أرشيفات التصنيف: نون النسوة

ريام وكفى رواية عراقية فى سباق البوكر للعام 2015 ..

هدية_1تدور أحداث رواية “ريام وكفى” حول أربع نساء من أسرة واحدة تنتمى للطبقة الوسطى بالعراق ، الإبنة الصغرى التى تحمل اسم “كفى” اطلقه والدها”ياسين الفضلى” كى تتوقف زوجته عن انجاب المزيد من البنات ، بينما اطلقت عليها امها اسم “ريام” كمناكفة لحماتها ، وتمردا ً على زوجها الذى سيتزوج عليها زوجة أخرى تنجب له الولد الوحيد للأسرة ، تلك الإبنة “ريام وكفى” هى التى ستسعى لنبش الماضى ، وتعيد كتابة حكايات نساء تلك الأسرة ، وتروى أسرار علاقاتها بالرجال الذين عبروا بحياتها.

تعمل الأم فى الخياطة بالمنزل هربا ً من خيانات الزوج و استهتاره ، الذى سيبحث عن زوجة جديدة صغيرة يأتى بها لتعيش فى بيت العائلة مع الأم وبناتها الثلاث ، اللائى سيرثن مهنة الأم ، ويواصلن العمل فى الخياطة واشغال التطريز حتى بعد رحيلها.

الأبنة الكبيرة “هند” تلتحق بوالدتها فى غرفة الخياطة لتتعلم منها و تكتسب مهارات تزيين الفساتين والعباءات برسوم وتطريزات لفراشات و ورود ، ولينتهى بها الحال فى الرواية لتقمص او التماهى مع شخصية الأم ، بعد مرورها بزواج فاشل.

أما الأبنة الوسطى “صابرين” المرحة الودودة ، الشغوفة بوالدتها وبعالم التفصيل و تزيين العباءات والأوشحة ، وبتتبع القصات عبر الباترون ، تتعرض لامتحان عسير على يد العم “نعمان” الواقع فى قبضة الادمان على الخمور والحشيش بعد محنة فقدان الزوجة وولديه الوحيدين ، فى لحظة فقدان الوعى يتحرش بإبنة الأخ ، التى ينتهى بها الحال للوقوع فريسة الاكتئاب ثم الانتحار.

فى حين تكون الإبنة الصغرى “ريام وكفى” البنت صاحبة الفضول ، والشغوفة بتتبع الأسرار وتفكيك الالغاز ، تتمرد على قوانين الأب الصارم الذى لاتتذكر من طفولتها معه إلا العقوبات الصارمة والضرب ، ووساطات زوجة الأب الصغيرة أم الولد .

فى البداية تتردد “ريام” فى تعلم مهنة الأم التى ستصبح صاحبة محل لبيع الأبسة النسائية تضع عليه يافطة تحمل اسمها “سمر الفضلى” تعويضا عن لقب (أم البنات) الذى كان الزوج والحماة ينادونها به كمناكفة ومضايقة لها لانها لم تنجب الولد.

و تعى “ريام” كل تفاصيل الحياة بين الأب والام ومايشوبها من توترات و مشادات صامتة او مسموعة لمن حولهما ، و تنتهى تلك الحياة الزوجية بين الأثنين بموت الأب بعد فقدانه لزوجته أم الولد الذى سيكبر فى حضن الجدة التى ستعمل على افساد تربيته فينتهى به الحال لدخول السجن مرارا وتكرارا ، قبل أن يختفى من حياة الأسرة بالسفر والهجرة للخارج .

الأبنة “ريام” تقع فى الحب أكثر من مرة أولها فى سن مبكرة لم تتجاوز الثالثة عشر من عمرها مع ولد يبلغ السادسة عشر يدعى “ريحان” ينتمى لمعدان سكان الأهوار ، ثم يخرج من حياتها بعد افشاء “هند” لسر تلك العلاقة البريئة بينها وبين “ريحان” وتدخل الخال بمنعها من مقابلته و ضرب الولد الذى يرحل للأهوار حيث يختفى اثره .

ثم يدخل حياتها ثلاث رجال احدهم هو ربيب صاحب المحلات التى تبيعه أمها انتاجها من الثياب ، ولأجل هذه العاطفة تترك الجامعة و تبدأ فى تعلم الخياطة لأجل ان تكون قريبة من مكان عمل ذلك الحبيب ، و لكنها تخيب فى ظنها إذ يصبح قاتل لوالدته الهاربة مع عشيقها ، ثم تتوهم مشاعر حب تجاه جار يتبين لها انتماءه لتنظيم محظور ويصبح مطارد ، بينما الرجل الثالث هو صاحب مكتبة تترد عليها ولكنها لا تنتبه لمشاعرها تجاهه إلا بعد فوات الاوان ، إذ يختفى من حياتها بعد ان تجد المكتبة قد أصبحت محل لبيع الملابس .

بعد حلم ترى خلاله “ريام” والدتها تقرر أن تفسره على أنها تحرضها وتحثها على تغيير مسار حياتها وترك العمل فى الخياطة ، و مغادرة البيت لاكتشاف الحياة من أبواب أوسع ، فتغادر حاملة حقيبة سفر تضم أوارق رواية كتبتها حول حياتها وحياة نساء أسرتها ، و عن فاطمة مساعدتها بالعمل .

***

“لماذا أكتب عن تلك الأيام وأستحضر أرواح من ماتوا؟ هل خوفاً من نسيان ماجرى كما أحب أن أقنع نفسي، أم لأهرب من رمال الصحراء التي غطت حقولي وأحاول درأها لكي لاتتيبس تماما؟ أم تراها رغبة لتخفيف الضغط على قلبي من هزيمة في الحب ؟ أم تراها هذا وربما ذاك وربما لكل تلك الاسباب ..”

تحاول الساردة أى “ريام” أن تفسر او تبرر الرغبة المفاجئة التى انتابتها فى كتابة رواية توثق من خلالها تاريخ نساء عرفتهن فى حياتها ، مع مواصلتى للقراءة حتى النهاية ،لم تنجح “ريام” فى تبرير بعض تصرفاتها أو قراراتها التى بدت لى ، على الأقل غير مفهومة نوعا ما ، فى اطار ماكتبته حول تاريخ الأسرة ، والعلاقة بين الأب والأم ، كما لم يكن لمعاناة الأم أى اثر على نفسية “ريام” فى سن أكبر ، حتى بعد ذهابها للجامعة وتخصصها بالدراسات التاريخية تنفيذا لرغبة قديمة نشأت وقت علاقتها البريئة “بريحان ابن المعدان” لم يتطور وعي “ريام” او يتواصل نموها النفسى والعقلى ، بل ظلت أسيرة لرغبات متقلبة .

استحوذت شخصية الأم “سمر الفضلى” على اهتمامى اكثر من أى شخصية نسائية فى الرواية ، إذ بدت أكثر نضج ووعى وحكمة فى التعامل مع تقلبات الحياة ومعاناتها مع زوج مستهتر وجاحد ، وحماة قاسية القلب ، و أذكى فى تعاملها مع ضرتها ، وأكثر صلابة فى مواجهة اطماع الرجال من حولها ، و تملك ادراكها الخاصة للحياة ، وربما الربط بين شخصية الأم و شخصية المطربة الكبيرة “عفيفة اسكندر” كان فى محله .

العلاقة المتوترة بين “ريام” و “هند” لم تكن منطقية او مفهومة فى سياق السرد الروائى حول حياتهن الأسرية ،إذ تكتفى “هدية حسين” بتقديم مختصر نوعا ما لشخصيات الرواية ، فجاءت معظمها سطحية فى تفكيرها و مفتقدة للعمق النفسى فى سلوكها ، وفاقدة للثراء الروحى ، مايجعل تلك الشخصيات الروائية سهلة النسيان بعد مرور الوقت على قراءة الرواية . 

حاولت الكاتبة تقديم نماذج نسائية من المجتمع العراقى ، وتسليط الضوء على مشاكلهن الاجتماعية ، ولكنها لم تنجح فى وضع حكاية فاطمة الأرملة فى مكانها الصحيح إذ كان بالامكان استعمالها لتسليط الضوء على مشاكل النساء العراقيات ضحايا الحروب الكثيرة التى خاضها البلد خلال العقود الماضية ، وبالرغم من الحاحها على “ريام” بكتابة حياتها فى الرواية التى اعلنت عن بدء الشروع فى تأليفها .

تبدو الرواية أقرب لحكايات يتبادلنها النساء فى جلسات تناول القهوة او الزيارات الاجتماعية ، الحبكة الروائية غير معقدة ، سلسة ، تناسب عبرها الحكاية ببساطة لتروى حياة النساء الأربعة ، حاولت الكاتبة استخدام فن الحكى الشفهى من خلال حكايات والدتها حول ماضى اسرتها ، مع يوميات ريام ، والتى لم يظهر لها أى اثر فى ثنايا الحكاية ، رغم اعلنها فى بداية الرواية بأنها ستكتب مستندة ليوميات كتبتها فى العشرين ، ولكن لم يظهر منها شىء حتى خاتمة الرواية ، واكتفت بالاسهاب والاستطراد فى حديث “ريام” واسترجاعها لذكرياتها من الذاكرة ، كل ذلك فى لغة جيدة ، متماسكة ، ولاتخلو من نفحات شاعرية .

استخدام الوقائع التاريخية ، و استعراض لجوانب من العادات والتقاليد والموروث الشعبى العراقى اضفى على الرواية مسحة جميلة ، ومنحها ملامح واضحة للخلفية التى تتحرك فيها تلك النسوة .

السؤال هل تستحق أن تصل هذه الرواية للترشح للقائمة الطويلة لجائزة البوكر للرواية العربية ، برأيى كقارئة لا ، فهى رواية عادية ، لا تحوى شخصيات مؤثرة ، أو سرد مشوق .

***

هدية حسين كاتبة وروائية عراقية مقيمة في كندا. صدره لها تسع روايات وست مجموعات قصصية وكتاب في النقد، و ترجمت روايتها “ما بعد الحب” (2003) إلى اللغة الإنجليزية عن دار “سيراكيوس يونفيرستي بريس” الأميركية عام 2012، وترجمت لها مجموعة قصصية إلى اللغة الصربية بعنوان “وتلك قضية أخرى” (2002) كما ترجمت العديد من قصصها إلى الإنجليزية والإيطالية والصربية، وفازت بالجائزة الأولى عن أندية فتيات الشارقة عام 1999.

