى ، سلس ، و مختصر ، ومركز ، ويظهر من خلال المراجع المرفقة فى صفحات الكتاب مدى مابذلته من جهد كبير فى تقصى الحقائق حول حياة أولئك الطغاة ونسائهم ، مقدمة صورة موضوعية حول كل شخصية دون الانحياز او السماح لافكارها ومشاعرها الشخصية بالتدخل فى السرد المعلوماتى الثرى .

أسرار صغيرة ..

أسرار صغيرةلست من هواة مشاهدة برامج المسابقات ، لهذا لم أتابع يوما برنامج “الحلقة الاضعف” الا عبر لقطات سريعة ، فالأسلوب الغريب لمقدمة البرنامج “ريتا خورى” فى ذلك البرنامج استوقفنى لبعض الوقت ، سرعان ما نسيت البرنامج ونسيتها، لتفاجئنى عبر كتابها الأول المعنون باسم “أسرار صغيرة” بشخصية مختلفة تماما عن تلك التى ظهرت بها ريتا فى ذلك البرنامج.

وهذا الكتاب هو فى الاصل مجموعة تدوينات سبق لريتا كتابتها ونشرها فى مدونات قامت بأنشائها مابين اعوام 2006- 2011 لتقوم ريتا بجمعها فى الكتاب الصادر فى العام 2012 عن (دار بلومزبري ـــ مؤسسة قطر للنشر).

انهمكت فى قراءة الكتاب فور حصولى عليه لاكمله فى ساعات قليلة ، ثم اضفته لقائمة كتبى المفضلة ، كما صرت احمله فى حقيبتى لاعيد قراءة بعض الأجزاء فى اوقات الانتظار الطويلة بالعيادات والمصحات ، وحيث أصبحت ريتا رفيقة جيدة ومسلية بقصصها وتدويناتها وتأملاتها حول الحياة ومافيها .

كانت ريتا تتحدث من خلال اسم مستعار “رات ” وهو اسم التدليل الذى يستعمله المقربين منها ، كانت تشعر وقتها بحرية كاملة وهي تكتب دون أن يعرفها أحد، متحررة من قيود الشهرة، والقيود الإجتماعية ، و بطريقة سلسة وجميلة فيها جرأة وشجاعة كبيرة فى طرح آرائها وأفكارها ، حكت عن علاقتها بوالديها وزوجها ، ذكريات وحكايات الطفولة ، عن مشاكلها اليومية ، افراحها واحزانها ، و همومها ، وتساؤلاتها الوجودية.

تحت عنوان “أسرار صغيرة ” تتحدث عن ولعها بكتابة اليوميات فى دفاتر أنيقة تليق بأسرارها الصغيرة ، لتستبدل الدفاتر بمدونات مارست عبرها البوح بأسرارها ، وعبر الكتابة تحاول التغلب على مشكلة الخوف الاجتماعى ، فقد عاشت لسنوات خارج لبنان وعندما عادت انكفأت على نفسها مما دفعها للبحث عن مفاتيح للتعامل مع الحياة فى بيروت ، كما نكتشف أنها تكتب كى تتخلص من الألم ، من أوجاع وجروح الماضى ، وورغم معرفتها عن صعوبة الحصول على إجابة عن سؤال من أنا عبر تدوينة مركزة تحمل عنوان “من أكون” تحاول استعادة ماضيها كطفلة ومراهقة وشابة فى بدايات العشرينات من عمرها ، وتقول عن ذلك “أصعب الأمور مواجهة الأنسان لذاته ولذاته” .

تعترف ريتا بمنتهى البساطة بأنها زارت عيادة المحلل النفسي للمعالجة لسنوات طويلة ، كما تكتب رسالة بوح واعتراف جميلة لوالدها الراحل تحت عنوان ” أبى الذى ، مبدئياً، فى السماوات” تقول : “..لم تُتح لى فرصة التحدث إليك عن هذه الأمور ، كما أنك رحلت من دون إنذار، تاركا ً أحاديث معلقة على حبال الغياب ..” .

تحكى لنا عن انطباعاتها كطفلة عن الموت والجنة إثر وفاة جدها ، عن معلومات طريفة وغرائبية ترسخت فى ذاكرتها الطفولة حول هذا الموضوع الماورائى .

تحدثنا فى الكتاب عن علاقتها المتأرجحة بوالدتها منذ طفولتها المبكرة إذ تذكر مدى تأثرها بسماع والدتها تردد للمعارف عن لحظة رؤيتها لريتا فور ولادتها وكيف طلبت من المحيطين بها بالمستشفى أن يبعدوا الطفلة ذات الشعر الداكن والمظهر القبيح عنها ، تقول ريتا عن ذلك :”…كان الناس يضحكون لهذه القصة ، بينما أتمزق من الداخل، لم أفهم سبب رفضها لى، خصوصا أنه لاحيلة لى فى مجيئى إلى هذا العالم ..” .

عندما تكبر وتكتسب بعض الخبرة فى الحياة تحاول ان تجد تفسير ومبررات لسلوك وتصرفات والدتها، فتعترف بأنها احتاجت لسنوات طويلة كى تكتشف أن والدتها كانت امرأة لها عذاباتها وآلامها الخاصة، حيث تنجح فى التخلص من مشاعرها السلبية تجاه ماضي علاقتها بوالدتها.

فى نصوص متخيلة على لسان حاسوبها الشخصى تحدثنا على لسان جهازها الشخصى عن مشاعرها واهتماماتها المتقلبة بمواضيع بعضها يحمل طابع الغرابة والطرافة معا ، إذ تسعى للحصول على منملة لتربية النمل بعد قراءتها لثلاثية للكاتب” برنارد فيبير” ، عن علاقتها بزوجها وبأسرتها .

لا تخجل ريتا، من التكلم بصراحة عن التقلبات فى علاقتها بزوجها الذى يعمل ويقيم فى باريس ، ماجعلها تغادر بيروت منذ عام 2006 .

كما تشاركنا بتفاصيل علاقتها بابنة زوجها المراهقة ، وعن الكتب ، والسينما ، فنتعرف على افلامها المفضلة ، وعن كتابها المفضلين ، وأطعمتها المفضلة ، و رحلاتها و بعض الأماكن التى زارتها.

فى نصوص أخرى تروى لنا أسرار جرائم طفولة بريئة ، وتحدثنا عن فترات كآبة وانكفاء على النفس مرت بها ريتا ،قد يكتشف بعضنا قد سبق له المرور بمثل هذه الأوقات والتجارب السيئة .

ويفيض الكتاب بالكثير من الأحاسيس والمشاعر، والهواجس والمخاوف ، والاعترافات والتأملات .

