الفن في أزمنة الحرب..

Goya-Disasters-of-War“..لا نستطيع أن نتخيل كم هي الحرب مخيفة، مرعبة، وكيف تصبح شيئاً عادياً. لا نستطيع أن نفهم، لا نستطيع أن نتخيل” … سوزان سونتاغ

دخلت اسبانيا مع بدايات القرن التاسع عشر مرحلة من الاضطرابات والحروب والعنف والمجاعات بعدتعرضها لغزو فرنسى فى العام 1807 م إذ نجحت مكائد ودسائس نابليون بونابرت –الطامح للسيطرة على اوربا- فى الاطاحة بحكم شارل الرابع وتتويج فرديناند السابع مكان والده ،ثم القيام أن يتم بخلعه عن العرش و نفى شارل الرابع وفرديناند السابع إلى إيطاليا وفرنسا ، وتنصيب أخاه جوزيف ملكا ً على أسبانيا.

لم يخلو دخول المحتل الفرنسى من ترحيب نسبة كبيرة من الاسبان لاعتقادهم بأنهم حملة مشعل التنوير والتحرر من الطغيان و الرقابة ومحاكم التفتيش وفساد الأسرة البوربونية الحاكمة أنذاك ، ولكن سرعان ما تغيرت مشاعر الاسبان بعد معرفتهم لتنصيب جوزيف بونابرت على العرش الاسبانى .

وفى الثانى من مايو عام 1808 ذاع بين سكان مدريد خبر صدور أمرا ً بإرسال ماتبقى من أفراد الأسرة المالكة فى مدريد إلى فرنسا ، فتجمع الأهالى حول مركبة الدون فرانسسكو-وهو أميرفى 13 من عمره- وعندما علموا أنه لايرغب فى مغادرة مدريد ،وأنه يبكى بكاء مرا ً لمعرفته بأنه سينفى، قام الأهالى بفك أعنة جياد المركبة و أطلقوا سراح الجياد ، و إزاء هذا قامت القوات الفرنسية بالهجوم على الأهالى مستخدمة المدافع والبنادق ، فقاوم المدريديين بالهراوات و الأحجار والسكاكين ، لتنتشر الانتفاضة الشعبية العفوية بين سكان المدينة ، ولتعيش اسبانيا إحدى أكثر مراحلها اضطرابا ً وقتلا ً ورعبا ً ، قبل أن ينجح الفرنسيين فى اخماد هذه الحركة ، واعدم زعماؤها والكثير من السكان ، ليصبح بعدها اليوم الثانى من مايو نقطة تحول لدى الوطنيين للتخلص من المستعمر الاجنبى .

و نتيجة للاشتباكات والمواجهات التى أخذت طريقة الكر والفر من طرف المحاربين من المتطوعين الأسبان أو الجنود النظاميين المتبقيين من الجيش الاسبانى ، مما أوقع خسائر كبيرة فى صفوف الجنود الفرنسيين .

انتشرت المجاعات في كل مكان بأسبانيا التى كانت تعيش أزمات اقتصادية قبل الغزو الفرنسى حيث تفاقمت المشاكل آثر هذا الاحتلال ، فعاشت اسبانيا ست سنوات من أحلك فترات تاريخها. ولم ينج أي أسباني من انعكاسات الغزو والحرب والجوع على نفسيته ، فماذا كان موقف “فرانشيسكو دى جويا” الفنان الاسبانى الشهيرو كيف انعكس هذا الواقع القاتم على نفسيته وافكاره وأعماله الفنية ؟

                                                              ***

كان جويا أحد المرحبين بالتدخل الفرنسي فى الشؤون الداخلية لبلده ظنا منه إن الفرنسيين سيجلبون “التنوير” الذى سيخلص اسبانيا من الخرافات والجهل و سيطرة الكنيسة ومحاكم التفتيش على عقول وحياة الناس فى أسبانيا ، إلا إنه سرعان ما أدرك زيف مزاعم بونابرت فى نشر التنوير والحريات فى أوربا ، فقد حل على البلاد من الدمار والمهانة مالم تشهده فى السابق .