***

رابط أغنية ( الله لو تسمع هلي) للمطربة العراقية “عفيفة اسكندر” التى كانت ترددها “سمر الفضلى” والدة “ريام” ..

https://www.youtube.com/watch?v=p7PPKXCJxBg

نساء الطغاة..

images1تتناول الباحثة الفرنسية “ديانا دوكريه” فى هذا الكتاب أجزاء من حياة مجموعة منتقاة من دكتاتورى العالم والنساء اللائى أحطن بهم ، حيث تحكى الكاتبة تفاصيل العلاقات الغرامية ، ومايتخللها من مواعيد ولقاءات ، و ماتركته الحياة السياسية على حياتهن ، بالمقابل ماساهمن بالتأثير فى حياة الطغاة سواء بالسلب أو الأيجاب ، ومدى أثار تلك العلاقات العاطفية على الحياة السياسية ، يمتلىء الكتاب بتفاصيل صغيرة حول شخصيات طغاة كهتلر و موسولينى و موتسى تونغ و سالازار ، وما اتبعوه من طرق لاغواء النساء ، وكيف تفاعلوا مع المعجبات ، وإلى أى مدى ذهبوا فى نزواتهم ، أو تلبية نزوات ورغبات نسائهم.

بنيتو موسولينى ، حياة المرشد

بحسب مقاييس الجمال لدى الطليان تمتع موسولينى بجاذبية طاغية لدى النساء إذ “كن يشعرن بضعفهن يتحول إلى قوة ” عندما يتوجه إليهن بالحديث ، لهذا استغل موسولينى هذا الجانب جيدا فى السيطرة والتأثير على الجماهير ، فهو تبنى مبدأ سياسيا ً يقوم على توجيه خطاب لجمهور لا إلى شعب .

كانت بداياته العاطفية مع فتيات قرويات وقعن ضحية لما كان يمارسه عليهن من سحر حتى تحول الى سابى للقلوب .

6
موسولينى و مرغريتا سارفاتى

فى العام 1904 تعرف الى أنجليكا بالانوف واحدة من المثقفات المنتمية للطبقة الارستقراطية العريقة فى أوربا ، التى تحولت لاعتناق الشيوعية ، رافعا راية الفكر النسوى فى ذلك الوقت ، فارتبطا بعلاقة عاطفية وطيدة ساهمت فى ايصاله لمراتب متقدمة فى الحياة الصحفية التى كان يخطو الخطوات الآولى فيها قبل ان يكثف من نشاطه السياسى ويتحول لشخصية سياسية مرموقة مع منتصف العشرينات من القرن الماضى ، فى أثنائها لايكتفى بعلاقته بأنجليكا ، إذ تدخل لحياته العاطفية والسياسية امرة اخرى هى مرغريتا سارفاتى زوجة محامى مرموق ستتخلى عن حياتها الزوجية والأسرية فى سبيل عشقها الجنونى لموسولينى الذى لن يقدم لها شىء بالمقابل ، بل يقيم علاقات عاطفية عابرة ، أثناء وجودها كعشيقة فى حياته ، ساهمت مارغريتا الخبيرة فى الصحافة فى صنع أسطورة ترتكز على قوته الجسدية فهو الذكر الكامل الذى يعمل خمس عشرة ساعة فى اليوم ، بقدرة هائلة على التركيز وقوة جسدية لاتضاهى ، ساهرا على مصالح ومصير إيطاليا.
وعندما توفى زوج مرغريتا فى العام 1924 رفض موسولينى الانفصال عن راشيليه زوجته المقيمة فى بيتهم بميلانو بعيدا عن الاضواء ، فى هذه الأثناء بدأت مرغريتا تقع ضحية لما صنعته ، إذ بدى أن وجود عشيقة رسمية فى حياة موسولينى الرجل المرسل من السماء ، المتحلى بأخلاق حميدة ، وجود مشين .

خرجت مرغريتا من حياة موسولينى لتحل محلها عشيقة جديدة وأخيرة هى كلارا بيتاتشى التى التقاها بصحبة أسرتها على الطريق المؤدى للشاطىء البحر بمدينة أوستى حيث تقضى أسرة بيتاتشى عطلتها.

فى العام 1904 تعرف الى أنجليكا بالانوف واحدة من المثقفات المنتمية للطبقة الارستقراطية العريقة فى أوربا ، التى تحولت لاعتناق الشيوعية ، رافعا راية الفكر النسوى فى ذلك الوقت ، فارتبطا بعلاقة عاطفية وطيدة ساهمت فى ايصاله لمراتب متقدمة فى الحياة الصحفية التى كان يخطو الخطوات الآولى فيها قبل ان يكثف من نشاطه السياسى ويتحول لشخصية سياسية مرموقة مع منتصف العشرينات من القرن الماضى ، فى أثنائها لايكتفى بعلاقته بأنجليكا ، إذ تدخل لحياته العاطفية والسياسية امرة اخرى هى مرغريتا سارفاتى زوجة محامى مرموق ستتخلى عن حياتها الزوجية والأسرية فى سبيل عشقها الجنونى لموسولينى الذى لن يقدم لها شىء بالمقابل ، بل يقيم علاقات عاطفية عابرة ، أثناء وجودها كعشيقة فى حياته ، ساهمت مارغريتا الخبيرة فى الصحافة فى صنع أسطورة ترتكز على قوته الجسدية فهو الذكر الكامل الذى يعمل خمس عشرة ساعة فى اليوم ، بقدرة هائلة على التركيز وقوة جسدية لاتضاهى ، ساهرا على مصالح ومصير إيطاليا.

وعندما توفى زوج مرغريتا فى العام 1924 رفض موسولينى الانفصال عن راشيليه زوجته المقيمة فى بيتهم بميلانو بعيدا عن الاضواء ، فى هذه الأثناء بدأت مرغريتا تقع ضحية لما صنعته ، إذ بدى أن وجود عشيقة رسمية فى حياة موسولينى الرجل المرسل من السماء ، المتحلى بأخلاق حميدة ، وجود مشين .

images

بنيتوموسولينى والعشيقة كلارا بياتشى

خرجت مرغريتا من حياة موسولينى لتحل محلها عشيقة جديدة وأخيرة هى كلارا بيتاتشى التى التقاها بصحبة أسرتها على الطريق المؤدى للشاطىء البحر بمدينة أوستى حيث تقضى أسرة بيتاتشى عطلتها.

مارس موسولينى المزيد من الأكاذيب والحيل لنيل قلب كلارا ، ولابقاء زواجه من راشيليه قائما ، محافظا على مظاهر زائفة أمام الشعب الإيطالى الذى وصل فى سنوات ماقبل الحرب العالمية الثانية لذورة عبادة الدوتشى .

كتُب في العام 1938 لعلاقة كلارا وموسولينى الانطفاء مع هبوب نذائر بحرب عالمية جديدة على أبواب أوربا والعالم ، إذ كانت المصائب الشخصية والعامة تتوالى على حياة الدوتشى ، من فقدان لابنه برونو ، لخسائره على الجبهة الروسية ، لبروز مؤأمرات لاسقاطه داخليا ، كل ذلك دفعه للعزوف عن مواصلة علاقته الغرامية بكلارا الشديدة الاخلاص التى لم تتخل عنه ، حيث تبعه حتى آخر لحظات حياته فى هروبه باتجه سويسرى متخفيا فى لباس جندى ألمانى لكنه يقع فى أيدى المناوئين واعداءه الحزبيين فيتم اعدامه بالرصاص مع عشيقته كلارا التى تحرص حتى آخر لحظة فى حياتها على أرضاء الدوتشى الصعب قائلة ً: “هل أنتَ راض عني لأني سأموت معك؟”                                                              ***
      أنطونيو سالازار ، الحب يقرع الباب مرتين

    على محطة القطار فى العام 1905 يتلقى أنطونيو سالازار الطالب بالمدرسة الأكليريكية الآنسة فليسمينا دى أوليفارا صديقة شقيقته ماريا ، كان أنطونيو فى السادسة عشر ، وفليسمينا تكبره بسنتين ، جاءت لقضاء جزء من العطلة فى بيت صديقتها .

كانت فليسمينا تنحدر من أسرة متواضعة ، قررت الالتحاق بسلك الرهبنة وتكريس حياتها لخدمة الرب ، ولكنها عدلت عن ذلك للالتحاق بدار المعلمين بفيزو حيث ستلتقى بماريا سالازار، فى تلك الفترة من حياة فليسمينا تحولت لاتخاذ شخصية فتاة متزمتة ترتدى اللون الأسود وتتشدد فى سلوكها ، وتتبرع بأعطاء دروس لزميلاتها المعوزات .

تلقت فليسمينا رسالة من أنطونيو يبوح فيها بمكنونات قلبه ويخبرها فيها عن استعداده لتغيير مسار حياته وترك دراسة اللاهوت والزواج بها ، فأشعرها هذا الأمر بالاثم ، فقررت رفض مشاعره وعاطفته ، يتكرر هذا العرض على مدى سنوات طويلة حتى يفقد أنطونيو الأمل بقبولها وتتحول العاطفة بين الاثنين الى صداقة قوية ومتينة ، تقوم فيها فليسمينا بمد يد العون والدعم لانطونيو الذى تحول من دراسة اللاهوت لكلية الحقوق بكومبرا ، حيث ينجح فى الحصول على درجته العلمية ، قبل أن يبدأ الصعود فى الحياة الحزبية والسياسة بالبرتغال فى سنوات الجمهورية الأولى ، تحت رعاية أسرة برستوالو العريقة التى ستساهم فى تعليم أنطونيو طرق حياة الطبقة النبيلة بالبلد .

مع وصول أنطونيو للحكم تصبح فليسمينا صاحبة تأثير قوى ، فهى من أدق مخبرات سيد الدولة الجديدة ، حيث شغلت منصب مفتشة المدارس كأول امراة برتغالية تنال هذا المنصب ، ولم يكن لاحد أن يحتفظ بسلطته دون رضاها ، كانت فليسمينا تتحول شىء فشىء لامرأة شديدة المرارة ، فاقدة لايمانها القديم ، تميل لانتقام لأدنى شبهة او هفوة . 

2
انطونيو سالازار و فليسمينا دى أوليفرا فى فترة الشباب

أما المرأة الأخرى فى حياة دكتاتور البرتغال سالازار فهى الصحفية الفرنسية كريستين غارنييه التى جاءت فى العام 1951م للبرتغال لاجراء ابحاث ولقاء انطونيو من أجل تأليف كتاب حوله ، وكانت كريستين أمراة لاتعرف النفاق الذى تفرضه الحياة السياسية ، فقالت له :” يقول البعض إنك قديس وأنه لن يمر وقت طويلقبل أن تطُوب . والبعض الآخر يرى إنك زعيم عديم الاحساس والإنسانيةوصيت تقشفك ذائع الى درجة أنهم نصحونى بعدم التعطر وتجنب طلاء أظافرى..” فتن انطونيو بهذه الثقة بالنفس و سمح لها بطرح ماتريد من اسئلة ، كما دعاها لقضاء أيام فى سانتا كومبا البيت الريفى الذى يعود لاسرته حيث كان يقضى أوقات طويلة للراحة وأثناء العطلات .