قامت ريتا بتسجيل بعض النصوص من الكتاب بصوتها، وقد استمتعت بالاستماع للنصوص المختارة إذ أضفت مسحة جميلة عليها، اخترت هذا التسجيل الطريف حول اختراع السعادة .

http://https://soundcloud.com/rita-khoury/jopkfk3fo5yi

بدأت ريتا خوري مسيرتها الإعلامية في برنامج للهواة عام 1988 حيث شاركت عن فئة تقديم البرامج، ثم انتقلت إلى إذاعة الشرق في باريس، حيث قدمت خلال عشر سنوات من عملها هناك مجموعة من البرامج الثقافية والاجتماعية والفنية، ثم عملت فى بعض المحطات الغربية فى أوربا ، قبل أن يُعرض عليها تقديم النسخة العربية من برنامج المسابقات العالمى”الحلقة الأضعف” ، ثم قدمت برامج اجتماعية مثل “يوميات”و”حكايا الناس” و”سوالفنا حلوة”.

إيلانى ..كتاب يروى مأساة أم خلال الحرب الأهلية اليونانية

indexيتناول هذا الكتاب “إيلانى” قصة حقيقية حدثت أثناء ومابعد الحرب العالمية الثانية ،لأم يونانية ضحت بحياتها لانقاذ اطفالها من عبثية الحرب ، حيث يروى لنا “نيكولاس غاتزويانيس” مراسل النيويورك تايمزِ مأساة أمه “إيلاينى” . ففى أثناء الحرب الأهلية اليونانية مابين( 1946 – 1949 ) بين الجيش الحكومي اليوناني (المدعوم من الولايات المتحدة الامريكية و بريطانيا) وجيش اليونان الديمقراطي الجناح العسكري للحزب الشيوعي اليوناني (المدعوم من بلغاريا ويوغوسلافيا وألبانيا) التى اشتعلت بين الطرفين نتيجة لصراع الاستقطاب بين اليساريين واليمينيين الذي بدأ في عام 1943 ذلك بعد حصول فراغ فى السلطة نتيجة لدحر الاحتلال الألماني الإيطالي خلال الحرب العالمية الثانية عن الاراضى اليونانية .

اعُتقلت “إيلانى غاتزويانيس” فى العام 1948 بعد أن نجحت فى تهريب أطفالها الخمسة من قبضة المقاتلين اليونانيين من الشيوعيين ممن سيطروا على النواحى التى تقع فيها قرية “ليا” الجبلية التى تنتمى إليها إيلانى واسرتها ، وكانت تهمة إيلانى تهريب أبنائها فحُكم عليها بالاعدام بعد أن تعرضت لابشع أساليب التعذيب المعروفة أنذاك ، ثم أُطلق عليها النار أمام أهل قريتها بهدف بث الرعب والذعر فى قلوبهم لكى لايحذون حذوها فى عدم ارسال أطفالهم لمعسكرات الشيوعيين فى دول الستار الحديدى أى يوغسلافيا و بلغاريا بهدف تدريبهم وإعدادهم عقائديا يدينون بمبادىء الشيوعية .

تقول احد القرويات عن أخر لحظات الام “إيلانى” أنها سمعت صوت صرخة تجمدت أوصالها لهولها وكانت (ياأولادى) آخر كلمات “إيلانى”.

لقد حاول “نيكولا” من خلال كتابه استعادة سيرة والدته ومأساتها من خلال القيام برحلة الى موطنه الأم بقرية “ليا” الجبلية باحثا عن الحقيقة وكيف قضت والدته الايام والساعات الاخيرة ، وعن البحث على القاتل للقصاص منه.

في عمر التاسعة إنضم “نيكولاس غايج” لآبيه “خريستوس اليونانى ” المقيم فى ماساشوستس حيث يعمل فى التجارة ، و عاش نيكولا لسنوات طويلة تلاحقه ذكرى والدته وعذاباتها ومصيرها ، فقرر العودة للمرة الأولى الى اليونان فى زيارة فى العام 1963 ، ثم عاد ليحضر مأتم جدته “ميغالى” ، ليقرر بعدها فى العام 1977 أن يظل فى اثينا كمراسل لصحيفة (النيويورك تايمز) ، فى تلك الفترة قصد قريته “ليا” بضع مرات فوجدها قد تحولت الى أطلال بعد هجرة معظم سكانها منها ، وبقاء بضع مئات من المتقدمين فى السن ، فقرر “نيكولا” تحت دوافع عاطفية تعتمل فى إعماقه بوضع برامج لإعادة إحياء القرية من خلال تأسيس جمعية تقدم تبرعات سخية للقرية بهدف اقام مشاريع تجارية تساهم فى عودة شباب القرية للبقاء والعمل فيها بعد هجرتهم للمدن الكبيرة .

يقول نيكولا عن ذلك :” كنت أحاول على نحو غير واعى ، إقامة نصب لأمى لايستطيع أحد هدمها ، فالمشاريع التى سعيت إلى تحقيقها هى خير شاهد على حياة أمى وتعنيف لأولئك الذين خانوها فأخفقوا فى القضاء على إيلانى غاتزويانيس واولادها”.

كانت لدى “نيكولا” رغبة كبيرة فى معرفة مصير قتلة والدته ، وتجددت تلك الرغبة بعد معرفته ان احد المجرمين مات من غير أن تتاح له فرصة تعقبه ، و القاضى المتورط فى قضية والدته المدعو “كاتيس” لايزال على قيد الحياة ، وتزامن ذلك مع الترخيص للحزب الشيوعى فى اليوان عام 1974 ورفع الحظر عن جميع الجرائم التى ارتكبها مقاتليه فى سنوات الحرب الاهلية ، وعودتهم الى اليونان ليروو أخبار الحرب كما يشاؤون جاعلين من قادة الحركة الشيوعية أبطالا شعبيين ، فقرر التفرغ لقضيته الشخصية فقدم استقالته ، ثم حصل على مسدس هربه مع مقتنياته الشخصية التى أدخلها لليونان .

ويقول نيكولا :” كلما سألت أحد من الطلاب المتحمسون للحزب الشيوعى عن حملة جمع الأطفال وفصلهم عن أسرهم ، وحملات إعدام المدنيين والفظاعات الأخرى التى ارتكبها المقاتلين الشيوعيين خلال الحرب ، كان يهز رأسه ساخرا ً من جهلى ثم يشرح بثقة أن تلك الأمور لم تحصل ابدا”.

فقد سعى مقاتلى جيش اليونان الديمقراطى من خلال حملات منظمة ، محو ذكرى الافعال الشنيعة من ضمائر اليونانيين ، ولهذا عمل “نيكولا” على تدوين تلك السيرة ليس من أجله ومن أجل ذكرى والدته وباقى افراد اسرته ، إنما لتنوير الجيل اليونانى الذى تلا الحرب والذى لم تتسنى له معرفة كافة ملابساتها .

فأسفرت مساعى “نيكولا” عن التحقيق مع 400 شخص ، بينهم القرويين و الجنود الذين حاربوا مع الطرفين فى فترة الحرب الأهلية ، حيث أخذته التحريات فى طول اليونان وعرضها ، فضلا عن بريطانيا وكندا وبولونيا و المجر و تشيكوسلوفاكيا حيث تجمع لديه قطع المكونة لقصة والدته تتجمع قطعة قطعة .