نجحت لوحات “فرانشيسكو دى جويا” فى نقل صورة دقيقة ، وحية ، ومؤثرة عن هذه المرحلة الدموية من تاريخ اسبانيا ، وما ارتُكب فيها من فضاعات وجرائم مروعة بحق الجميع من أطفال ونساء وكبار فى السن ، ورجال دين ، او ناس مدنيين .

فى متحف برادو يوجد لوحات جويا التى تعبر عن الفزع وحالة الترقب ، والوحشية التى أظهرها الفرنسيون فى إعدامهم الأهالى يوم 2 مايو.

لم يطلق جويا رصاصة واحدة او يشارك فى القتال ولكنه عبر عن روح أمته فى المقاومة خير تعبير ، مظهرا ً ماقاسته فى ذلك الوقت ، وكان قد أقام بمدريد عدة أعوام عندما نشبت الحرب ، ولكنه عاد لسرقسطة حيث قام بعمل رسوما تخطيطيا ً صغيرة ليتم حفرها وطباعتها ، وقد سماها” العواقب القتالية لحرب إسبانيا الدموية مع بونابرت ، و غيرها من النزوات ” حيث احتوت على تعبيرا ً لاينسى عن الفزع و السخط و العطف التى عبر بها جويا عن الحرب بكل تفاصيلها الفظيعة .

ولم تنشر هذه الرسومات فى حينها حيث أوصى بها لولده الوحيد ، الذى باعها ابنه لأكاديمية سان فرناندو ، والتى نشرتها عام 1863 بعنوان “كوارث الحرب “.

لم تكن هذه الرسوم التخطيطية مجرد مشاهد عادية للمعارك ، يُمجد فيها القتل فى ثوب البطولة والمجد ، وإنما هى لحظات من الرعب والقسوة تنسى خلالها ضوابط الحضارة الهزيلة فى حمى الصراع ونشوة الدماء .

ومن أشهر لوحات هذه المجموعة اللوحة المسماة ” الرجل المخنوق” وفيها نرى قسيسا ً خُنق حتى الموت ، مستندا ً لجدار وقد جمدت يداه إلى صليب عليه صورة المسيح مصلوبا ً ، وفى لوحات أخرى من نفس المجموعة رجال ونساء يواجهون طعنات رماح البنادق ، أو يرقدون جثثا ً هامدة ، وقد قلبتهم انفجارات القنابل رأسا ً على عقب ، نسوة يهرعن للمعركة برماح او بنادق او حتى حجارة ، جثث تغرس فوق جذوع الأشجار ، ونساء تهتك أعراضهن ، وأطفال يرقبون فى هلع قتل أبائهم ، راهبات يتعرضن فى الأديرة للاعتداء عليهن من قبل الجنود ، وأكداس الموتى يقذفون فى حفر ، ونسور تستمتع بالتهام الموتى من الآدميين ، طوابير الجائعين وهم يتساقطون موتى .

تحت هذه الصور أضاف جويا تعليقات بعضها مستقاة من أمثال أسبانية تعكس سخرية مريرة من تلك الفترة (هذا مارأيته) ، (لقد حدث هكذا) و (ليدفنوا الموتى ويلزموا الصمت) وغيرها من عبارات مدونة تحت الصور الأصلية .

من اللوحات المؤثرة برأيى الشخصى هى تلك التى تتضمن توثيق للمجاعة التى عصفت بمدريد فى الفترة مابين اغسطس 1811و اغسطس 1812 ، حيث مات نتيجة لهذه المجاعة 20 ألف من سكان مدريد نتيجة اعتراض المحتلين الفرنسيين والثوار الإسبان وقطاع الطرق واللصوص الطرقات المؤدية لمدينة مدريد مما تسبب فى شح المواد الغذائية .

حاول جويا اليائس و المتعب من مرضه وصممه وتجاربه السىء فى فترة الحرب أن يعبر عن أمله فى نهوض أسبانيا من جديد فقدم فى اللوحة التى تحمل رقم 80 امرأة تموت بين الحفارين والكهنة ولكنها تشع ضياء ، وكتب عليها متسائلا ً (أتبعث حية مرة أخرى ؟) .