كان أنطونيو يصحب كريستين فى نزهات مستندا على عصاه الهندية ، مثيرا ظهورهما معا همس ولغط بين القرويين ، فكريستين كانت أمراة فى الثلاثين ، فى حين بلغ سالازار الإثنين والستين ، وقد قضيت كريستين صيف ذلك العام تتنقل بين سانتا كرمبا وبرشلونة ، قبل ان تصبح مواظبة على التنقل بين فرنسا والبرتغال فقد وصلت الى مرحلة أن تصبح عشيقة لدكتاتور البرتغال العجوز ، وكان سالازار ينفق ببذخ على نزوات كريستين ورغباتها ، بالمقابل كان يستغلها لابعد مدى ، إذ كانت كريستين تسافر كثيرا وتخالط النخبة الفرنسية والوزراء والأعيان ، وتملك شبكة علاقات واسعة فى أوربا جعلته يلجىء لطلب خدماتها فى المسائل الحساسة التى تتطلب الابتعاد عن القنوات الدبلوماسية الرسمية .

أنطونيو سالازار برفقة الفرنسية كريستين غارنييه فى قريته سانتا كومبا
أنطونيو سالازار برفقة الفرنسية كريستين غارنييه فى قريته سانتا كومبا

فى 27 من مايو عام 1970 توفى سالازار فى بيته بسانتا كرمبا برفقة مدبرة منزله التى احبته بصمت لعقود طويلة دون ان يبادلها العاطفة ، بالمقابل رحل دون ان يلقى نظرة وداع على فليسمينا من أحبته قرابة النصف قرن ، وبقيت عذارء من أجله .
                                                  ***

فوهرر إسمه الرغبة 

“..ياقائدى الحبيب ، لابد لى أن أفكر فيك كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة . لكنت أذهب بكل سرور إلى برلين للألقاك ، هل يحق لى هذا؟ مهم حصل فإن حياتى ملك لك . أود لو أعرف مغزى كل ذلك . إذ لم يعد باستطاعتى أن أعمل ، لأنى افكر فيك دوما ً . لايسعنى أن أحب غيرك أكثر منك . آمل أن تتحقق أمنيتى. أرجوك أكتب لى إذا كان يحق لى المجىء” ..كانت هذه واحدة من مجموعة ضخمة من رسائل تلقاها أودلف هتلر فى مستشارية الرايخ ، كانت الرسائل التى تصل بعيدة كل البعد عن مراعاة شروط الأعراف عادة ، فكانت تتدفق يوميا رسائل لتقديم التهانى او النصائح اللطيفة او البوح المتقد ، كلها موجه لهتلر أثناء توليه السلطة فى ألمانيا ، رغم صعوبة تصور هذه الشخصية الغريبة والشاذة رمزا ً لمثال جنسى لدى النساء ، والملفت للانتباه لم يكن من بين آلاف هذه الرسائل ولا حتى رسالة او بطاقة تحمل اللوم أو الانتقاد ، و أستوجب هذا التدفق فى الرسائل تخصيص أرشيف لمراسلات هتلر الخاصة .

أودلف هتلر برفقة جلى إبنة اخته المنتحرة
أودلف هتلر برفقة جلى إبنة اخته المنتحرة

ستركز المؤلفة على ثلاث نساء فى حياة هتلر ، الاولى هى جلى ابنة أخته ، التى كانت تعيش معه لمدة تزيد عن ثلاث سنوات ، حيث تقع فى حب أميل موريس سائق هتلر و يقررا الزواج ، ولكن هتلر يرفض اعطائهما الموافقة ، بل ويتآمر على تفريق الحبيبن ليحتفظ بجلى لوحده ، فيقوم باحتجازها فى بيته بدعوى مراقبتها ، مشبعا نزواته كل مرة منها ، حتى تصل الى مرحلة اليأس وتقرر الانتحار واضعة حد لحياتها.

 أما المرأتين الاخريين فهما أيفا براون العاملة البسيطة فى محل للتصوير حيث يتم لقائها الاول بهتلر فتقع تحت تأثير شخصيته مع الفارق الكبير فى السن ، وتتحول لعشيقة تأكلها الغيرة التى تصل لحد تهديد هتلر بالانتحار ، قبل ان تنتهى حياتها معه فى الحصار الأخيرة لمبنى المستشارية فى برلين بعد اتمام اجراءات زواج لايتجاوز البضع ساعات ، ليأتى قرار الزواج متأخرة .

صورة عائلية تضم ماغدا جوبلز مع الزوج والأطفال الضحايا
صورة عائلية تضم ماغدا جوبلز مع الزوج والأطفال الضحايا

 أما المرأة الثالثة فهى ماغدا جوبلز زوجة وزير اعلامه ، هى ابنة غير شرعية لمهندس المانى مرموق وفر لابنته افضل حياة مرفهة ولم يتخلى عنها ، رغم ذلك تحولت ماغدا لانسانة مغامرة ، ربما يفسر دافعها لانخراط فى الحياة الحزبية فى ألمانية فى تلك الفترة لاقتراب اكثر فأكثر من الفوهرر هتلر ، بل وتقبل بالزواج من وزير اعلامه القبيح صاحب الشخصية المتجهمة الكئيبة جوبلز كى تبقى على مقربة من معبودها ، منهية حياتها وحياة زوجها وأطفالها الستة فى حفلة الانتحار المقامة فى الساعات الأخيرة من عمر الرايخ الالمانى أثر الهزيمة فى الحرب العالمية الثانية على يد قوات الحلفاء .

                                                         ***

 يضم الكتاب ثمانى شخصيات من طغاة العصر الحديث ، ولكنى استعرضت هنا 3 منهم فقط ، كأختيار يتوافق مع رغبتى فى فهم الكيفية التى جعلت موسولينى وحياته العاطفية والجسدية تترك بأثارها على بلدى فى أثناء الاختلال الإيطالى فى سنوات العشرينات والثلاثينات من القرن الماضى ، فبعض الذكريات المروية فى الكتاب استنادا ً لمراجع تتضمن مذكرات وأبحاث حول حياة نساء موسولينى وبالاخص مرغريتا و كلارا وأنجليكا تساهم فى فهم طبيعة الكثير من قرارات هذا الدكتاتور الذى ارتكب الكثير من الجرائم بحق الشعب الليبى و الشعب الحبشى و غيرها من الاماكن التى اكتوت بنيران طموحه وجنون العظمة التى عانى منها منذ بدايات حياته السياسة .

أما سالازار فمدى ماتركه حب قديم من سنوات الشباب الاول على افكار هذا الدكتاتور الذى حول بلاده لسجن كبير ، و كرس الكثير من الافكار الرجعية حول مكانة المرأة ، وزرع الارهاب فى نفوس الشعب البرتغالى ، فتحت تأثير افكار فليسمينا الرجعية المتزمتة حول مكانة ودور المرأة بالمجتمع البرتغالى سن الكثير من القوانين وحصرت دورها فى أضيق نطاق .

وفى مايخص بشخصية هتلر فمازالت لا استوعب حتى الآن ماهو الجاذب فى هذا الرجل الشاذ انسانيا والغريب الاطوار ، ماالذى يدفع امرأة كأيفا او ماغدا تتمتعان بالجمال والقدرة على البدء بحياة جديدة مختلفة بعيدا ً عن هذا الدكتاتور بالتمسك بالبقاء معه حتى آخر لحظة فى حياتهن وحياته ، بل كيف تقدم أم على تسميم أطفالها فى حفلة الانتحار الجماعية فى مبنى المستشارية .

الكتاب شيق ، استخدمت الكاتبة أسلوب قصصى سردى ، سلس ، و مختصر ، ومركز ، ويظهر من خلال المراجع المرفقة فى صفحات الكتاب مدى مابذلته من جهد كبير فى تقصى الحقائق حول حياة أولئك الطغاة ونسائهم ، مقدمة صورة موضوعية حول كل شخصية دون الانحياز او السماح لافكارها ومشاعرها الشخصية بالتدخل فى السرد المعلوماتى الثرى .

زعيمة الباروني: رائدة الأدب النسائي في ليبيا

imagesولدت السيدة زعيمة في جادو احدى قرى جبل نفوسة سنة 1910م، وتلقت دراستها الابتدائية باللغة التركية في اسطنبول (1) حيث نشأت في أسرة تهتم بالعلم، أسرة سليمان باشا الباروني (2).

تعلمت القراءة والكتابة فتنبهت في نفسها الرغبة في المطالعة والدراسة العميقة (3) وعاشت مع والدها سنوات طويلة في المهجر استطاعت خلالها أن تتلقى قدراً من التعليم المنظم، وقد وجدت بالاضافة الى ذلك مكتبة والدها الغنية بكل أنواع المعارف، فقرأت واستوعبت وتفتحت موهبتها وسط مناخ علمي لم يكن متاحاً لغيرها من النساء في بلادها (4) ثم استكملت دراستها باللغة العربية بعد العودة من تركيا إلى ليبيا (5) بعد ان عاشت مع والدها المناضل حياة التشرد والنفي بعيداً عن ارض الوطن، حيث شاركته تنقلاته بين الاقطار العربية، ثم رجعت الى بلادها في اواسط العام 1947م حيث استقر بها المقام في طرابلس بعد وفاة والدها 1940م (6) حيث عينت في سنة 1950 م مدرسة بالمرحلة الابتدائية (7).

ولعل دخول السيدة زعيمة الباروني ميدان الكتابة والنشر من العلامات البارزة التي سجلتها فترة الخمسينات، فقد اطل عام 1955م ليمنح المشهد الثقافي الليبي انتاجا لامعا قويا رفيع المستوى خطته أنامل هذه السيدة الاديبة ابنة الوطن، فهي تنشر في شهر فبراير قصة (فزان البعيد)، وتوالت قصص السيدة زعيمة في مجلات وجرائد ليبية متنوعة منها صوت المربي، وجريدة طرابلس الغرب، وهي تتحدث عن ما لاقته في هذا الامر من صعوبات، اذ تقول السيدة زعيمة عن ذلك: “لا ادرى بماذا أقدم موضوعات كتبتها منذ سنة 1953م في بلادي، ونشر منها ما نشر في جريدة “طرابلس الغرب”، ومجلة “صوت المربي”، ومجلة “هنا طرابلس الغرب”، ولم تساعدني الظروف القاسية من كل جهة على نشرها مجتمعة في كتاب” (8). وقد استطاعت التغلب على مصاعب عدة من اجل نشر كتابها تحت اسم “من القصص القومي” في سنة 1958م والكتاب عبارة مجموعة قصص هي مزيج من التاريخ والاسطورة في اسلوب لا يخلو من روعة ورشاقة (9).