يقول نيكولا عن لحظة انجازه لكتابه :”لقد عرفت أمى كما كانت حقا ً، بعيدا ً عن ذكريات الطفولية المحدودة ، فهى كانت امرأة ريفية عادية مليئة بالشكوك والمخاوف والمعتقدات التى غرستها فيها تربيتها ، ولكن ما إن رأت خطر الابادة يحيق بعائلتها حتى تكشف لها فى إعماق ذاتها رؤية واضحة لما تريد وقوة كافية لتحقيقه “.

بعد حصول “نيكولا” على كافة تفاصيل ماجرى فى تلك السنوات وماتأثيرها على حياة اسرته ، قرر البحث عن القاضى الثورى الذى حكم بالاعدام على والدته بتهمة رفض ارسال ابنائها لمعسكرات الشيوعيين ليتحولوا لمقاتلين فى صفوف الشيوعيين، فعرف بأن “كاتيس” موجود فى بلدة “كونيتسا” فسافر اليه حيث استطاع الوصول لعنوان بيته ،وقام بزيارته بصفته صحفى يحاول الحصول على معلومات حول ممارسات الجيش الديمقراطى الشعبى ، وماقام به هو شخصيا من محاكمات واعدامات لمدنيين ، وينكر “كاتيس” مشاركته فى تلك الجرائم ضد مدنيين ولكن نيكولا يواجهه بكل مايملك من معلومات فيطرده “كاتيس” من بيته ، فى اللحظة التى تسمع زوجته وابنته الشابة عما اقترفه من جرائم من “نيكولا” الذى اصُيب بهستيريا فأخذ يصرخ بصوت مرتفع فاضحا ً “كاتيس” أمام اسرته ، يقرر “نيكولا” عدم الاكتفاء بذلك ، إنما يرى ضرورة القصاص من قاتل وادلته عبر تنفيذ حكم بالموت عليه باطلاق النار من المسدس الذى يحمله ، فيتحين الفرصة عندما يجد “كاتيس” وحيدا فى بيته الصيفى فيدخل شاهرا ً مسدسه المحشو ويصوب على رأس قاتل امه ثم يقرر التراجع فى أخر لحظة ، ويقول نيكولا حول سبب تراجعه :” أعرف أن الخوف اوقفنى عن ذلك ، خوف الانسلاخ عن اولادى ، وفتح مسلسل الثأر جيلا بعد جيل ، ولكن دافعا ً أخر وهو فهم حقيقة أمى التى اكتسبته من امتحانى لحياتها ، أجل ففى كشفى عن جوانب تلك الحياة عرفت شيئا ً من كلماتها الأخيرة وهى على عتبة الموت ، فعندما أدخلت انجليكى بوتساريس لمواجهتها فى اليوم السابق لاعدامها ، لم تتكلم امى عن آلامها وعذابها ، بل قصرت الكلام على شوقها إلى معانقة أولادها مرة أخيرة ، وقد وجدت الجرأة لمواجهة الموت لأنها أدت واجبها تجاه من أحبت”.

يقدم لنا الكتاب إلى جانب حكاية الأم إيلانى، عرض لتاريخ الحرب الأهلية من وجهة نظر انسانية تتضمن تأثيرات مثل هذه الصراعات المدمرة على نسيج المجتمعات ، وعلى أرواح الناس، ويسرد لنا “نيكولا” الكثير من المعلومات حول العادات والتقاليد وافكار المجتمع اليونانى ، والممارسات والعقائد الدينية ، وأدوار النساء فى المجتمع اليونانى .

قراءة هذا الكتاب بصفحاته 480 أشبه بمعايشة تجربة مؤثرة ، ومؤلمة فى الوقت ذاته فالكاتب يستخدم أسلوب جميل وسلس فى سرد تفاصيل الحكاية ، رابطا التاريخ السياسى لليونان بالتاريخ الشخصى لاسرته وقريته الصغيرة ، وتأثير الحرب والصراعات السياسية على حياة الناس البسطاء ، وماتصيب ارواحهم من تشوهات نفسية ، وكيف يتحولون الى اعداء رغم انتمائهم لوطن واحد ، أثناء قرائتى للكتاب كنت اتوقف وافكر فى ماوقع من اقتتال بين ابناء الوطن الواحد فى بلدى ، وكيف نجح دكتاتور يحكم باسم إيديولوجيا عقيمة فى استعداء الاخوة وابناء العموم ضد بعضهم البعض، وماجرى ويجرى الآن من استقطاب حاد من دول خارجية بمساعدة من ضعفاء النفوس من أبناء هذا الوطن من أجل توسيع التمزقات فى جسد الوطن وتعميق الخلافات والصراعات التى تترك بآثار لن تمحى بسهولة من الذاكرة ، واتسائل هل سنقرأ كتب توثق تجارب الناس العاديين بمنتهى الصدق والدقة مع قدر من الحيادية لما حدث خلال شهور الثورة والحرب فى بلدى .الأم إيلانى و بناتها الاربع وابنها الوحيد نيكولا مع الجدة                                              الأم إيلانى و بناتها الاربع وابنها الوحيد نيكولا مع الجدة                                                                                                        بيت أسرة غاتزويانيس بقرية إلبا اليونانية                                                              بيت أسرة غاتزويانيس بقرية إلبا اليونانية

الجبال المحيطة بقرية إلبا فى شمال اليونان                                                  الجبال المحيطة بقرية إلبا فى شمال اليونان

حديقة بيت إيلانى فى قريتها الجبلية                                                                حديقة بيت إيلانى فى قريتها الجبلية                                

ذات صنع الله ..حكاية بنت ووطن ..

13323747تدور الرواية حول امرأة من الطبقة الوسطى المصرية تحمل اسم غير مألوف هو ذات ، ليصبح اسم للرواية نفسها ، حيث يصور صنع الله حياة ذات خلال عقد السبعينات والثمانينات من القرن الماضى ، فذات ولدت فى عهد عبدالناصر ، وعاشت شبابها وتزوجت فى عهد السادات وأصبحت امرأة ناضجة فى عهد مبارك ، ومن خلال استعراض حياة امرأة عادية ليس في شخصيتها شىء ملفت للانتباه ، تعيش حياتها الغارقة فى الملل والرتابة ، لتكون حكاية (ذات) هى حكاية غيرها من ملايين المصريين الذين عايشوا حقبة الانفتاح في عهد السادات ومن بعده مبارك،وما رافقها من تدهور للظروف المعيشية،وصعود للتعصب الديني.وتعرضهم للقمع والترهيب و النصب والاحتيال واستفحال الفساد على نحو مخيف ، و تحول بلادهم من قوة إقليمية مؤثرة بالمنطقة إلى مجرد بلد فاقد لاستقلاله يتسول الفتات من عدو الامس (الولايات المتحدة الامريكية) .