من يقف إمام لوحات جويا سيكتشف أنه لم يعمل على تجميل الرعب أو تقديم مشاهد بطولية للحرب ، و لكن يقدم بدلا عن ذلك الكيفية التى يتحول بها أفراد عاديين إلى أبطال ربما لايذكرهم التاريخ لانهم من عامة الشعب ممن حملوا سلاحهم دفاعا عن أنفسهم وبيوتهم واسرهم ، كما قدم لنا العنف والحرب وماينتج عنهما من فضائع ومآسى تترك بآثارها على حياة الناس العاديين ، سلط الضوء على تساوى القسوة والشراسة لدى الطرفين مع انفلات العنف والوحشية من عقالهم ، ونسيان القيم الانسانية إمام الجرائم الوحشية و أهوال الحروب .

                                                                           ***

ولد غويا عام 1746 بمدينة صغيرة بمقاطعة آرغوان ، وقد أمضى سنوات حداثته فى دراسة الفن على أيدى فنانى مدينة سراقسطة قبل أن يحاول الدخول لأكاديمية الفنون فى مدريدولكنه يفشل فى ذلك ، وبالوقت نفسه ينجح فى الحصول على منحة لدراسة الفن فى إيطاليا ، ثم يقيم بضع سنوات بفرنسا حيث يقع تحت تأثير افكار كبار مفكرى عصر التنوير الفرنسيين أمثال رسو و مونتسكيو ، و يصبح الرسام الرسمى لبلاط الآسبانى حتى وفاته عام 1828 فى منفاه الاختيارى بمدينة بوردو الفرنسية ، بعد أن يترك سلسلة اعمال فنية تشكل شهادة عميقة على فترة حالكة فى تاريخ اسبانيا وأوربا ، فترة محاكم التفتيش والغزو الأجنبى وعودة الملكية من جديد .لوحة رقم 15 ليس هناك علاجلوحة 70 إنهم لا يعرفون الطريقلوحة رقم 9 إنهم لا يريدونلوحة رقم 3 رجل على وشك قطع رأس جندى بفأسلوحة 41 يهربون وسط النيرانلوحة 59 وما فائدة هذا الفنجان؟اللوحة 34 كاهن يقبض على صليب بين يديه معلقاً على صدرهلوحة 80 هل ستعود للحياة مرة آخرى؟لاطلاع على مجموعة اللوحات كلها ألقى نظرة هنا:http://www.pinterest.com/srhop57/francisco-goya-the-disasters-of-war-1810-1820/

زعيمة الباروني: رائدة الأدب النسائي في ليبيا

imagesولدت السيدة زعيمة في جادو احدى قرى جبل نفوسة سنة 1910م، وتلقت دراستها الابتدائية باللغة التركية في اسطنبول (1) حيث نشأت في أسرة تهتم بالعلم، أسرة سليمان باشا الباروني (2).

تعلمت القراءة والكتابة فتنبهت في نفسها الرغبة في المطالعة والدراسة العميقة (3) وعاشت مع والدها سنوات طويلة في المهجر استطاعت خلالها أن تتلقى قدراً من التعليم المنظم، وقد وجدت بالاضافة الى ذلك مكتبة والدها الغنية بكل أنواع المعارف، فقرأت واستوعبت وتفتحت موهبتها وسط مناخ علمي لم يكن متاحاً لغيرها من النساء في بلادها (4) ثم استكملت دراستها باللغة العربية بعد العودة من تركيا إلى ليبيا (5) بعد ان عاشت مع والدها المناضل حياة التشرد والنفي بعيداً عن ارض الوطن، حيث شاركته تنقلاته بين الاقطار العربية، ثم رجعت الى بلادها في اواسط العام 1947م حيث استقر بها المقام في طرابلس بعد وفاة والدها 1940م (6) حيث عينت في سنة 1950 م مدرسة بالمرحلة الابتدائية (7).