ولم يلق الكتاب الذي قامت بطباعته على نفقتها الخاصة عند صدوره التعليق الذي يستحقه من النقد او النقاد، باستثناء محاولة يتيمة من الكاتب محمود الفساطوي بجريدة الرائد، في معرض حديثه عن قضية المرأة في ليبيا، في مقالة بعنوان “القصص القومي وأنصار المرأة”، فهو لم يتعرض لنقد المجموعة من الناحية الفنية أو من ناحية المضمون، فما لفت انتباهه الى الكتاب هو وجود ادب نسائي لم ينل اهتماما كافيا، رغم ما يوضع امام المرأة الليبية من عقبات وقيود، معتبرا الكتاب بداية مباركة لمستقبل أدبي عظيم (10).

اما الاديبة شريفة القيادي ففي دراستها التوثيقية للكتابة النسائية الليبية “رحلة القلم النسائي الليبي”، فتشير الى ادب السيدة زعيمة بأنها حاولت احياء الشخصية الليبية بكل ابعادها، فالكاتبة تتوقف عند كثير من التفاصيل في وصف الأزياء والعادات والتقاليد الليبية حتى وان اساء ذلك للناحية الفنية في بعض الاحيان (11).

وهناك من يرى ان السيدة حميدة العنيزي هي الوجه التنظيمي للحركة النسوية الليبية، فإن السيدة زعيمة الباروني هي الوجه الثقافي لهذه الحركة (12).

فقد برزت في فترة الخمسينيات (المرأ قضية تنمية ووعي)، تـحت شعار (الـحجاب والسفور)، أي ثنائية الـحداثة والأصالة. مـحور الـجدل الدائر آنذاك، والذي لـم يتوقف. كان هذا الـجدل رجالـي الطابع فيما كانت المرأة تدخل مُعترَك الكتابة والقضايا الاجتماعية، فالسيدة زعيمة الباروني تكتب قصصها وتوقِّع بـ (بنت الوطن)، دون اهتمام مباشر بالـجدل الدائر، وكأن السفور عندها هو حالة الكتابة ذاتها، فالعرقلة نصيب كتاب (زعيمة البارونية) (13) فكان لا بُدَّ من الـحذر وترك القصص بدون أسـماء، فالسيدة زعيمة تشير للاهمال الذي لحق بكتابها، والسبب في ذلك صاحب المكتبة الذي تعهد ببيعه فركنه في زاوية داخلية بالمكتبة فلم يلتفت اليه احد” (14) (طُبِع هذا الكتاب فـي زمن غير زمن أهله، فكان نصيبه من الإهمال بل وفالعرقلة نصيب صاحبته (زعيمة البارونية)، فكان لا بُدَّ من الـحذر وترك القصص بدون أسـماء، وغيره”. زعيمة البارونية (بنت الوطن) (15).

وكانت إسهامات زعيمة الباروني غزيرة ومتعددة، كتبت المقالة الصحافية والاجتماعية، وهي أحيانا تخوض معركة من معارك الكلمة او تنبه إلى قضية من القضايا وبين الفينة والاخرى كانت تعرج على الادب فتكتب قصة أو خاطرة أدبية تظل مشحونة بكل همومها وإحساسها بوطأة الظروف القاسية التي كان يعيشها الإنسان في وطنها (16). و كانت مقالاتها تفيض سحراً وبهاءً تهز القلوب والعقول حيث شاركت في مختلف الصحف والمجلات مثل مجلة (صوت المربي) الطرابلسية ومجلة الأفكار (17). مركزة اهتماماتها منذ البداية على قضيتين رئيستين أولاهما تربية النشء تربية سليمة بما يحقق ذاته ويصون أمجاده وتاريخه العريق ويحقق طموحه في ارتياد التقدم، والأمر الثاني هو حفظ تراث المجاهدين الذين ضحوا في سبيل هذا الوطن ومن جملة ذلك حفظ تراث والدها (18). ولها مراسلات قيمة في مثل هذه الشؤون العامة مع أخيها تدل على مبلغ علمها وثقافتها وأخلاقها وإخلاصها لمبدأها، امتازت هذه السيدة الفاضلة بأسلوبها القصصي الشيق، الخفيف الروح (19).

كما أخرجت زعيمة للمكتبة الليبية مجموعة من الكتب منها كتاب صفحات خالدة من الجهاد الليبي للمجاهد سليمان الباروني، جمع وترتيب زعيمة سليمان الباروني، وديوان (السيف الوقاد) تأليف إبراهيم بن قيس الحضرمي تحقيق زعيمة الباروني، وهو كتاب يتحدث عن مفاخر العروبة والاسلام (20). فمن وجهة نظر السيدة زعيمة الباروني ضرورة الاستفادة من كتب التراث ذاكرة ذلك للاديبة لطفية القبائلي في مقابلة معها في مجلة البيت في العام 1969: “نصيحتي لهؤلاء الشباب ان يستفيدوا من كنوز الادب القديم ويفهموا ويطبقوا ويجربوا” (21).

وكانت السيدة زعيمة متعلقة بوالدها سليمان الباروني تعلقا كبيرا، وترك ذلك اثر عميق في حياتها، فمن ضمن مؤلفاتها (أبي كما عرفته) وهو كتاب عن حياة والدها سليمان باشا الباروني، وورثت زعيمة الروح الفدائية عن والدها العظيم، واختارت لنفسها حياة الانقطاع من أجل عملها ووطنها ومن أجل أبناء أخيها إبراهيم فلم تتزوج، وبذلت الوقت والجهد لتربية أبناء أبناء أخيها إبراهيم فكانت تقول: (إني أعاهد الله أن أبذل جهدي في تنشئة أبناء أخي التنشئة التي أرادها لهم جدهم المرحوم الوالد الباشا ولو كلفني ذلك آخرة قطرة من دمي) (22).

كانت مع قيامها بشؤون الأسرة وأبناء أخيها إبراهيم (23) كانت معلمة ببعض مدارس البنات بطرابلس، لحسن سيرتها وكمال استعدادها أصبحت نائبة لمديرة دار المعلمات بطرابلس، كما تقلبت في الوظائف التربوية فاشتغلت مفتشة فرئيسة مكتب محو الامية (24).

كما كانت من العضوات المؤسسات لجمعية النهضة النسائية في طرابلس سنة 1958م، حيث شاركت من خلالها في مؤتمرات خارج ليبيا تهتم بقضايا المرأة منها، مؤتمر المرأة الأفرو آسيوية بالقاهرة سنة 1960م، برفقة السيدة حميدة العنيزي رئيسة جمعية النهضة النسائية ببنغازي (25).

وتذكر السيدة زعيمة عن رأيها في الجمعيات النسائية الليبية ومنها جمعية النهضة النسائية بطرابلس، “انها تحاول جميعها تحاول ليس اكثر، فبالنسبة لجمعية النهضة النسائية في طرابلس، لها محاولات لا بأس بها، ولكن تغيير الرئيسة دائما يربك سير الجمعية، لان كل رئيسة جديدة لها تخطيط غير الذي وضعته الاولى، وهذا الامر يجعل الجمعية تحبو بعد أن كانت تمشي، لتعدد الخطط وتعدد البرامج، وقلة التنفيذ، ولكن اجماليا ارى أن كل محاولة نسائية يجب ان تقابل بالتشجيع طالما ان غايتها سليمة، وأهدافها بناءة ” (26).

وربما السيدة زعيمة انسحبت من نشاط الجمعية في فترة ما من حياتها، وذلك لوجهة نظرها المذكورة أعلاها، على الرغم من اعادة تقييم التجربة النسائية الليبية من جديد في استطلاع اجرته مجلة المرأة الجديدة بعد تغير نظام الحكم في ليبيا عام 1969م، مع مجموعة من السيدات الفاعلات في تلك الجمعية ومنهن السيدة زعيمة، فذكرت: “رغم معاصرتي للحياة في بلادي من قبل الاستقلال، ورغم انتسابي لجميعة النهضة منذ تأسيسها في طرابلس وصداقتي مع جميع العاملات ومحبتي لحركة المرشدات، فإن ظروفي الخاصة لم تساعدني مع الاسف على العمل المستمر معهن ولهذا لا أخول لنفسي الحكم على مسيرة هذه الجمعية او تقييم اعمالها، فإلى من كن مسئولات حقاً، الرأي تبنى على الصحة وتنبع من النزاهة وشرف القصة ” (27).

كما كانت من ضمن المشاركين في مؤتمر الكتاب والأدباء الليبيين المنعقد ببنغازي في فبراير سنة 1973 (28).

بالاضافة لعدم توقفها عن الكتابة في المجلات والجرائد فقد كتبت في احدى اعداد مجلة المرأة مقالاً ضمنته تهنئة حارة إلى خريجات إحدى الكليات العلمية في بلادنا في أسلوب أدبي رفيع مع اعطائهن النصح والارشاد، كما أنها كانت ترى رغم الاصوات الرافضة لفكرة وجود أقلام نسائية ليبية فمن وجهة نظرها أن الواقع عكس ذلك، “أن الابداع أو الخلق الابداعي يبدأ بالتدريج إلى أن يأخذ مكانته اللائقة، وهكذا أدبنا، وعدم الاعتراف بوجود أدب نسائي من شأنه أن يحطم آمال الطبقة الناشئة من الكاتبات ويغلق الابواب أمامهن، ويجب ألا نقارن أدبنا بأدب البلدان التي سبقتنا، والمفروض أن نبني على ماضينا إلى أن يخرج لنا انتاج طيب” (29).