استخدم صنع الله إبراهيم في نصه الروائي مجموعة كبيرة من الاخبار المنشورة فى الصحف (الحكومية و المعارضة ) جاعلا منها تتقاطع مع مسار حياة (ذات) الموظفة فى ارشيف أحدى الصحف الحكومية ، هذه الحيلة الذكية ساعدت القارىء على التعرف على الجو العام الذى عاشته مصر فى تلك السنوات دون أن يثقل متن النص الروائى بتلك الأحداث العامة . 

وقد وضع الناشر تنويه على الغلاف الخلفى للرواية يوضح فيه أن الوقائع الواردة فى بعض الفصول والمنقولة عن الصحف المصرية الحكومية والمعارضة لم يقصد بإعادة نشرها تأكيد صحتها او العكس وإنما قصد به المؤلف أن يضع القارىء فى الجو العام الذى أحاط بمصائر شخصياته وأثر فى مسار حياتهم وقراراتهم .

استعمل الروائى أسلوب سلسا ً حتى ليجعل القارىء يشعر بأنه يشاهد فيلم منه لرواية ، وتحمل الكثير من المشاهد العبثية الطريفة كمحاولة (ذات) تصحيح بعض التصرفات من عنف جارهم الشنقيطى ضد زوجته سميحة ، أو الابلاغ عن علبة زيتون منتهية الصلاحية تحمل القارىء فى رحلة شاقة ومرهقة وطويلة فى أروقة مراكز الشرطة و مكاتب وزارة الصحة والمؤسسات الحكومية الاخرى لتنتهى تلك المحاولة الى الفشل والتوقف عن تكرار المحاولة المرهقة .

 صدرت رواية (ذات) للروائى المصرى صنع الله ابراهيم فى العام 1992 ،الرواية ممتعة وتستحق القراءة ، واسلوب صنع الله سلس وجذاب .

تحولت الرواية الى مسلسل عُرض فى شهر رمضان للعام 2013 حمل اسم “بنت اسمها ذات”من إخراج كاملة أبو ذكري وسيناريو وحوار مريم ناعوم، وبطولة :نيللى كريم ، وباسم سمرة ، أجرت كاتبة السيناريو تعديلا على احداث الرواية حيث جعلت المسلسل يغطى تاريخ مصر من 1952 حتى ثورة يناير 2011 ، فى حين توقفت الرواية  عند نهاية الثمانينات وبدايات التسعينات.

الدكتور عبد الرحمن بدوي: ”سيرة حياتي“ أيام بدوى في ليبيا

index

اكملت قراءة السيرة الذاتية للدكتور عبدالرحمن بدوى المعنون بـ”سيرة حياتى” المكونة من جزئين كبيرين ، الصادرة فى العام 2000 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر،ماجذبني لقراءة سيرة الدكتور بدوي رحمة الله عليه، الطويلة نسبيا،هي الأيام التي قضاها بدوي في ليبيا. فالدكتور بدوي صاحب مكانة قيمة علمية فكرية رفيعة، وهو يعد من أبرز الباحثين و المفكرين العرب في القرن العشرين، وأغزرهم إنتاجاً، إذ تخطى نتاجه حاجز ال 100 كتاب أوصلها البعض إلى أكثر من ذلك الرقم في اشارة لوجود عدد من كتبه وابحاثه لم يجد طريقه للنشر بعد. و توزعت كتاباته واهتماماته ما بين التأليف والترجمة والتحقيق والإبداع أيضاً، وقد اعتبره البعض أول فيلسوف وجودي مصري منذ شيوع عبارة قالها له طه حسين أثناء مناقشته بحثه حول (الزمن الوجودى) لنيل درجة الدكتوراة الخاصة به في 29 مايو 1944 قائلا: “أشاهد فيلسوفا مصريا للمرة الأولى”.

فإهتمامي كباحثة في التاريخ، التاريخ الليبي المعاصر والحديث، دفعني لقراءة مذكرات الدكتور بدوي في إطار تجميع شهادات من عاصروا مرحلة بناء دولة الإستقلال والتغيرات التي طرأت على المجتمع الليبي خلال تلك الحقبة التي أنتهت بإنقلاب سبتمبر 1969م. كما أن الدكتور حل ضيفا على ليبيا في فترة في غاية الأهمية من تلك الحقبة، من سبتمبر 1967 إلى مايو 1973، فترة إرهاصات الإنقلاب، تأثر الرأي العام الليبي بالمد القومي الناصري وحالة الغضب العام في الشارع العربي عامة بسبب هزيمة 1967، وفترة الإنقلاب و من بعدها بدايات الإستبداد في ليبيا.

ملاحظات بدوي حول تلك المرحلة وجدتها مهمة ومفيدة في مجملها، يعتريها الإسهاب في نواحي لا علاقة لها بالمرحلة، لكن المذكرات لفتت إنتباهي لمسائل هامة، مثل إمتناع بريطانيا عن إنقاذ نظام الملك بالرغم من أنها تمتلك قاعدة كبيرة في شرق البلاد والشلحي استنجد بهم، إسراع القيادة المصرية في دعم الإنقلابيين، وهم حفنة من الضباط صغار الرتب ومجهولين مشيراا إلى زيارة عبد الناصر ليبيا في ديسمبر 1969، بعد أقل من أربعة أشهر من الإنقلاب وبعد أيام من إحباط محاولة آدم الحواز الإنقلاب على القذافي، وتأثير إندفاعات القذافي في مشاريع الوحدة، مع مصر وسوريا والسودان، على عموم الشعب الليبي حيث زرعت الكراهية عند الليبيين ضد أشقائهم العرب وتجلت تلك الكراهية في أعمال العنف ضد المصريين إثر سقوط الطائرة الليبية فوق صحراء سيناء.

ما كتبه عن تأثير الإجراءات والخطوات الإستثنائية، التي أتخذها القذافي للسيطرة على مقاليد الحكم في البلاد، على عامة الشعب مهم جدا حيث بثت الخوف عند الناس، فكتب عن مشاعر الناس صبيحة إعلان القذافي عن “الثورة الثقافية” يوم 15 أبريل 1973 “استيقظ الناس صباح الإثنين 16 أبريل ليجدوا بلدهم بغير قوانين تحكمها، ولا موظفين مطمئنين في وظائفهم، ولا محاكم تتولى الفصل في منازعاتهم، بل فوضى شاملة ….. قرار لا مثيل له في التاريخ البشري.” وهو ما مكن القذافي من المضي قدما لتأسيس نظام حكم شمولي سيطر على البلد أربعة عقود من الزمان.
بخلاف الإسهاب في بعض النواحي، بدوي لم يحسن تناول بعض القضايا بموضوعية و ومنهجية علمية، ربما بسبب طبيعة شخصيته الحادة، وربما بسبب المعاملة السيئة التي تم معاملته بها من طرف شرطة النظام الإنقلابي، حيث تم إعتقاله بدون إبداء أي أسباب لمدة 17 يوما، مباشرة بعد الإعلان عن “الثورة الثقافية”، وأفرج عنه يوم 5 مايو 1973م وأعطوه مهلة 72 ساعة لمغادرة ليبيا.
كان بدوي واسع الثقافة والعلم، وأكثرإلماماً بالتراث العربي والغربي على السواء، بالاضافة الى اجادة الدكتور بدوي للغات عدة منها الفرنسية والألمانية والإيطالية والأسبانية واليونانية واللاتينية بالإضافة إلى اللغة العربية،رحل عن دنيانا عن عمر يناهز 85 عام في القاهرة بعد عودته عام 2002من منفاه الاختياري في باريس التي اختار الاقامة بها.