ولعل دخول السيدة زعيمة الباروني ميدان الكتابة والنشر من العلامات البارزة التي سجلتها فترة الخمسينات، فقد اطل عام 1955م ليمنح المشهد الثقافي الليبي انتاجا لامعا قويا رفيع المستوى خطته أنامل هذه السيدة الاديبة ابنة الوطن، فهي تنشر في شهر فبراير قصة (فزان البعيد)، وتوالت قصص السيدة زعيمة في مجلات وجرائد ليبية متنوعة منها صوت المربي، وجريدة طرابلس الغرب، وهي تتحدث عن ما لاقته في هذا الامر من صعوبات، اذ تقول السيدة زعيمة عن ذلك: “لا ادرى بماذا أقدم موضوعات كتبتها منذ سنة 1953م في بلادي، ونشر منها ما نشر في جريدة “طرابلس الغرب”، ومجلة “صوت المربي”، ومجلة “هنا طرابلس الغرب”، ولم تساعدني الظروف القاسية من كل جهة على نشرها مجتمعة في كتاب” (8). وقد استطاعت التغلب على مصاعب عدة من اجل نشر كتابها تحت اسم “من القصص القومي” في سنة 1958م والكتاب عبارة مجموعة قصص هي مزيج من التاريخ والاسطورة في اسلوب لا يخلو من روعة ورشاقة (9).

ولم يلق الكتاب الذي قامت بطباعته على نفقتها الخاصة عند صدوره التعليق الذي يستحقه من النقد او النقاد، باستثناء محاولة يتيمة من الكاتب محمود الفساطوي بجريدة الرائد، في معرض حديثه عن قضية المرأة في ليبيا، في مقالة بعنوان “القصص القومي وأنصار المرأة”، فهو لم يتعرض لنقد المجموعة من الناحية الفنية أو من ناحية المضمون، فما لفت انتباهه الى الكتاب هو وجود ادب نسائي لم ينل اهتماما كافيا، رغم ما يوضع امام المرأة الليبية من عقبات وقيود، معتبرا الكتاب بداية مباركة لمستقبل أدبي عظيم (10).

اما الاديبة شريفة القيادي ففي دراستها التوثيقية للكتابة النسائية الليبية “رحلة القلم النسائي الليبي”، فتشير الى ادب السيدة زعيمة بأنها حاولت احياء الشخصية الليبية بكل ابعادها، فالكاتبة تتوقف عند كثير من التفاصيل في وصف الأزياء والعادات والتقاليد الليبية حتى وان اساء ذلك للناحية الفنية في بعض الاحيان (11).

وهناك من يرى ان السيدة حميدة العنيزي هي الوجه التنظيمي للحركة النسوية الليبية، فإن السيدة زعيمة الباروني هي الوجه الثقافي لهذه الحركة (12).

فقد برزت في فترة الخمسينيات (المرأ قضية تنمية ووعي)، تـحت شعار (الـحجاب والسفور)، أي ثنائية الـحداثة والأصالة. مـحور الـجدل الدائر آنذاك، والذي لـم يتوقف. كان هذا الـجدل رجالـي الطابع فيما كانت المرأة تدخل مُعترَك الكتابة والقضايا الاجتماعية، فالسيدة زعيمة الباروني تكتب قصصها وتوقِّع بـ (بنت الوطن)، دون اهتمام مباشر بالـجدل الدائر، وكأن السفور عندها هو حالة الكتابة ذاتها، فالعرقلة نصيب كتاب (زعيمة البارونية) (13) فكان لا بُدَّ من الـحذر وترك القصص بدون أسـماء، فالسيدة زعيمة تشير للاهمال الذي لحق بكتابها، والسبب في ذلك صاحب المكتبة الذي تعهد ببيعه فركنه في زاوية داخلية بالمكتبة فلم يلتفت اليه احد” (14) (طُبِع هذا الكتاب فـي زمن غير زمن أهله، فكان نصيبه من الإهمال بل وفالعرقلة نصيب صاحبته (زعيمة البارونية)، فكان لا بُدَّ من الـحذر وترك القصص بدون أسـماء، وغيره”. زعيمة البارونية (بنت الوطن) (15).

