أرشيفات الوسوم: جزر فانواتو

بيوغرافيا الجوع فى سيرة البلجيكية آميلي نوثومب..

1965065_741506112528678_330263043_nهى أقرب أن تكون سيرة روائية تقوم على تجارب حقيقية للروائية البلجيكية إيميلى نوثومب ، فقد عاشت إيميلى حياة تنقل برفقة والدها الدبلوماسى البلجيكى فقد عاشت فى عدة دول كاليابان و الصين والولايات المتحدة الامريكية وبنغلاديش و الهد وكمبوديا حتى تعود الى بلدها الام فى سن المراهقة ، تسرد لنا إيميلى سيرتها الذاتية من خلال الارتكاز على فكرة الجوع فى حياتها ، فتبدأ كتابها بالحديث حول أرخبيل اوقيانوسى يدعى فانواتو لا يجوع سكانه لكثرة الطعام الذي يتعدى حاجة الناس هناك لذا أهل فانواتو مسالمون جدا، كأن السأم مقيم في أنفسهم، لهذا لا يكترثون بأي شيء، حياتهم يفتقدون للسعى لوفرة الطعام ، مايجعلهم منسيين فى العالم ، فالروائية البلجيكية تدلل فى الفصل الاول عن دور الجوع و المجاعات فى تولد روابط وصلات ، وتخلق نزاعات وصراعات وحروب ، ثم تطرح إيميلى سؤال تحاول من خلاله الربط بين مقدمتها الغريبة نوعا ما وبين ماسترويه عبر صفحات سيرتها الذاتية ، إذ تتسائل : هل يوجد جوع هو فقط جوع البطن وليس مؤشراً على جوع أعم؟ وتعطى اجابة اولية هى : فالجوع يعني تلك الحاجة الفظيعة التي تمس الكائن كلّه، ذاك الفراغ الآسر، وذلك التوق لا إلى الامتلاء الطوباوي بل إلى تلك الحقيقة البسيطة: فحيث لا يوجد شيء، أتطلع لأن يكون ثمة شيء.

تمضى عبر باقى فصول الكتاب مجيبة على ماطرحته من تساؤل و ماتوصلت اليه من إجابات عبر إعادة تأمل حياتها ، فتبدأ فى تذكر طفولتها التى قضتها فى اليابان فتتحدث عن جوعها لأشياء وأن تكون بسيطةكجوعها للسكاكر،أو للهرب من الحضانة، و عن جوعها لمربيتها اليابانية.

ثم تنتقل العائلة من اليابان إلى الصين بحكم عمل والدها كسفير ، لتكتشف إميلي أنها أمام جوع أكبر، وهو جوعها للبشر. ففى زمن الثورة الثقافية وماويحكم الصين كان يُصعب على أى اجنبى الاقتراب من الصينيين ، خاصة إذ كان ذلك الاجنبى قادم من اليابان و من أصل أوربى أكثر انفتاح ، فيتحول جوعها فى الصين من البشر الى نهم القراءة فتنغمس تماما فى عالم الكتب خاصة كتب الكبار لتكتشف عالم جديد لم يسبق لها معرفته .

من الصين الشيوعية الى الولايات المتحدة الامريكية البلد الرأسمالى يكون المحطة التالية فى سلسلة تنقلات والدها ، وفى نيويورك حيث يعمل والدها كممثل لبلدها فى الامم المتحدة تكتشف إيميلى عن جوع جديد يحكم حياتها ، وهو جوعها للماء فتصبح مهووسة بشرب كميات كبيرة من الماء فى ساعات قليلة .

تستمر التنقلات إلى بنغلادش حيث تتعرف على الجوع الحقيقى للغذاء فى ابشع وجوهه التى لاتحتملها فتنطوى على نفسها ممضية سنوات اقامتهم بالبلد فى الاستلقاء على كنبة والاكتفاء بصحبة شقيقتها الوحيدة جوليا ، عبر سلسلة التنقلات التى عشتها مع إيميلى كنت فى كل مرة اتعرف معها على تجسد مختلف للجوع فى حياتها حتى عودتها لبلجيكا لدراسة فقه اللغة فى جامعة بروكسل الحرة .

صدرت السيرة الروائية فى العام 2004 ضمن كتاب مقسم الى 60 فصل ، كل واحد من تلك الصول تتراوح صفحاته بين الواحد الى أربع صفحات ا وفى بعضها صفحة واحدة ، استخدمت الروائية اسلوب خفيف ومسلى نوعا ما ، بعد أن اسهبت فى وصف جزر فانواتو وطبيعة السكان والحياة هناك فى مقدمة مملة كادت أن تجعلنى اترك الكتاب فى اوله ، فهو من نوعية الكتب التى انتابتنى أثناء قراءتها مشاعر مختلطة ، فقد صدمتنى بحديثها عن مشهد اغتصابها وكيف صورته ببرودة ومرت عليه مرور عابر وكأنه لم يترك أى آثر فى المراحل اللاحقة من حياتها ، كما اصابتنى حالة فزع من اصرار الروائية على الحديث عن ادمانها لتناول الخمور خلسة او حتى برفقة اسرتها وهى لم تتجاوز التاسعة ، ماجعلنى اتسائل هل هى جزئية مختلقة ضمن مخيلة إيميلى الغرائبية المدهشة إم أنها تروى ماحدث حقيقة فى طفولتها ، من ناحية اخرى أحببت حديثها عن ولعها بمربيتها اليابانية وولعها باليابان الذي اعتبرته وطنها ، لتقدم صورة فاتنة لذلك البلد الآسيوى ثم تعود فى كتابها (ذهول ورهبة) محطمة اسطورة بلد الشمس المشرقة ،  اعتقد لو أننى قرأت بيوغرافيا إيميلى قبل (ذهول ورهبة ) لربما اصابتنى صدمة كبيرة ، ولكنى استطعت ان اتفهم من أين اتت رغبتها فى تحمل ظروف عمل صعبة وقاسية فقط للبقاء فى اليابان حيث قضت طفولة جميلة ، بالاضافة الى ذلك فقد احببت شرهها تجاه القراءة فهى لامست شىء بداخلى ، ففى طفولتى كنت مثلها اقرا بنهم غريب كل ماتقع عليه يداى من كتب او مطبوعات للكبار ، اعجبنى حديث إيميلى عن نيويورك ، ووصف بنغلاديش البلد الفقير وشعبه الودود المسالم .

أكثر ما ازعجنى فى الكتاب الثيمة الاساسية التى اختارتها الروائية البلجيكية ، فبرأيى بالغت فى تقديم وصف مفصل و ممل لعاداتها الغذائية وعادات اسرتها ، خاصة عادات والدها فى الاكل ، اعتقد أن إيميلى قد أساءت استخدام ثيمة الجوع فى بعض المواضع من الكتاب ، ورغم ذلك يظل لكتابات إيميلى فرادة كبيرة لسلاسة أسلوبها وقدرتها على التلاعب بالالفاظ مايجعل قراءة أى عمل لها مفيد ، وممتع الى حد كبير، فهى تبدو مختلفة عن الروائيات الشابات اللائى ظهرن فى الالفية الجديدة .