******

تصل عدد صفحات الكتاب إلى 765 صفحة، حيث لا يحتوى على مقدمة، ولا خاتمة، ولا فهارس هجائية للأعلام أو للألفاظ، ولا حتى قائمة محتويات، ممايرجح احتمال أن الدكتور عبدالرحمن بدويكان يفكر في كتابة أجزاء أخرى لاحقة للسيرة. الكثير من أجزاء الكتاب كُتبت على فترات متقطعة، حيث يعكس جانب كبيرمماورد في المجلد الاول قيام الدكتور بدوي بـتأليفه قبل حوالي ثلاثة عقود من تاريخ النشر، كما يسود الكتاب خلل كبير في بنائه الفني، فهناك حشد من الاستطرادات الطويلة المملة التي لاطائل من ورائها. فهو يتناول مواضيع خارج سياق السيرة التي يفترض ان تتمحورحول حياته الشخصية وانجازاته العلمية. فهو إن وصل إلى ميونيخ ليقيم بها قرابة الشهرين، أسهب في الحديث عن الأهمية السياسية والعلمية والفنية للمدينة. وإن هو زار بيروجيا يحدثنا عن موقعها الجغرافي وتاريخها السياسي ويزودنا بقائمة بعناوين المحاضرات العامة التي حضرها، وبصفحة عن موسم الموسيقى المقدسة فيها، ثم يزور البندقية ليوم او اثنين عام 1946 فيرى ضرورة لأن يذكر أهم مبانيها وكنائسها، ومن اشتهر من أدبائها ومفكريها وعلمائها وأشهر مكتباتها وطوائف رهبانها، ولايكتفي بذلك بل يسرد علينا في سبعا وثلاثين صفحة العطلات التي قضاها في هولندا.

كما يسرد الأحوال السياسية والاقتصادية في ليبيا وقت اقامة الدكتور بدوي فيها، و يستعرض مختلف القبائل واللهجات والطرق الصوفية وأشهر أعلامها، ويتطرق للتركيبة السكانية والقبائل واللهجات ويتحدث عن اليهود في ليبيا بشيء من التفصيل وعن صلاتهم بالحركة الصهيونية، كما أسهب في عرض تاريخي للمذهب الإباضي وأعلامه، وتحدث عن الطرق الصوفية وعن دراساته لتاريخ الفلسفة في ليبيا وإسهاماته في اثنتين وستين صفحة. هنا ربما يرى البعض بأن الاستطرادات المملة خارج السياق تقدم معلومات مفيدة عن التاريخ والمجتمع في ليبيا خصوصا مع شح الدراسات والابحاث العربية حول ليبيا في تلك الفترة التاريخية، لكن القاريء للسيرة الذاتية سيصُدم بما دونه الدكتور عبدالرحمن بدوي عن ايامه في ليبيا، فهو يصم شعب بأكمله بالعقم ويراها بلاد لاقيمة لها، ويتسرع في اصدار الاحكام، وتكوين آراءه عن البلد منذ لحظة وصوله لبنغازي حيث سيعمل ويقيم لمدة ستة أعوام،ويساهم في إثراء المكتبة الليبية بمؤلفات قيمة، مع جهوده في التدريس بقسم الفلسفة بجامعة بنغازي .

وربما مادفعه لهذا الحكم القاسي ماتعرض له من معاملة مهينة على أيدي رجال الامن حيث ألقي القبض عليه في ابريل 1973 ضمن حملات المداهمة التي طالت الجميع حينها إثر إعلان القذافيعن ثورته الثقافية في ليبيا، إذ تم اعتقال الدكتور بدوي لمدة سبعة عشر يوما،و يرجح هو ان سبب الاعتقال نتيجة لتهمة لفقت له من قبل زملائه العرب. طبعاً شخص حاد الطباع مثله ليس بالغريب أن يتعرض للكيد من أقرب الناس إليه،أو قد يكون أحد الطلبة الفاشلين في الكلية ممن انضموا لركب الانقلاب وتحولوا لمخبرين على اعضاء هيئة تدريس جامعة بنغازي وطلابها، هو من كتب ضده تقرير كيدي. كان معروفا عن الدكتور عبدالرحمن بدوي بأنه ذو مزاج حاد عنيف في الكره او الحب حيث يصفه الدكتور علي فهمي خشيم، احد تلامذته في الجامعة الليبية، بأنه : ” شخص مشحوناً بالغضب، حاداً في نقده وانتقاده، متبرما ً بكل شيء، شديد الظلم لمن عاصر من شخصيات *”.

                                                             ***
يقرر الدكتور عبدالرحمن بدوي التقدم للعمل بكلية الآداب بالجامعة الليبية ببنغازي بسبب ضيقه من المناخ العام بمصر في تلك المرحلة من الحكم القومي تحت قيادة عبدالناصر.

akabti210314p2
الطلب الذي تقدم به د. بدوي الى الجامعه الليبيه

و تنعكس تقلبات المزاج الحاد للدكتور بدويمنذ لحظة وصوله الى مدينة بنغازي في سبتمبر 1967، على الانطباعات الاولى حول بنغازي، فهو يصف الفندق الذي نزل فيه بشارع الاستقلال بالفندق الضيق الكئيب، مبديا ريبته وظنونه تجاه سكان المدينة من الساعات الأولى لوصوله إليها فهو لايتوانى عن اتهام موظف الفندق بالخداع لاقتراح الموظف على بدوي ان يستقل تاكسي للوصول الى الجامعة التي تقع على بعد أمتار من الفندق .

لكنه سرعان ما يعود للثناء على مدير الجامعة الليبية آنذاك “عبدالمولى دغمان” إذ يقول عنه :” ..كان أول مدير ليبي كفء، مختص يتولى هذا المنصب بعد ان تولاه قبل ذلك أشخاص لا شأن لهم بالعلم ولا بالجامعة، وقد مسح هذا اللقاء الاول الجميل بالأستاذ دوغمان الانطباع السيئ الذي بدأ يساورني”، حيث أشعره بالاطمئنان وغمره بالتقدير والاحترام طوال العامين الأولين من أعوام اقامته الستة في ليبيا اللذين كانا بحسب مادونه في سيرته بمثابة “.. الفترة المضيئة الخصبة في مقامي هناك أما السنوات الأربع التالية (من سبتمبر 1969 حتى أوائل مايو 1973) فكانت فترة قلق وتبرم بالمقام هناك وتربص متلهف للافلات من ليبيا، لكن لم تسنح لي فرصة في دولة أخرى، فاضطررت الى مواصلة العمل هناك كارها، لأني كنت عازما على عدم العودة الى مصر..”.