وكانت إسهامات زعيمة الباروني غزيرة ومتعددة، كتبت المقالة الصحافية والاجتماعية، وهي أحيانا تخوض معركة من معارك الكلمة او تنبه إلى قضية من القضايا وبين الفينة والاخرى كانت تعرج على الادب فتكتب قصة أو خاطرة أدبية تظل مشحونة بكل همومها وإحساسها بوطأة الظروف القاسية التي كان يعيشها الإنسان في وطنها (16). و كانت مقالاتها تفيض سحراً وبهاءً تهز القلوب والعقول حيث شاركت في مختلف الصحف والمجلات مثل مجلة (صوت المربي) الطرابلسية ومجلة الأفكار (17). مركزة اهتماماتها منذ البداية على قضيتين رئيستين أولاهما تربية النشء تربية سليمة بما يحقق ذاته ويصون أمجاده وتاريخه العريق ويحقق طموحه في ارتياد التقدم، والأمر الثاني هو حفظ تراث المجاهدين الذين ضحوا في سبيل هذا الوطن ومن جملة ذلك حفظ تراث والدها (18). ولها مراسلات قيمة في مثل هذه الشؤون العامة مع أخيها تدل على مبلغ علمها وثقافتها وأخلاقها وإخلاصها لمبدأها، امتازت هذه السيدة الفاضلة بأسلوبها القصصي الشيق، الخفيف الروح (19).

كما أخرجت زعيمة للمكتبة الليبية مجموعة من الكتب منها كتاب صفحات خالدة من الجهاد الليبي للمجاهد سليمان الباروني، جمع وترتيب زعيمة سليمان الباروني، وديوان (السيف الوقاد) تأليف إبراهيم بن قيس الحضرمي تحقيق زعيمة الباروني، وهو كتاب يتحدث عن مفاخر العروبة والاسلام (20). فمن وجهة نظر السيدة زعيمة الباروني ضرورة الاستفادة من كتب التراث ذاكرة ذلك للاديبة لطفية القبائلي في مقابلة معها في مجلة البيت في العام 1969: “نصيحتي لهؤلاء الشباب ان يستفيدوا من كنوز الادب القديم ويفهموا ويطبقوا ويجربوا” (21).

وكانت السيدة زعيمة متعلقة بوالدها سليمان الباروني تعلقا كبيرا، وترك ذلك اثر عميق في حياتها، فمن ضمن مؤلفاتها (أبي كما عرفته) وهو كتاب عن حياة والدها سليمان باشا الباروني، وورثت زعيمة الروح الفدائية عن والدها العظيم، واختارت لنفسها حياة الانقطاع من أجل عملها ووطنها ومن أجل أبناء أخيها إبراهيم فلم تتزوج، وبذلت الوقت والجهد لتربية أبناء أبناء أخيها إبراهيم فكانت تقول: (إني أعاهد الله أن أبذل جهدي في تنشئة أبناء أخي التنشئة التي أرادها لهم جدهم المرحوم الوالد الباشا ولو كلفني ذلك آخرة قطرة من دمي) (22).

كانت مع قيامها بشؤون الأسرة وأبناء أخيها إبراهيم (23) كانت معلمة ببعض مدارس البنات بطرابلس، لحسن سيرتها وكمال استعدادها أصبحت نائبة لمديرة دار المعلمات بطرابلس، كما تقلبت في الوظائف التربوية فاشتغلت مفتشة فرئيسة مكتب محو الامية (24).

كما كانت من العضوات المؤسسات لجمعية النهضة النسائية في طرابلس سنة 1958م، حيث شاركت من خلالها في مؤتمرات خارج ليبيا تهتم بقضايا المرأة منها، مؤتمر المرأة الأفرو آسيوية بالقاهرة سنة 1960م، برفقة السيدة حميدة العنيزي رئيسة جمعية النهضة النسائية ببنغازي (25).

وتذكر السيدة زعيمة عن رأيها في الجمعيات النسائية الليبية ومنها جمعية النهضة النسائية بطرابلس، “انها تحاول جميعها تحاول ليس اكثر، فبالنسبة لجمعية النهضة النسائية في طرابلس، لها محاولات لا بأس بها، ولكن تغيير الرئيسة دائما يربك سير الجمعية، لان كل رئيسة جديدة لها تخطيط غير الذي وضعته الاولى، وهذا الامر يجعل الجمعية تحبو بعد أن كانت تمشي، لتعدد الخطط وتعدد البرامج، وقلة التنفيذ، ولكن اجماليا ارى أن كل محاولة نسائية يجب ان تقابل بالتشجيع طالما ان غايتها سليمة، وأهدافها بناءة ” (26).