توفيت يوم الاثنين 10 مايو 1976م (30) حيث نعتها الاديبة لطفية القبائلي في مجلة البيت الصادرة سنة 1976 : “لوعنا بنبأ وفاة المربية والأديبة زعيمة الباروني، أول من حمل القلم من النساء في بلادي، أول من تصدرت مطبوعاتها المكتبة الليبية كمؤلفة وأديبة ومؤرخة، إنها الابنة البارة، المرأة الوقورة دائما، المتدينة دائماً، أتخيلها بصوتها الخافت حتى ليصل إلى الهمس، أتخيلها الآن وهي تنصحنا في ساحة المدرسة: إياكن يا بناتي والبعد عن كتاب الله، إياكن وتضييع الوقت، أطعن والديكن دائماً، لا تبخلن على آبائكن بجهد، لا تهملن في إدارة البيت، فالفتاة الناجحة هي التي تنجح في الميدانين حتماً بيتها وعملها” (31) ملخصة حياة رائدة حقيقية ذات نظرة تقدمية في ما يخص حرية المرأة وتعليمها وتثقيفها، ومناضلة سياسية ساهمت في حفظ جزء من التاريخ الليبي من خلال وثائق والدها.
————————–

1- دليل المؤلفين العرب الليبيين، طرابلس، دار الكتب، أمانة الاعلام والثقافة، 1977، ص137:138. 2- سليمان باشا الباروني (ولد سنة 1870م) في مدينة جادو (فساطو) بليبيا، مجاهد ليبي حارب الإيطاليين و كان من أهم السياسيين الليبيين في تلك الفترة ساهم في تأسيس جمهورية في الغرب الليبي تحت اسم الجمهورية الطرابلسية. كما اسس المدرسة البارونية بمدينة يفرن بليبيا وأسس بمصر عام 1906م (مطبعة الأزهار البارونية)، وفي عام 1908 م أصدر جريدته التي أسماها (الأسد الإسلامي). رجع إلى ليبيا وقاد معارك الجهاد ضد الغزو الايطالي من الفترة 1911م حتى 1916م حين عين والياً على ليبيا ثم اعلن أول جمهورية في العالم العربي تحت اسم الجمهورية الطرابلسية، سنة 1919م اعتزل العمل السياسي بعد اعتراف إيطاليا المزيف بالحكومة الوطنية الليبية.وفي عام 1922م أجبرته السلطات الإيطالية على مغادرة طرابلس فتنقل بين تركيا و فرنسا محاولا العودة إلى ارض الوطن ولكنه منع، واستقر به المقام في سلطنة عمان سنة 1924 حيث عمل مستشارا لدى الإمام محمد بن عبدالله الخليلي إمام عمُان وظل بها حتى وفاته عام 1940م في الهند أثناء رحلة علاجية من مرض المالاريا.
3- بدرية بنت حمد بن خليفة الشقصية / زعيمة البارونية / شبكة اهل الحق والاستقامة).
4- الطاهر بن عريفة، أصوات نسائية في الأدب الليبي، طرابلس، دار الحكمة، ط1، 1998، ص 12.
5- دليل المؤلفين العرب الليبيين، طرابلس، دار الكتب، أمانة الاعلام والثقافة، 1977، ص137:138.
6- الطاهر بن عريفه، مرجع سابق، ص12.
7- دليل المؤلفين العرب الليبيين، طرابلس، دار الكتب، أمانة الاعلام والثقافة، 1977، ص137:138.
8- الطاهر بن عريفه، مرجع سابق، ص 15.
9- شريفة القيادي، رحلة القلم النسائي الليبي، مالطا، دار elga، 1997، ص 57.
10- شريفة القيادي، مرجع سابق، ص 66.
11- شريفة القيادي، مرجع سابق، ص 67.
12- الطاهر بن عريفه، مرجع سابق، ص 11.
13- احمد الفيتوري / عطر النزوة في الشعر النسائي الليبي / مدونات مكتوب،منبر حرية الفكر والكتابة.
14- (شريفة القيادي، مرجع سابق، ص 58).
15- احمد الفيتوري / عطر النزوة في الشعر النسائي الليبي / مدونات مكتوب،منبر حرية الفكر والكتابة) .
16- الطاهر بن عريفه، مرجع سابق، ص13.
17- بدرية بنت حمد بن خليفة الشقصية / زعيمة البارونية / شبكة اهل الحق والاستقامة.
18- الطاهر بن عريفه، مرجع سابق، ص12.
19- بدرية بنت حمد بن خليفة الشقصية / زعيمة البارونية / شبكة اهل الحق والاستقامة.
20- الطاهر بن عريفه، مرجع سابق، ص12.
21- لطفية القبائلي “مقابلة مع السيدة الاديبة زعيمة الباروني” مجلة البيت، العدد 10،السنة 12، 20 مايو 1976، ص6.
22- بدرية بنت حمد بن خليفة الشقصية / زعيمة البارونية / شبكة اهل الحق والاستقامة.
23- بدرية بنت حمد بن خليفة الشقصية / زعيمة البارونية / شبكة اهل الحق والاستقامة.
24- دليل المؤلفين العرب الليبيين، طرابلس، دار الكتب، أمانة الاعلام والثقافة، 1977، ص137:138.
25- دليل المؤلفين العرب الليبيين، طرابلس، دار الكتب، أمانة الاعلام والثقافة، 1977، ص137:138.
26- لقاء مع الأديبة زعيمة الباروني، مجلة “المرأة” ـ العددالثاني ـ 10 فبراير 1965م، ص 5) .
27- خديجة الجهمي، “الاستفتاء، تقييم الحركة النسائية قبل الثورة” مجلة المرأة الجديدة، نوفمبر 1969، السنة 5، العدد 17، ص5.
28- دليل المؤلفين العرب الليبيين، طرابلس، دار الكتب، أمانة الاعلام والثقافة، 1977، ص137:138.
29- الطاهر بن عريفه، مرجع سابق، ص14.
30- دليل المؤلفين العرب الليبيين، طرابلس، دار الكتب، أمانة الاعلام والثقافة، 1977، ص137:138.
31- لطفية القبائلي، مجلة البيت، السنة 12، 20 مايو 1976، العدد 10، ص 5

 

أسرار صغيرة ..

أسرار صغيرةلست من هواة مشاهدة برامج المسابقات ، لهذا لم أتابع يوما برنامج “الحلقة الاضعف” الا عبر لقطات سريعة ، فالأسلوب الغريب لمقدمة البرنامج “ريتا خورى” فى ذلك البرنامج استوقفنى لبعض الوقت ، سرعان ما نسيت البرنامج ونسيتها، لتفاجئنى عبر كتابها الأول المعنون باسم “أسرار صغيرة” بشخصية مختلفة تماما عن تلك التى ظهرت بها ريتا فى ذلك البرنامج.

وهذا الكتاب هو فى الاصل مجموعة تدوينات سبق لريتا كتابتها ونشرها فى مدونات قامت بأنشائها مابين اعوام 2006- 2011 لتقوم ريتا بجمعها فى الكتاب الصادر فى العام 2012 عن (دار بلومزبري ـــ مؤسسة قطر للنشر).

انهمكت فى قراءة الكتاب فور حصولى عليه لاكمله فى ساعات قليلة ، ثم اضفته لقائمة كتبى المفضلة ، كما صرت احمله فى حقيبتى لاعيد قراءة بعض الأجزاء فى اوقات الانتظار الطويلة بالعيادات والمصحات ، وحيث أصبحت ريتا رفيقة جيدة ومسلية بقصصها وتدويناتها وتأملاتها حول الحياة ومافيها .

كانت ريتا تتحدث من خلال اسم مستعار “رات ” وهو اسم التدليل الذى يستعمله المقربين منها ، كانت تشعر وقتها بحرية كاملة وهي تكتب دون أن يعرفها أحد، متحررة من قيود الشهرة، والقيود الإجتماعية ، و بطريقة سلسة وجميلة فيها جرأة وشجاعة كبيرة فى طرح آرائها وأفكارها ، حكت عن علاقتها بوالديها وزوجها ، ذكريات وحكايات الطفولة ، عن مشاكلها اليومية ، افراحها واحزانها ، و همومها ، وتساؤلاتها الوجودية.

تحت عنوان “أسرار صغيرة ” تتحدث عن ولعها بكتابة اليوميات فى دفاتر أنيقة تليق بأسرارها الصغيرة ، لتستبدل الدفاتر بمدونات مارست عبرها البوح بأسرارها ، وعبر الكتابة تحاول التغلب على مشكلة الخوف الاجتماعى ، فقد عاشت لسنوات خارج لبنان وعندما عادت انكفأت على نفسها مما دفعها للبحث عن مفاتيح للتعامل مع الحياة فى بيروت ، كما نكتشف أنها تكتب كى تتخلص من الألم ، من أوجاع وجروح الماضى ، وورغم معرفتها عن صعوبة الحصول على إجابة عن سؤال من أنا عبر تدوينة مركزة تحمل عنوان “من أكون” تحاول استعادة ماضيها كطفلة ومراهقة وشابة فى بدايات العشرينات من عمرها ، وتقول عن ذلك “أصعب الأمور مواجهة الأنسان لذاته ولذاته” .

تعترف ريتا بمنتهى البساطة بأنها زارت عيادة المحلل النفسي للمعالجة لسنوات طويلة ، كما تكتب رسالة بوح واعتراف جميلة لوالدها الراحل تحت عنوان ” أبى الذى ، مبدئياً، فى السماوات” تقول : “..لم تُتح لى فرصة التحدث إليك عن هذه الأمور ، كما أنك رحلت من دون إنذار، تاركا ً أحاديث معلقة على حبال الغياب ..” .

تحكى لنا عن انطباعاتها كطفلة عن الموت والجنة إثر وفاة جدها ، عن معلومات طريفة وغرائبية ترسخت فى ذاكرتها الطفولة حول هذا الموضوع الماورائى .

تحدثنا فى الكتاب عن علاقتها المتأرجحة بوالدتها منذ طفولتها المبكرة إذ تذكر مدى تأثرها بسماع والدتها تردد للمعارف عن لحظة رؤيتها لريتا فور ولادتها وكيف طلبت من المحيطين بها بالمستشفى أن يبعدوا الطفلة ذات الشعر الداكن والمظهر القبيح عنها ، تقول ريتا عن ذلك :”…كان الناس يضحكون لهذه القصة ، بينما أتمزق من الداخل، لم أفهم سبب رفضها لى، خصوصا أنه لاحيلة لى فى مجيئى إلى هذا العالم ..” .

عندما تكبر وتكتسب بعض الخبرة فى الحياة تحاول ان تجد تفسير ومبررات لسلوك وتصرفات والدتها، فتعترف بأنها احتاجت لسنوات طويلة كى تكتشف أن والدتها كانت امرأة لها عذاباتها وآلامها الخاصة، حيث تنجح فى التخلص من مشاعرها السلبية تجاه ماضي علاقتها بوالدتها.

فى نصوص متخيلة على لسان حاسوبها الشخصى تحدثنا على لسان جهازها الشخصى عن مشاعرها واهتماماتها المتقلبة بمواضيع بعضها يحمل طابع الغرابة والطرافة معا ، إذ تسعى للحصول على منملة لتربية النمل بعد قراءتها لثلاثية للكاتب” برنارد فيبير” ، عن علاقتها بزوجها وبأسرتها .

لا تخجل ريتا، من التكلم بصراحة عن التقلبات فى علاقتها بزوجها الذى يعمل ويقيم فى باريس ، ماجعلها تغادر بيروت منذ عام 2006 .