في الصفحات الخاصة بليبيا يقدم خلفية تاريخية مكثفة عن الأحوال السياسية وظهور الحركة السنوسية في نهايات القرن التاسع عشر، مشيرا ً للوضع الاقتصادي للبلد قبل وبعد اكتشاف النفط، ولاينسى ان يتناول القبائل ودورها في السلطة التي يقسمها كالتالي:
1)الملك وحاشيته . 2) زعماء القبائل 3) النفوذ البريطاني 4) النفوذ الأمريكي .
ويتناول بشكل مكثف رؤساء الوزراء وانتماءاتهم القبلية ودورها في وصولهم لهذا المنصب، ويستعرض بشكل سريع صلاحيات الملك الحاكم الفعلي المطلق رغم الصلاحيات الممنوحة نظريا للملك في ضوء الدستورالليبي أنذاك.

ليمر بعدها على سكان ليبيا والعناصر الاساسية في التركيبة السكانية،ولا يغفل حتى تعداد الكاثوليك والبروتستنت واليهود حسب احصاء صادر عام 1966 .

كما يستعرض وضع اليهود الليبيين في ظل الانظمة الحاكمة المتعاقبة على ليبيا، و يتناول تفاصيل مركزة حول العلاقات بين الليبيين سواء من المسلمين او اليهود، وتأثير قيام اسرائيل باحتلال فلسطين على هذه العلاقات، وتحولها الى صدامات وسعي لاخراج اليهود من البلد.

ليأتي بعدها لتناول المذاهب الإسلامية في ليبيا منها: الإباضية،التي يسرد لنا بشكل مكثف تاريخ ظهور هذا المذهب في ليبيا، وأبرز العلماء الاباضيين من المسلمين الوافدين على ليبيا لنشر هذا المذهب، بالاضافة إلى تناول العلاقة بين هذا المذهب وتاريخ المنطقة في العصور الوسطى الاسلامية. ويرى الدكتور بدوي بعد دراسة متفحصة لهذا المذهب بإنه الأقرب الى مذهب أهل السنة، بل ويصفهم بأنهم أهل اعتدال، ويحاول تعليل أسباب انتشار هذا المذهب بين البربر لمساواته بين المسلمين كافة في الترشح للخلافة،في حين تقول باقي فرق الاسلام أن الخلافة لاتجوز إلا لمن كان من هو من قبيلة قريش العربية، لهذا فطبيعي، من وجهة نظر الدكتور بدوي، أن يرحب البربر بمذهب يفتح أمامهم فرصة الترشح لخلافة المسلمين.

ويواصل الدكتور عبدالرحمن بدوي تناول النشاط الفكرى والسياسي لإباضية ليبيا، يتناول نشاط أبرز واشهر الاسر البربرية وهي أسرة الباروني ويستعرض بعض الاسماء كسليمان وأبوه عبدالله كشعراء وعلماء فقه ولغة، بالاضافة لتناوله لشخصية من بربر جبل نفوسة هو الدكتور عمر النامي إذ كان معجبا ايما اعجاب بالنشاط العلميوالفكري للدكتور النامي.

كما يتطرق لشخصيات صوفية كالسيد عبدالسلام الاسمر و أحمد الزروق،يسهب في تناول الطرق الصوفية في ليبيا كالشاذلية وباقي الطرق الأخرى على رأسها من حيث السلطة وسعة الانتشار :الطريقة السنوسية. فيشير الى ظهور ونشأة هذه الطريقة وكيفية انتشارها في ليبيا، وعن اهم ملامح مذهب السنوسية فهو يستغرب من “امتزاج الوهابية مع التصوف السنوسي”، رغم إقرار محمد بن عليالسنوسي بإنه على مذهب المالكية، ويتناول بدوي جهود السنوسية في التصدي للاستعمار الاوربيفي وسط افريقيا،بالدخول في معارك وحروب تمتد حتى وقوع ليبيا تحت الاستعمار الايطالي. ويشرح الدكتور بدوي عن سبب فقدان الطريقة السنوسية لطابعها الحربى بعد اعلان استقلال ليبيا، إذ يذكر قيام السيد ادريس السنوسي بادماج المجاهدين في الجيش الليبى الموحد، ويفسر عدم حدوث أى مقاومة ضد انقلابيو سبتمبر 1969، فلو استمر المجاهدون على الولاء لزواياهم لقُضي على هذا الانقلاب فور وقوعه، لارتباط الزوايا بالسيد ادريس رئيس الطريقة السنوسية آنذاك .

ويرى الدكتور عبدالرحمن مبالغات بعض المستشرقين والعلماء والمؤرخين حول انتشار هذه الطريقة ووقوتها وتأثيرها، ويحاول ترجيح أسباب إنتشار هذه الطريقة الصوفية في مناطق كثيرة من افريقيا وباقي أنحاء العالم الاسلامي .

كما لايغفل عن تناول اللغات واللهجات، فيشيرلوجود لغتان مستقلتان هما:البربرية و العربية، ويبديبدوي دهشته من بقاء اللغة البربرية حية رغم وجودها في محيط عربي خالص، وقد حاول إيجاد تفسيرات لهذا الجانب. كما اشار الى تقارب لهجة أهل برقة في الشرق من اللهجة المصرية،في حين كانت لهجة أهل طرابلس في الغرب اقرب للهجة التونسية. ورغم محاولته لعقد مقارنات بين اللهجة المصرية و لهجة أهل بنغازي إلا أنه لم ينجح في فهم وتفسير كلمات وأشعار من بادية برقة، اغاني العلم الشعبية، كما لاينسى ان يشير الى تأثير الايطالية والتركية واستعمالاتهافي تلك الفترة من اقامتهم بليبيا.
Untitled3ثم يخصص بعدها جزء من السيرة لتناول تركيبة السكان في بنغازي فيتناول بشكل سريع ومختصر أبرز الأسر البنغازية واصولها القبلية، ليشير للصفات الجسمانية لسكان المدينة، كما يشرح احوال المدينة من النواحي الاقتصادية وأساليب حياة السكان، ونوعية الحياة المتوفرة أنذاك .