وربما السيدة زعيمة انسحبت من نشاط الجمعية في فترة ما من حياتها، وذلك لوجهة نظرها المذكورة أعلاها، على الرغم من اعادة تقييم التجربة النسائية الليبية من جديد في استطلاع اجرته مجلة المرأة الجديدة بعد تغير نظام الحكم في ليبيا عام 1969م، مع مجموعة من السيدات الفاعلات في تلك الجمعية ومنهن السيدة زعيمة، فذكرت: “رغم معاصرتي للحياة في بلادي من قبل الاستقلال، ورغم انتسابي لجميعة النهضة منذ تأسيسها في طرابلس وصداقتي مع جميع العاملات ومحبتي لحركة المرشدات، فإن ظروفي الخاصة لم تساعدني مع الاسف على العمل المستمر معهن ولهذا لا أخول لنفسي الحكم على مسيرة هذه الجمعية او تقييم اعمالها، فإلى من كن مسئولات حقاً، الرأي تبنى على الصحة وتنبع من النزاهة وشرف القصة ” (27).

كما كانت من ضمن المشاركين في مؤتمر الكتاب والأدباء الليبيين المنعقد ببنغازي في فبراير سنة 1973 (28).

بالاضافة لعدم توقفها عن الكتابة في المجلات والجرائد فقد كتبت في احدى اعداد مجلة المرأة مقالاً ضمنته تهنئة حارة إلى خريجات إحدى الكليات العلمية في بلادنا في أسلوب أدبي رفيع مع اعطائهن النصح والارشاد، كما أنها كانت ترى رغم الاصوات الرافضة لفكرة وجود أقلام نسائية ليبية فمن وجهة نظرها أن الواقع عكس ذلك، “أن الابداع أو الخلق الابداعي يبدأ بالتدريج إلى أن يأخذ مكانته اللائقة، وهكذا أدبنا، وعدم الاعتراف بوجود أدب نسائي من شأنه أن يحطم آمال الطبقة الناشئة من الكاتبات ويغلق الابواب أمامهن، ويجب ألا نقارن أدبنا بأدب البلدان التي سبقتنا، والمفروض أن نبني على ماضينا إلى أن يخرج لنا انتاج طيب” (29).

توفيت يوم الاثنين 10 مايو 1976م (30) حيث نعتها الاديبة لطفية القبائلي في مجلة البيت الصادرة سنة 1976 : “لوعنا بنبأ وفاة المربية والأديبة زعيمة الباروني، أول من حمل القلم من النساء في بلادي، أول من تصدرت مطبوعاتها المكتبة الليبية كمؤلفة وأديبة ومؤرخة، إنها الابنة البارة، المرأة الوقورة دائما، المتدينة دائماً، أتخيلها بصوتها الخافت حتى ليصل إلى الهمس، أتخيلها الآن وهي تنصحنا في ساحة المدرسة: إياكن يا بناتي والبعد عن كتاب الله، إياكن وتضييع الوقت، أطعن والديكن دائماً، لا تبخلن على آبائكن بجهد، لا تهملن في إدارة البيت، فالفتاة الناجحة هي التي تنجح في الميدانين حتماً بيتها وعملها” (31) ملخصة حياة رائدة حقيقية ذات نظرة تقدمية في ما يخص حرية المرأة وتعليمها وتثقيفها، ومناضلة سياسية ساهمت في حفظ جزء من التاريخ الليبي من خلال وثائق والدها.
————————–