كما تشاركنا بتفاصيل علاقتها بابنة زوجها المراهقة ، وعن الكتب ، والسينما ، فنتعرف على افلامها المفضلة ، وعن كتابها المفضلين ، وأطعمتها المفضلة ، و رحلاتها و بعض الأماكن التى زارتها.

فى نصوص أخرى تروى لنا أسرار جرائم طفولة بريئة ، وتحدثنا عن فترات كآبة وانكفاء على النفس مرت بها ريتا ،قد يكتشف بعضنا قد سبق له المرور بمثل هذه الأوقات والتجارب السيئة .

ويفيض الكتاب بالكثير من الأحاسيس والمشاعر، والهواجس والمخاوف ، والاعترافات والتأملات .

قامت ريتا بتسجيل بعض النصوص من الكتاب بصوتها، وقد استمتعت بالاستماع للنصوص المختارة إذ أضفت مسحة جميلة عليها، اخترت هذا التسجيل الطريف حول اختراع السعادة .

http://https://soundcloud.com/rita-khoury/jopkfk3fo5yi

بدأت ريتا خوري مسيرتها الإعلامية في برنامج للهواة عام 1988 حيث شاركت عن فئة تقديم البرامج، ثم انتقلت إلى إذاعة الشرق في باريس، حيث قدمت خلال عشر سنوات من عملها هناك مجموعة من البرامج الثقافية والاجتماعية والفنية، ثم عملت فى بعض المحطات الغربية فى أوربا ، قبل أن يُعرض عليها تقديم النسخة العربية من برنامج المسابقات العالمى”الحلقة الأضعف” ، ثم قدمت برامج اجتماعية مثل “يوميات”و”حكايا الناس” و”سوالفنا حلوة”.

الدكتورة فريدة العلاقي: صورة مشرفة لنساء ليبيا

Untitledظهور اسم السيدة فريدة العلاقي من جديد على المشهد السياسي الليبي عقب تسميتها كوزيرة للخارجية فى حكومة السيد الثني، جعلتها عرضة للتساؤلات والتعليقات من المواطنين فى ليبيا ، تحولت فى جزء منها لحملات تشويه وسخرية على هذه السيدة الشجاعة المحترمة الزاهدة فى تولي مناصب عامة في الدولة الليبية، فقد اعلنتها أكثر من مرة عزوفها عن ذلك، ودعوتها للشباب للتقدم وتحمل المسؤليات،تأملت من السيدة فريدة لو اصدرت تصريح قصير موضحة رأيها فى تولى المناصب العامة فى الدولة ، خاصة فى ظل التجاذبات السياسية الحادة وكم تمنيت لو أنها نأت بنفسها عنها.

ماجعلنى اشعر بالكثير من الالم والحزن على عدم منطقية كثير من آراء الناس، المبنية على معلومات قليلة او محدودة حول هذه السيدة الرائعة، وهو ما دفعني إلى إعادة نشر مادة أولية حول السيدة فريدة العلاقي كنت قد قمت في اليوم العالمى للمرأة عام 2012 بكتابتها ونشرها عبر حسابي الشخصي في الفيسبوك باعتبارها وجه ليبي مشرق ومعروف في خارج ليبيا ولكن الغالبية العظمى من الليبيين يكادون لايعرفون عن سيرتها وتاريخها الكثير او حتى القليل، لبقائها في المنفي ضمن صفوف المعارضين لنظام القذافي طوال اربعين عام.

لقد نالت تلك المادة اعجاب السيدة هيلانة بن علي مديرة الصفحة الليبية “صوتي ليس عورة” فطلبت الإذن بإعادة النشر على الصفحة المهتمة بقضايا المرأة الليبية والعربية، فوافقت على ذلك كأداء لواجبي تجاه هذه السيدة الشجاعة، ولكني تفاجئت فيما بعد بإعادة نشرها ضمن موقع وكالة محلية تحمل اسم “الأنباء” دون الإشارة إلى الكاتبة أو مصدر المقال. والطريف أن إعادة النشر ضمنت كل الأخطاء اللغوية والإملائية وحتى ترتيب عرض الموضوع كما هو منشور على صفحتي الشخصية بالفيسبوك دون أن يتكلفوا عناء التصحيح. ورغم تعليقي في خانة التعليقات بالموقع الى تعديهم على حقي المعنوي بعدم وضع اسمي على المقال لم يجري تصحيح الامر ، بل تم تجاهلي من قبل محرري الموقع. ومع ظهور اسم السيدة فريدة العلاقي من جديد على المشهد السياسي الليبي، إثر تسميتها كوزيرة للخارجية في حكومة السيد الثني، اعُيد نشر المقال خلال الايام القليلة الماضية عبر موقع “بوابة الوسط” بنفس أسلوب الوكالة السابقة مع الابقاء على نفس الأخطاء الإملائية و اللغوية وترتيب الفقرات، المهم قررت إعادة نشر المقال كاملا بعد التصحيح والتعديل مع الاشارة لما حدث معي، رغم شعوري بالغضب والانزعاج من التصرف غير المهني و غير الأخلاقي من طرف الموقعين.

جاء اهتمامي بالسيدة فريدة بلقاسم العلاقي ضمن نشاطي بمؤسسة تبرة برئاسة السيدة هناء النعاس رحمها الله (خلال اعوام 2003-2011) وهي مؤسسة تركز على تقديم قصص نجاح لنساء ليبيات من كافة الاعمار والخلفيات، وقد استوقفني، عام 2005، خبر اختيار الدكتورة فريدة ضمن ألف (1000) امرأة حول العالم لنيل جائزة نوبل للسلام وذلك باعتبارهن من الفاعلات والمؤثرات في تحسين البيئات اللائي يعشن فيها.

 بدأت مشوراها العلمي من جامعة بنغازي، وكانت ذات حضور ملفت وسط طلاب قسمها (الفلسفة وعلم الاجتماع) حيث عرفت بثقافتها الواسعة ، وروحها الاجتماعية العالية، من هنا شكلت بين زملائها في كلية الآداب  نموذج مختلف للفتاة الليبية في تلك الاعوام. وربما ماساهم في تشكيل شخصية السيدة فريدة نشأتها في بيت يهتم بالتعليم والثقافة مما ترك أثر عميق على شخصيتها. فوالدها هو السيد بلقاسم العلاقي وزير التعليم في دولة الاستقلال، وجدها لوالدتها هو السيد مفتاح عريقيب، احد كبار تجار مدينة صرمان ومن أعيانها ،وقد تولى عديد المناصب في دولة الاستقلال أخرها رئيساً لمجلس النواب (1960). وتتحدث في لقاء صحفي حول نشأتها وتربيتها في سنوات الطفولة قائلة: ” .. منذ طفولتي كنت قريبة جدا من والدي، وقد عمل والدي وزيرا للتعليم والصناعة، وقد تشربت من والدي الكثير من القيم والمبادئ ومنها (حب الوطن)، أما والدتي فكانت امرأة قوية وذكية وشجاعة رغم انها لم تكن متعلمة الا انها مسيسة جدا ومكافحة تحثنا جميعا على مواصلة التعليم، وفي الحقيقة أدين كثيرا لوالدي ولوالدتي، وكذلك لجدتي التي عشت معها أيام طفولتي الأولى، فهؤلاء الثلاثة هم الذين ساهموا في تشكيل شخصيتي وحياتي “.

وهذه البيئة الاولى التى نمت وترعرت فيها السيدة فريدة هي التي اسهمت في توجهها للعمل مع البشر أى في مجالات التنمية البشرية والصالح العام حول العالم. وتشير الى ذكريات الطفولة حول هذا الجانب في حياتها :” .. كان مصطلح التنمية البشرية في سنوات الطفولة يعني العمل مع البشر، وهو بالنسبة لي كذلك – قبل أن يقنن بهذا التعبير – نشأ معي منذ طفولتي وأنا أشاهد والدتي وهي تعمل مع هذه الفئات أى الفقراء والمحتاجين والأطفال، ثم كنت أشاهد جدتي، فكنت دائما محاطة بالمحيط الأسري برؤية كل فئات المجتمع وكل الناس، وأعتقد أنه كانت هذه هي البداية ، وبعد ذلك – طبعا – تدرجت في تحصيلي العلمي وحياتي العملية ، وكنت ناشطة قبل زواجي في العمل الكشفي (الكشافة) الذي ورثت واستفدت منه الكثير “.

 ولاشك أن النشأة الاولى وتفتح الوعي على محيط عائلي تدور فيه بشكل يومي أحاديث السياسة والشأن العام كان له تأثير كبير على اهتمامات الدكتورة فريدة في تلك السنوات مما نمى فيها روح النضال، فأندفعت للمشاركة في المظاهرات الداعمة للثورة الجزائرية في شوارع طرابلس، واعتبرت المناضلة جميلة بوحريد مثلها الأعلى في تلك السن الصغيرة قبل دخولها للجامعة في بنغازي وتتحول الى احدى الشخصيات النسائية المطبوعة في ذاكرة طلاب واساتذة الجامعة بتلك الفترة.

تخرجت عام 1969 من كلية الآداب بجامعة بنغازي، لتسافر لاكمال دراستها في الولايات المتحدة الإمريكية حيث  نالت درجتي الماجستير والدكتوراه من ولاية (كولورادو) الأميركية في مجال (علم الاجتماع : تخصص التخطيط الاجتماعي والتنمية) عام 1980.

هذا وقد عملت الدكتورة فريدة منذ عام 1975 م في الكثير من المؤسسات الدولية والاقليمية؛ مثل عملها كمستشارة للتنمية البشرية وصياغة السياسات والتخطيط الاستراتيجي وتنمية الموارد، ثم انتقلت للعمل بعد ذلك في وكالات الأمم المتحدة كاليونيسيف وصندوق الأمم المتحدة للسكان والبرنامج الانمائي واليونسكو واليونيفيم ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة العمل الدولية.

أسهمت في بداية الثمانينيات بإنشاء عدة مؤسسات وطنية واقليمية ودولية ومنظمات غير حكومية من خلال تركيزها على النساء والأطفال والشباب والفقراء والأقليات .

وقد عينت مسئولة عن مشاريع وبرامج منظمة (اليونيسيف) في الرياض عام 1981 م وبين عامي 1983-2011 م مديرة لإدارة المرأة والطفل في برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الامم المتحدة الانمائية.

 بالإضافة لعملها في المجال الدولي بالأمم المتحدة، حيث أصبحت خبيرة دولية في المنظمة الدولية للطفل التابعة للأمم المتحدة (يونيسيف)، كانت لها عدة نشاطات متواصلة في بعض الجمعيات الاهلية، فساهمت في برامج الانماء وخطط التنمية المستدامة والشباب، وهي مستشارة دائمة للأمير طلال بن عبد العزيز آل سعود ، كما  تعد أبرز المؤسسين لمشروع تنمية الطفولة المستدامة في الأمم المتحدة.