بعد تلك المقدمة المسهبة حول الاوضاع العامة لليبيا،يخصص الدكتور بدوي جزء كبير من ذكرياته للحديث حول عمله في الجامعة الليبية كاستاذ، ثم رئيس لقسم الفلسفة من سبتمبر 1969 الى مايو 1973، درس خلالها طلبته المنطق والفلسفة الحديثة والمعاصرة ومناهج البحث العلمي والتصوف وعلم الكلام وفلاسفة الاسلام.
ويتناول التخصصات وتوزيع الكليات و النظام الأساسى للدراسة بالجامعة، وعن جنسيات أعضاء هيئة التدريس،كما يذكر الدكتور عبدالرحمن دوره في إثراء مكتبة الجامعة التي لم تكن تتجاوز الكتب فيها خمسة آلاف كتاب وقت وصوله للعمل بالجامعة، فعمل بمعاونة مدير الجامعة على تحويلها الى مكتبة جامعية حديثة تحتوي على اكثر من ثلاثين ألفا من الكتب الرئيسية والمراجع ودوائر المعارف، ويقول عن هذا الجانب :” .. لما وصلت في سبتمبر سنة 1967 وجدت مكتبة الجامعة فقيرة جدا ً في الكتب الجيدة والمراجع لكن بفضل معاونة مدير الجامعة أنذاك،عبد المولى دغمان، استطعت ان أجعل المكتبة تستورد عشرات الآلاف من الكتب الممتازة والمراجع الأساسية ودوائر المعارف، خصوصا في الفلسفة والأدب اليونانيواللاتيني والآداب الأوربية الحديثة وكل ما أمكن الحصول عليه من دراسات المستشرقين في الموضوعات العربية والإسلامية . وهكذا يحق لى أن افخر بأنني صاحب الفضل الأكبر في جعل مكتبة الجامعة الليبية تنتقل من حوالي خمسة آلاف كتاب في العلوم الأنسانية إلى حوالي ثلاثين ألف لما ان غادرت ليبيا يوم الثامن من مايو من عام 1973..”.

هذا إلى جانب قيام بدويباحياء مجلة (كلية الاداب) السنوية المتوقفة بعد صدور عدد واحد منها منذ عشر سنوات، فأشرف مع الدكتور مختار بوروعلى اصدار عدد لعام 1967 وعدد ثانى لعام 1968، حيث استكتب فيهما باحثين غربيين بارزين على رأسهم “ارنولد توينبى” المؤرخ البريطاني الشهير، و” فرنشيسكو جبرييلى ” المستشرق الإيطالي، كما كتب بدوي في العددين بحثين متميزين عن “الفلسفة القورينائية الليبية” و”ليبيا في مؤلفات ارسطو”.بدوى فى الجامعة الليبية

كما شارك في إلقاء المحاضرات العامة : الأولى في ديسمبر عام 1967 بعنوان :”تأملات في الحضارة العربية “، والثانية في مارس عام 1971 بمناسبة مرور خمسة عشر عاما ً على إنشاء الجامعة الليبية، وعنوانها: “فكرة الجامعة ورسالتها” ضاع نص كلتيهما من ضمن ما استولت عليه شرطة بنغازي من كتب بدوي عند مداهمة بيته في ابريل من عام 1973.

كما يخصص الدكتور بدوي جزء ليعرض لنا مؤلفاته في تاريخ الفلسفة في ليبيا حيث يقول:”لما كانت برقة إبان الحكم اليوناني من المراكز البارزة للفكر اليوناني، فقد رأيت واجبا ً على أن ادرس تاريخ الفلسفة في ليبيا في العصرين اليوناني والروماني..”، ويتناول في عرض مكثف مجىء الاغريق الى شرق ليبيا والأسباب وراء هذه الهجرة، ويستعرض تاريخ القبائل الليبية في تلك الفترة، ثم التاريخ السياسي للمدن الاغريقية منذ حكم أسرة باتوس حتى انتقال الاقليم لحكم البطالمة بمصر، وينتهي السرد بالفتح الاسلامي لبرقة، معرجا ً على أحداث الثورة اليهودية في الاقليم في العصر الروماني، ولايكتفي بهذا الحد من تاريخ الاقليم إذ يستطرد في عرض أهم الشخصيات الثقافية والفلسفية التي تنتمي إلى قورينا، متناولا فترة المسيحية في ليبيا في عرض مركز حول العلاقة بين الاسكندرية و قورينا وباقي مدن الاقليم .

Untitled33

وبعدها يستعرض بدوي أهل العلم في طرابلس وبرقة مستعرضا لأهم الاعلام وإنتاجهم الأدبي الذي يراه هزيلا لايناسب التاريخ الطويل للاسلام في ليبيا فهو يختم حديثه بالقول أن ليبيا منذ الفتح الإسلامي وحتى العصر الحديث لم تشهد نشاطاً علمياً يذكر، بل هي بلد عقيم، حسب رأيه، حيث حاول تعليل هذا الشح في الانتاج العلمي والأدبي أسباب عديدة، محاولا ً ربط الماضي بالحاضر في الجزء الخاص الأحوال العلمية في العصر الحاضر أي وقت وصوله الى ليبيا عام 1967، ناسيا أن البلد لم يكد يعرف الاستقرار والانتعاش بعد استعمار وحشي، و حربين عالميتين دارت رحاهما على أرضه فدمرت كل شيء، وتسببت في خفض عدد السكان الى أقل من مليون نسمة ، هذا وقد ظهرت دراسات وابحاث حديثة فندت رأيه المبنى على انفعال وقتى ، ونقص فى الاطلاع على المصادر والمراجع حول النشاط الثقافى والفكرى فى ليبيا فى العصر الاسلامى.

فالمقارنة بين ليبيا في العصر الاغريقي او حتى الروماني لاتتناسب مع ليبيا في العصر الحديث بعد حصولها على استقلالها، لاختلاف الاحوال السياسية و الاقتصادية في كلا العصرين.  مع الاسف خرج الدكتور بدوي عن الموضوعية والرصانة العلمية عند تناوله للمناخ العلمي والثقافي للبلد في تلك الفترة أي نهاية الستينات، وربما ماتعرض له من اعتقال ومصادرة كتب واضاعة أوراقه وابقائه في السجن أكثر من اسبوعين، حرك في أعماقه نوازع الغضب المغلف بالتجني المعروف عن شخصية الدكتور بدوي، فكتب تقييم قاسي لتجربة الشاعر الليبى أحمد رفيق المهدوي دون مراعاة لفروق وظروف بلد كليبيا عن بلده مصر يحاول سكانه إعادة بناء كل شيء من النظام السياسي وحتى انعاش الحياة الثقافية و إحياء هوية وطنية من خلال الأعمال الأدبية، والشخصيات العامة كرفيق، فيقول في سيرته :”.. كيما اعرف قيمة شعره. واذا بي لا أجد فيه الا قصائد ركيكة النسج، مبتذلة العبارة، تافهة المعاني. انه شاعر في الطبقة الدنيا من الشعر. فواعجبا كيف اشادوا به ومجدوه حتى كان بعضهم يقول عنه انه «احمد شوقي ليبيا» وهذا امتهان لاسم احمد شوقي لم يعرف مثله في اي مكان. وقد يقال ان القوم لا يعرفون شيئا عن احمد شوقي غير انه امير الشعراء، وأحمد رفيق هذا امير شعرائهم، فهو اذن احمد شوقيهم”.

00 04

ولاينسى تخصيص بضع صفحات لتناول موضوع الشخصية الليبية الذي طرحه رئيس الوزراء عبدالحميد البكوش (1933-2007) للمرة الأولى للنقاش العلنيفيعام 1967 ، ربما مدفوع بمخاوف من تنامي المد القومي الناصري، وتنامي حملات التشويه والمزايدات في إذاعة صوت العرب،التي كانت تُسمع على نطاق واسع ولها جاذبية كبيرة عند الغالبية العظمى من الشعب الليبي،ممادفع البكوش لطرح هذه القضية محاولا خلق انتماء وطني عميق لدى الليبيين، ونجد للدكتور بدوي تفسير يبتعد عن المنطق والعقلانية. فهو يرى في هذه الدعوة مجرد تقليد اعمى للرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، باعتبار البكوش من أصول تونسية بحسب زعم الدكتور بدوي .