1- دليل المؤلفين العرب الليبيين، طرابلس، دار الكتب، أمانة الاعلام والثقافة، 1977، ص137:138. 2- سليمان باشا الباروني (ولد سنة 1870م) في مدينة جادو (فساطو) بليبيا، مجاهد ليبي حارب الإيطاليين و كان من أهم السياسيين الليبيين في تلك الفترة ساهم في تأسيس جمهورية في الغرب الليبي تحت اسم الجمهورية الطرابلسية. كما اسس المدرسة البارونية بمدينة يفرن بليبيا وأسس بمصر عام 1906م (مطبعة الأزهار البارونية)، وفي عام 1908 م أصدر جريدته التي أسماها (الأسد الإسلامي). رجع إلى ليبيا وقاد معارك الجهاد ضد الغزو الايطالي من الفترة 1911م حتى 1916م حين عين والياً على ليبيا ثم اعلن أول جمهورية في العالم العربي تحت اسم الجمهورية الطرابلسية، سنة 1919م اعتزل العمل السياسي بعد اعتراف إيطاليا المزيف بالحكومة الوطنية الليبية.وفي عام 1922م أجبرته السلطات الإيطالية على مغادرة طرابلس فتنقل بين تركيا و فرنسا محاولا العودة إلى ارض الوطن ولكنه منع، واستقر به المقام في سلطنة عمان سنة 1924 حيث عمل مستشارا لدى الإمام محمد بن عبدالله الخليلي إمام عمُان وظل بها حتى وفاته عام 1940م في الهند أثناء رحلة علاجية من مرض المالاريا.
3- بدرية بنت حمد بن خليفة الشقصية / زعيمة البارونية / شبكة اهل الحق والاستقامة).
4- الطاهر بن عريفة، أصوات نسائية في الأدب الليبي، طرابلس، دار الحكمة، ط1، 1998، ص 12.
5- دليل المؤلفين العرب الليبيين، طرابلس، دار الكتب، أمانة الاعلام والثقافة، 1977، ص137:138.
6- الطاهر بن عريفه، مرجع سابق، ص12.
7- دليل المؤلفين العرب الليبيين، طرابلس، دار الكتب، أمانة الاعلام والثقافة، 1977، ص137:138.
8- الطاهر بن عريفه، مرجع سابق، ص 15.
9- شريفة القيادي، رحلة القلم النسائي الليبي، مالطا، دار elga، 1997، ص 57.
10- شريفة القيادي، مرجع سابق، ص 66.
11- شريفة القيادي، مرجع سابق، ص 67.
12- الطاهر بن عريفه، مرجع سابق، ص 11.
13- احمد الفيتوري / عطر النزوة في الشعر النسائي الليبي / مدونات مكتوب،منبر حرية الفكر والكتابة.
14- (شريفة القيادي، مرجع سابق، ص 58).
15- احمد الفيتوري / عطر النزوة في الشعر النسائي الليبي / مدونات مكتوب،منبر حرية الفكر والكتابة) .
16- الطاهر بن عريفه، مرجع سابق، ص13.
17- بدرية بنت حمد بن خليفة الشقصية / زعيمة البارونية / شبكة اهل الحق والاستقامة.
18- الطاهر بن عريفه، مرجع سابق، ص12.
19- بدرية بنت حمد بن خليفة الشقصية / زعيمة البارونية / شبكة اهل الحق والاستقامة.
20- الطاهر بن عريفه، مرجع سابق، ص12.
21- لطفية القبائلي “مقابلة مع السيدة الاديبة زعيمة الباروني” مجلة البيت، العدد 10،السنة 12، 20 مايو 1976، ص6.
22- بدرية بنت حمد بن خليفة الشقصية / زعيمة البارونية / شبكة اهل الحق والاستقامة.
23- بدرية بنت حمد بن خليفة الشقصية / زعيمة البارونية / شبكة اهل الحق والاستقامة.
24- دليل المؤلفين العرب الليبيين، طرابلس، دار الكتب، أمانة الاعلام والثقافة، 1977، ص137:138.
25- دليل المؤلفين العرب الليبيين، طرابلس، دار الكتب، أمانة الاعلام والثقافة، 1977، ص137:138.
26- لقاء مع الأديبة زعيمة الباروني، مجلة “المرأة” ـ العددالثاني ـ 10 فبراير 1965م، ص 5) .
27- خديجة الجهمي، “الاستفتاء، تقييم الحركة النسائية قبل الثورة” مجلة المرأة الجديدة، نوفمبر 1969، السنة 5، العدد 17، ص5.
28- دليل المؤلفين العرب الليبيين، طرابلس، دار الكتب، أمانة الاعلام والثقافة، 1977، ص137:138.
29- الطاهر بن عريفه، مرجع سابق، ص14.
30- دليل المؤلفين العرب الليبيين، طرابلس، دار الكتب، أمانة الاعلام والثقافة، 1977، ص137:138.
31- لطفية القبائلي، مجلة البيت، السنة 12، 20 مايو 1976، العدد 10، ص 5

 

أسرار صغيرة ..