انضمت في العام 1991 إلى 105 من زعماء ونشطاء المجتمع المدني حول العالم لتشكيل اللجنة التنسيقية لتأسيس منظمة دولية من أجل ترسيخ قيم المواطنة والمجتمع المدني في كافة دول العالم، خاصة في بعض المناطق التي تتعرض فيها الديمقراطية والمشاركة وحرية المواطنين في العمل والتعبير للتهديد والتضييق. و تشغل حاليا منصب المدير التنفيذي لمؤسسة مينتور (العربية) وهي تتبع مؤسسة مينتور (العالمية) للوقاية من المخدرات والتي ترأسها الملكة “سيلفيا ” ملكة السويد. وقد منحت الكثير من الجوائز العربية والعالمية تقديرا لإسهاماتها في مجالات التنمية في العالم العربي وفي مختلف أنحاء العالم.

لها الكثير من الدراسات والمؤلفات العلمية باللغتين الانجليزية والعربية منها: “تفعيل المجتمع المدني العربي”، ورقة علمية في: تقرير التنمية الانسانية العربية للعام 2002 : خلق الفرص للأجيال القادمة، برنامج الامم المتحدة الانمائي؛ الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي ؛ و برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الامم المتحدة الانمائية، المكتب الاقليمي للدول العربية، برنامج الامم المتحدة الانمائي، 2002 م.

تعرضت السيدة فريدة للكثير من المضايقات من نظام القذافي كي تنخرط في اعمال تحت رعاية عائشة القذافي في الاعوام الأخيرة قبيل الثورة، بالإضافة لتعرض زوجها الدكتور فيصل الزقلعي لمحاولة اغتيال على يد قاتل مأجور في بيتهم في الولايات المتحدة الامريكية بدايات الثمانينات عندما أطلق القذافي حملة للتصفية الجسدية ضد المعارضين الليبيين بالخارج، وقد تسبب اطلاق النار الذي تعرض له الدكتور الزقلعي خسارته إحدى عينيه ، كما دفعت ثمن معارضتها للنظام بحرمانها من تربية ابنتها التى تصادف ان تركتها برعاية والدها ووالدتها أثناء اكمالها لدراستها العليا لنيل درجة الدكتوراه فى الولايات المتحدة الامريكية ومع انخراطها فى أعمال المعارضة بالخارج ، لم يسمح لها نظام القذافى لمدة ست عشر عاما أن تحضر ابنتها لتعيش معها خوفا ً على سلامة اسرتها بليبيا فكانت تلتقى معها مرة فى العام لمدة شهر أثناء اجازة يقضيها والداها فى اوربا مصطحبين الابنة التى كبرت بعيدا عنها كل تلك السنين.

الدكتورة فريدة كانت معارضة منذ عهد المملكة، مقتبسة نهج جدها السيد مفتاح بوعريقيب الذى عُرف كنائب في البرلمان الليبى  بمعارضته للحكومات الليبية، وشدة حرصه على المصلحة العامة، ويصفه الدكتور شكرى السنكى قائلا :” ..كان عريقيب مهتماً بشئون دينه اهتماماً كبيراً.. ومهتماً بشئون النَّاس ومدافعاً صلباً عن مطالبهم.. وكثير الإطلاع والقراءة، تميز بمقدرته في إثراء النقاش وطرح الأسئلة الهامـّة. حمل السّيّد مفتاح عريقيب هموم النَّاس ومطالبهم، وضع عريقيب شكوى المواطنين وتظلّماتهم على سلم أولويات عمله كنائب، وكان من أبرز ممثّلي الشّعب الذين أثاروا تظلّمات المواطنين بشأن أراضيهم المغتصبة من الطليان في البرلمان الجديد”. فكانت تنتقد الحكومات الليبية في عهد المملكة  بروح  وعقل شابة تنتمي لجيل طليعي في ليبيا بتلك السنوات، وبعد انقلاب القذافي ومع اكتشافها لحقيقة النظام الجديد تحولت لصفوف المعارضة الشابة أنذاك من طلبة الجامعات الليبية فشاركت مع رفاق لها في تأسيس اتحاد الطلبة الليبي المعارض، ثم التجمع الليبي الديمقراطي كحزب معارض.

ساهمت الدكتورة فريدة مع اندلاع ثورة 17 فبراير في تنظيم المظاهرات والاعتصامات وممارسة الضغوطات على جامعة الدول العربية بشأن قرار الادانة للنظام القذافي، وظلت تجمع التبرعات وتتحدث لوسائل الاعلام للتعريف بالمجلس الوطني الانتقالي في ايامه الاولى معرضة حياتها وحياة أسرتها للخطر.

رغم بلوغها الستين من عمرها لاتزال الدكتورة فريدة في قمة نشاطها وحيويتها  ، تقود مشاريع لصالح الشباب والاطفال والنساء في ليبيا بعد ثورة فبراير، فهي صاحبة خبرة في مجال المجتمع المدني وحقوق الانسان، ولهذا تتمتع برؤية انسانية لتحقيق التواصل بين أبناء الوطن الواحد، كذلك بين مواطني المنطقة العربية ونظرائهم في مناطق أخرى من العالم، وقد أسست مع أخريات المنتدى الليبي للمجتمع المدني بعد ثورة فبراير.

كما عملت الدكتورة فريدة دائما على نشر وتعزيز قسم التسامح والتفاهم والحوار بين مختلف الثقافات والأديان والجماعات المختلفة .

تركز الدكتورة فريدة على أن النقد البناء والفعال هو دور المواطنة الحقيقي، وأهمية دور وسائل الاعلام والقضاء في مواجهة أمراض الناجمة عن نظام فاسد إذ تعتبر بحسب رأيها :” أكبر ضمانة يجب التركيز عليها هي القضاء والإعلام، فإذا تمكنا من خلق سلطة رابعة من الإعلام تراقب وتلاحق وتقيم وتعري وتكشف وتحارب الفساد، نكون قد انجزنا أمراً في غاية الأهمية، وبالطبع سنكون جاهزين لشكر من يحمي ليبيا، ونحن مستعدون لكشف كل من يحاول الاستمرار في الفساد والسرقة “.

 السيدة فريدة انسانة متوازنة وموضوعية في آرائها وافكارها فهي ترفض “فوبيا” وصول التيارات الاسلامية إلى الحكم، كما أنها راضية عن كل من يتسلم الحكم سواء كانت أطرافاً اسلامية أو علمانية شرط أن تجري الانتخابات بشكل ديمقراطي، إذ ترى “أن المهم بأن يشعر المواطن الليبي أن الانتخابات غير مسروقة وغير فاسدة، فالشعب الليبي هو الذي يختار ممثليه، وهو لم يشعر بالحرية والديمقراطية ولم يعبر عن رأيه منذ 42 سنة “.

ولكنها مع التشديد على ضرورة الحوار بين أطياف ومكونات المجتمع الليبي، فهي تنادي دائما  بـ “الحوار سنصل إلى ليبيا المستقبل” ، فهي تقول :” … ليس لدينا أي مخرج من هذا المأزق الذي نحن فيه إلا بالحوار، هناك تجارب لدولة معقدة، فهناك دول أصعب منا بها طوائف وأحزاب و”تشكيلات ” واستطاعت أن تجلس على طاولة وتتحاور”.

وان كانت لاتخفي مخاوفها من المرحلة التى وصل إليها المجتمع الليبي من تنامي العنف دون العمل بجدية ومثابرة على جلوس الليبيين للتحاور و التواصل حول مخاوفهم و مايريدون تحقيقه، وترى أن الانانية والغاء جهود وادوار البعض هي عامل مهم في تعطيل او افشال أي مبادرة للحوار الوطني ففي مقابلة صحفية معها في شهر يونيو من عام 2014 تقول :”..إن ما يخيفني في هذه المبادرات هذه ’الأنا’ المتضخمة والجميع يريد أن يتسابق حول من يقول (أنا بدأت ..وأنا من بادرت ..وأنا من فكرت) هذه ’الأنا’ يجب أن نتخلص منها وأن تدفن وأن يتواضع الجميع، فالحوار الوطني والميثاق بدأ منذ سنة 2011 والحوار الوطني بدأ في مصراتة حين تداعت خمسة آلاف منظمة مدنية للحوار – مثلا- لهذا علينا أن نبحث عن الجهود السابقة ونأتي بكل من بدأ في السابق، وأن نضيف لهم كل من بدأ في الحاضر وجمع هذه الأفكار والجهود، إذا كان الجميع يحب ليبيا ويعقل من أجل ليبيا وألا يحب نفسه ويسعى لتلميع نفسه لكي يصل إلى شيء ما “.

وعن رأيها حول دور الشباب في بناء الاوطان فهي تنادي بضرورة اشراكهم بشكل جاد وفعال في تحمل المسئوليات وتقديم الدعم والمساندة لهم “علينا العمل بتفاؤل وأمل وجدية لبناء الجسور المتينة بين مختلف الفئات، من خلال إبراز المواقع الشبابية إلى الأمام، والسير بدقة وتوازن لتحقيق الحلم” .

اتمنى الا ينسى الليبيون وألا يجحدوا ما قدمته الدكتورة فريدة من صورة مشرفة للمرأة الناجحة الليبية ودورها حول العالم في مجالات الطفل والتنمية. إختلاف الأراء والإجتهادات يجب ألا تقودنا إلى الجحود والنكران وعدم التقدير، قليل من الإنصاف في التعامل من مصلحتنا جميعا.