بعد ذلك يسرد لنا الدكتور بدوي من الصفحة 168 حتى الصفحة 222 تفاصيل عن عطلات شتوية وصيفية قضاها مابين عامي 1968 و 1969 في باريس و روما ومدريد، مليء بالكثير من المعلومات المسهبة حول التاريخ السياسي و الحالة الاقتصادية لتلك المدن وبلدانها، مستعرضا الاوضاع السياسية حينها، مع الكثير من التفاصيل المفرطة في طولها حول العمارة والفنون بكافة أنواعها في تلك المدن، حتى ينسى القارىء حديثه عن ليبيا، ولايتذكر بإن الدكتور بدوي مازال يسرد لحياته في ليبيا في أواخر الستينات .
وتحت عنوان العودة إلى ليبيا يتناول بدوي الانقلاب وأبرز المحطات في تلك المرحلة التي عاصرها بليبيا. فهو يتطرق لمحاولة آدم حواز الانقلابية في ديسمبر عام 1969، و التأييد القوي للقيادة السياسية المصرية لانقلاب 1969،والذي تمثل في قيام جمال عبدالناصر بزيارة بنغازيفي ديسمبر من عام 1969 أى بعد مرور اربع اشهر من انقلاب الضباط المغمورين بالجيش الليبي أنذاك .

ويطرح بدوي تساؤل مهم حول موقف بريطانيا من الانقلاب رغم وجود قاعدة عسكرية في”قاعدة العدم” شرق برقة،فمع وجود الملك ادريس خارج البلاد في حينها واستنجاد الشلحي ببريطانيا للاطاحة بالانقلاب، إلا أنها اعتصمت بالحياد التام أمام هذه الأحداث، ممايجعل الدكتور بدوي يرغب في الحصول على تفسير مقنع من هذا الموقف لبريطانيا مع احد حلفائها بالمنطقة.
ويستعرض الدكتور عبدالرحمن بشكل مكثف المشهد العام في البلد في تلك المرحلة، إذ يشير “قانون حماية الثورة” والذي بموجبه يحكم بالاعدام على كل من يقاوم الثورة بالسجن، وبالسجن على كل من ينتقد الثورة او يشترك في مظاهرة او اضراب موجهين ضدها.00 06

ووسط هذا المناخ الخانق الذي ذكره بالمناخ السائد في مصر في تلك الفترة والذي كان من اسباب تركه لبلده، سافر بدوي الى الولايات المتحدة الامريكية في رحلة علمية تلبية لدعوة لحضور مؤتمر للفلسفة الإسلامية وكعادته يملأ الصفحات التالية بسرد الكثير من المعلومات المفرطة في اسهابها حول تاريخ واحوال البلد ولايترك جانب لايتناوله في سرد مكثف يجعلني اعجز عن متابعة التركيز حول ذكرياته عن ليبيا حتى يصل الى العودة لبنغازي حيث يصف تحت عنوان وانزاح الكابوس وقع خبر وفاة عبدالناصر عليه فور سماعه في بيته ببنغازيفي سبتمبر من عام 1970.

ويتناول الدكتور بدوي قضية الوحدة بين مصر وسوريا والسودان وليبيا، ثم تأثيرها على علاقات الجيران بعضهم ببعض. فيسرد الدكتور عبدالرحمن لحوادث العنف وأجواء الكره التي سادت مناخ بنغازيفي بدايات السبعينات بسبب هذه الاجراءات من قبل القذافيالذي لم يستفتيالشعب الليبيحول الوحدة ومايترتب عليها من ارتباطات والتزامات، فيذكر الدكتور بدوي تعرض عدد من المصريين للضرب على أيدي الليبيين بعد حادثة اسقاط الطائرة الليبية فوق سيناء من قبل طائرات حربية صهيونية. وبعد ذلك يتحدث الدكتور عن مشاريع الوحدة بين الدول العربية وعن تصرفات قائد الانقلاب تجاه مصر، مستطرد حول ماشاب العلاقات المصرية – الليبية في عهد السادات من فتور وحذر وترقب انتهي بصدام عسكري افتعله القذافي و سعى له.

ويختم الدكتور بدوي بسرده لفترة اقامته في ليبيا بعنوان ثورة ثقافية يعرض بشكل مختصر ومكثف لخطة القذافي في الاستيلاء على البلد وتحطيم مؤسسات الدولة، من خلال ماعُرف باعلان زوارة أو الثورة الثقافية مساء 15 أبريل من العام 1973 ليصف بدقة ماحدث من زلزال هز استقرار البلد حتى يومنا هذا .
00 08

ولم تمضى ثلاثة أيام على الاعلان حتى يطرق ضابط شرطة بملابس مدينة باب شقة الدكتور بدوي، وينتهي بتفتيش بيته و مصادرة بعض كتبه وأوراقه، والقاء القبض عليه وارساله الى سجن الكويفية الذي حول جزء منه لمعتقل سياسي مؤقت في تلك الفترة، ليظل في السجن لمدة سبعة عشر يوما وساعتين و24 دقيقة كما حسبها في مذكراته وهو يذكر كيف تحفظ ضابط المباحث العامة على سائر ما وجده من كتب ارسطو لانه ظنه بحسب التعليمات انه سارتر المتهم ككاتب وجودي خطر على اذهان الطلبة،و يقول بدوي: “..واحترت في تفسير ذلك وقلت في نفسي: وما ذنب ارسطو وما شأنه بما يجري في ليبيا من احداث..”، وظل الدكتور بدوي يطرح السؤال حول سبب اعتقاله على كل من قابلهم من مسئولين ليبيين ولكنه فشل في العثور على اجابة محددة وواضحة .
تم اطلاق سراحه في 5 مايو 1973 وطلب منه مغادرة البلاد في ظرف 72 ساعة، حيث غادر ليبيا عائدا ً للقاهرة .

***
قائمة مؤلفات الدكتور عبدالرحمن بدوي حول ليبيا:
– المدرسة القورينائية (صدرعام1969).
– الفلسفة القورينائية أو مذهب اللذة (صدرعام 1969).
– تاريخ الفلسفة في ليبيا(الجزء1) كرنيادس القورينائى (صدر عام 1971).
– تاريخ الفلسفة في ليبيا(الجزء2) سونسيوس القورينائى (صدرعام1971).

—————

*د.على فهمى خشيم ، هذا ماحدث “سيرة ذاتية” ، طرابلس ، منشورات دار الكتاب الجديد المتحدة ، 2004.

**الصفحات الخاصة بليبيا من ص103-248 من كتاب سيرة حياتى ، عبدالرحمن بدوى ، بيروت ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2000، جزئين.