المراجع:

  • – محمد أحمد عبد القادر،مقال” بطالة الشباب بين واقع العجز العربي وإشكالية التمويل الغربي”،منشور على موقع البى بى سى العربى بتاريخ 26 أغسطس 2005.
  • – د.شكرى السنكى من مقال العهد الملكى – رجال حول الملك (9من9) ، منشور على موقع ليبيا المستقبل بتاريخ 1/7/ 2009.
  • – ناصر الدعيسى ، مقال “فريدة العلاقى” منشور على موقع جيل الليبى بتاريخ 19 /2010/5.
  • – ربيعة بن صباح الكواري ، لقاء صحفي بعنوان ” عضو مجلس أمناء مؤسسة مينتور العالمية للوقاية من المخدّرات .. المفكرة الليبيـّة د.فريدة العلاقي” منشور بتاريخ  29/7/2011.
  • –  المحرر، مقال “نضال امرأة ” منشور بموقع مانشيت،بتاريخ 10 أبريل 2012.
  • – فتحية الجديدى ، لقاء صحفي  بعنوان ” الناشطة الحقوقية الليبية* د. فريدة العلاقي لفبراير لابد أن نقوم بثورة فكرية حقيقية ” ، منشور على موقع صحيفة فبراير الليبية ، بتاريخ 15 يونيو 2014

السيدة حميدة العنيزي رائدة في تعليم البنات الليبيات

407991_10150663497925931_1270769561_nاجتمعت في عصر السيدة حميدة العنيزي عديد الصراعات السياسية والاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية ما جعله عصرا صعبا على الرجال قبل النساء، فالسيدة حميدة محمد طرخان المولودة في العام 1892م بمدينة بنغازي سافرت في بعثة دراسية من قبل الحكومة التركية آنذاك في العام 1911م إلى اسطنبول للدراسة في معهد المعلمات هناك، حيث نالت شهادة الراشدية، ثم نالت دبلوم المعلمات بتفوق، الأمر الذي دفع بإدارة المعهد الذي درست به لاختيارها لبعثة دراسية متقدمة بفرنسا، إلا أن والدها رفض هذه الفكرة أساساً، كما رفضت تعيين الحكومة التركية آنذاك لها كمعلمة بإحدى المدراس، وطلبت العودة إلى أرض الوطن خاصة مع استقرار الأوضاع بشكل نسبي، حاملة لمجتمعها المحافظ أفكارا تنويرية جديدة اعتنقتها خلال إقامتها بتركيا، التي شهدت تغييرات شملت نواحي الحياة آنذاك .

 وترجح عودة السيدة حميدة إلى بنغازي في العام 1915م بعد قضائها خمس سنوات باسطنبول. ولا نعرف الكثير عن دورها في الحياة العامة بمدينة بنغازي فى تلك الفترة لعدم توفر روايات عن تلك الفترة، وربما كانت تقضي وقتها في قراءة ما يتوفر من كتب باللغات التي أجادتها ومنها التركية والفرنسية واليونانية، ثم الإيطالية التي انهمكت في تعلمها، بالإضافة لتحسين لغتها العربية على يد رجل دين .

وعندما أخذت أحوال سكان بنغازي في التحسن نسبياً في السنوات التي أعقبت معاهدة أوشي لوزان فوجئ الناس بحدوث كارثة كبيرة هزت أعماقهم، وهي ظهور وباء الطاعون بكل معقباته منذ بداية العام 1914م ثم انحساره، وعودته للظهور مجدداً عامي 1917 و 1922م، ويذكر بعض المعمرين الذين عايشوا تلك الفترة أن الإصابات والوفيات كانت كبيرة، وقد دفع الفقر والضيق والمرض واستبداد العدو بالسكان ليزيد ترابطهم وعطفهم على بعضهم البعض.

وقد ترك المرض أيتاما من البنات والأولاد بدون أسرهم، مما دفع السلطات الحاكمة آنذاك لجمع البنات اليتامى ووضعهن في بيت بشارع الكوافي، وأوكل للآنسة حميدة طرخان العنيزي بالإشراف عليهن حسب رواية السيد عمران المصري. وتذكر السيدة أمينة بن عامر في كتابها عن السيدة حميدة قيامها بتعليم البنات تطوعاً في بيتها في الأعوام 1917 و 1918م. والأرجح هو قيامها بالإشراف على بيت البنات اليتامى لمشاعرها الفياضة، وتفاعلها مع الناس وإحساسها بمعاناتهم، ففي تلك الظروف الصعبة من وباء يحصد الأرواح وجفاف يضرب البلاد وموجات جراد تتلف المحاصيل، كان تعليم البنات آخر همَ الليبيين، ولكفاءتها وائتمارها بحوافز الضمير الحي وتقديس الواجب، فقد شغلت مكانة مرموقة في قلوب الناس. مما أهلها فيما بعد للعب دور مؤثر في التعليم بالمدينة.

ربما استمرت في تقديم رعايتها لبنات اليتامى حتى عام 1920م حيث تزوجت من السيد عبد الجليل العنيزي، وهو ضابط ليبي سابق في الجيش التركي، والذي ستحمل لقب أسرته حتى وفاتها. وبتشجيع من زوجها المثقف المستنير قياساً على عصره وافقت على افتتاح أول مدرسة ابتدائية للبنات بناءً على طلب السلطات آنذاك من قريب زوجها السيد عثمان العنيزي فقامت بذلك العمل الصعب في وقت سادت فيه مفهوم العقلية المتخلفة لدى الرجل الليبي في نظرته إلى المرأة، فهي أقرب لأن تكون من الحريم والجواري تقبع خلف الجدران مسلوبة الإرادة ممنوعة من الخروج، إذ سلبتها التقاليد كل إنسانيتها وحقوقها الصريحة التي أثبتها لها الدين الاسلامي . 

وفي تصريح لها في تلك المرحلة الصعبة في مقابلة معها بإحدى المجلات تقول:”.. كان مجرد إقدامي على العمل وقتذاك هو في حد ذاته نضال، إذ واجهتني صعوبات وصعوبات، منها التقاليد، والاستعمار، وقد حوكمت من أجل هذه الرسالة بتهمة أنني أعلم البنات في بيتي. ومن هنا يظهر مدى الكبت والضغط والظلم الذي كنا نعانيه من المستعمر. تصوري أن التعليم كان يعتبر في نظرهم جريمة يحاكم عليها..”.

كما تشير لدور زوجها في ذلك:”.. وبالرغم من هذا واصلت رسالتي، وقد وجدت التشجيع من زوجي الذي استطاع أن يقنع والدي في أن يسمح لي بالعمل، ولازلت أتذكر أول فوج من بناتي اللاتي درستهن وهن كريمات الساقزلي”.

كان المقر بمدرسة البنات للتعليم والعمل بشارع عثمان بحيح، واحتوى برنامج الدراسة على مدة خمس سنوات، ففي السنة الأولى كانت ذات طبيعة إعدادية، وباقي السنوات عادية، متضمنة موادا دراسية كالآتي: القرآن والدين والاخلاق، اللغة العربية واللغة الايطالية والحساب، دراسات عامة مثل التاريخ والجغرافيا والاقتصاد المنزلي والصحة والتدبير.

 ويشير بيكيولي بأن تدريس هذا البرنامج قد أنيط باثنين من المدرسات العربيات الجيدات حميدة العنيزي، والسيدة بديعة فليفله. ووصل عدد التلميذات بهذه المدرسة لحوالي 48 تلميذة. ولأن السلطات الايطالية في ذلك الوقت لم يكن في نيتها التخلي عن هدفها المفضل في التغلغل الثقافي وسط المجتمع الليبي، لذا لم تكن عملية التعليم بالعملية السهلة وقتها بالنسبة للسيدة حميدة، فالمدرسات الايطاليات كن يتربصن بها خوفاً من مواقفها القوية، فإخلاصها دفعها للتركيز على تدريس اللغة العربية، بل وتهريب كتاب المطالعة الرشيدة الذي يأتي من مصر لتطالعه التلميذات في بيوتهن .

لعل أبرز من تخرج من مدرستها في تلك الفترة كانت الآنسة خديجة الجهمي عام 1936م مع مجموعة بنات كن النواة لتأسيس نهضة تعليمية نسائية، فإنخرط أغلبهن في مجال التدريس فيما بعد، منهن السيدة حميدة بن عامر، والسيدة فاطمة بن غلبون، والسيدة فريحة طرخان، والسيدة نورية الأزرق. كما كان من المتخرجات من المدرسة نواة أولى لممرضات ليبيات ومن بينهن إبنتي أخيها.

وبتطور الحياة الطبيعية ما بين أعوام 1923 و 1929م حافظت الأسر الليبية على أسلوب حياتها وعاداتها وتقاليدها، إذ ظلت القيود على تعليم الفتاة تثقل كاهلها وتحد من انطلاقتها، مما دفع بالسيدة حميدة العنيزي لاعتناق قلمها، والمساهمة في تنوير مجتمعها بأهمية تعليم البنات من خلال الكتابة في مجلة ليبيا المصورة، بل وتشجيع تلميذاتها على الكتابة عبر صفحاتها.

وتقول السيدة حميدة عن تلك المرحلة: “كان كل همي أن أرى التعليم ينتشر بين الليبيات، ولقد عملت كل ما في وسعي لتشجيع هذه الحركة”.

فقد كتبت على صفحات مجلة ليبيا المصورة تخاطب أولئك الاباء: “..وأنتم أيها الآباء أناشدكم الله أن تتدبروا في مستقبلهم بناتكم، فلا تكونوا من المتعصبين الذين يحولون دون تعليم بناتهم فيقضون بحرمانهم من أهم أسباب الحياة. ومن الحقائق المسلمة الآن أن المرأة هي المدرسة الأولى لأفراد النوع الانساني، وفي هذه المدرسة يأخذون المبادئ التي لا يمحى أثرها طول الحياة. فإذا كانت المرأة متعلمة فلا شك أنها ستربي أولادها تربية حسنة، وتبث روح الفضيلة في نفوسهم فيصيرون في المستقبل رجالاً يرجى منهم الخير. أما إذا كانت غير متعلمة بما تسترشد به في أداء هذا الواجب الذي وضعتها فيه مقتضيات الطبيعة، فكيف يمكنها أن تربي أولادها تربية نافعة وتنجب أفراداً يرفعون مقام أمتهم ويعلون شأنها بين الأمم”.

ويتردد صدى أفكار السيدة حميدة في نفوس الليبيات، فنجد إحدى قارئات المجلة تبدي إعجابها بكتابات السيدة حميدة فتقول: “.. لا يسعني إلا أن أبدي اعجابي وتقديري للمربية الفاضلة السيدة حميدة العنيزي لما حواه مقالها القيم من الآراء الصائبة والنصائح العالية المفيدة..”.

* هذه المقالة جزء من بحث موسع عن السيدة حميدة العنيزي، ودورها في الحياة العامة في ليبيا منذ عودتها من تركيا حتى وفاتها في العام 1981م، وتزامن وقت النشر مع ذكرى وفاتها في شهر أغسطس، وذلك إبقاءً لذكراها العطرة حية في نفوس الليبيين، منشورة سابقا ً على موقع جيل بقسم رواق التاريخ عام 2007.

مراجع:

– أمينة بن عامر، المرأة الليبية:إبداع وإشعاع: حميدة العنيزي .

– احمد القلال ، سنوات الحرب وادارة العسكرية البريطانية فى برقة .

-إبراهيم المهدوى ، حكاية مدينتى بنغازى”دراسة وثائقية”.

-وهبى البورى ، مجتمع بنغازى فى النصف الاول من القرن العشرين.

– مجلة ليبيا المصورة ،1936.

– مقابلات شفهية (عام 2006 ) مع السيدة نجاة طرخان ، السيد عمران المصرى الجلالى، السيدة حميدة البرانى.