أسرار صغيرةلست من هواة مشاهدة برامج المسابقات ، لهذا لم أتابع يوما برنامج “الحلقة الاضعف” الا عبر لقطات سريعة ، فالأسلوب الغريب لمقدمة البرنامج “ريتا خورى” فى ذلك البرنامج استوقفنى لبعض الوقت ، سرعان ما نسيت البرنامج ونسيتها، لتفاجئنى عبر كتابها الأول المعنون باسم “أسرار صغيرة” بشخصية مختلفة تماما عن تلك التى ظهرت بها ريتا فى ذلك البرنامج.

وهذا الكتاب هو فى الاصل مجموعة تدوينات سبق لريتا كتابتها ونشرها فى مدونات قامت بأنشائها مابين اعوام 2006- 2011 لتقوم ريتا بجمعها فى الكتاب الصادر فى العام 2012 عن (دار بلومزبري ـــ مؤسسة قطر للنشر).

انهمكت فى قراءة الكتاب فور حصولى عليه لاكمله فى ساعات قليلة ، ثم اضفته لقائمة كتبى المفضلة ، كما صرت احمله فى حقيبتى لاعيد قراءة بعض الأجزاء فى اوقات الانتظار الطويلة بالعيادات والمصحات ، وحيث أصبحت ريتا رفيقة جيدة ومسلية بقصصها وتدويناتها وتأملاتها حول الحياة ومافيها .

كانت ريتا تتحدث من خلال اسم مستعار “رات ” وهو اسم التدليل الذى يستعمله المقربين منها ، كانت تشعر وقتها بحرية كاملة وهي تكتب دون أن يعرفها أحد، متحررة من قيود الشهرة، والقيود الإجتماعية ، و بطريقة سلسة وجميلة فيها جرأة وشجاعة كبيرة فى طرح آرائها وأفكارها ، حكت عن علاقتها بوالديها وزوجها ، ذكريات وحكايات الطفولة ، عن مشاكلها اليومية ، افراحها واحزانها ، و همومها ، وتساؤلاتها الوجودية.

تحت عنوان “أسرار صغيرة ” تتحدث عن ولعها بكتابة اليوميات فى دفاتر أنيقة تليق بأسرارها الصغيرة ، لتستبدل الدفاتر بمدونات مارست عبرها البوح بأسرارها ، وعبر الكتابة تحاول التغلب على مشكلة الخوف الاجتماعى ، فقد عاشت لسنوات خارج لبنان وعندما عادت انكفأت على نفسها مما دفعها للبحث عن مفاتيح للتعامل مع الحياة فى بيروت ، كما نكتشف أنها تكتب كى تتخلص من الألم ، من أوجاع وجروح الماضى ، وورغم معرفتها عن صعوبة الحصول على إجابة عن سؤال من أنا عبر تدوينة مركزة تحمل عنوان “من أكون” تحاول استعادة ماضيها كطفلة ومراهقة وشابة فى بدايات العشرينات من عمرها ، وتقول عن ذلك “أصعب الأمور مواجهة الأنسان لذاته ولذاته” .

تعترف ريتا بمنتهى البساطة بأنها زارت عيادة المحلل النفسي للمعالجة لسنوات طويلة ، كما تكتب رسالة بوح واعتراف جميلة لوالدها الراحل تحت عنوان ” أبى الذى ، مبدئياً، فى السماوات” تقول : “..لم تُتح لى فرصة التحدث إليك عن هذه الأمور ، كما أنك رحلت من دون إنذار، تاركا ً أحاديث معلقة على حبال الغياب ..” .

تحكى لنا عن انطباعاتها كطفلة عن الموت والجنة إثر وفاة جدها ، عن معلومات طريفة وغرائبية ترسخت فى ذاكرتها الطفولة حول هذا الموضوع الماورائى .

تحدثنا فى الكتاب عن علاقتها المتأرجحة بوالدتها منذ طفولتها المبكرة إذ تذكر مدى تأثرها بسماع والدتها تردد للمعارف عن لحظة رؤيتها لريتا فور ولادتها وكيف طلبت من المحيطين بها بالمستشفى أن يبعدوا الطفلة ذات الشعر الداكن والمظهر القبيح عنها ، تقول ريتا عن ذلك :”…كان الناس يضحكون لهذه القصة ، بينما أتمزق من الداخل، لم أفهم سبب رفضها لى، خصوصا أنه لاحيلة لى فى مجيئى إلى هذا العالم ..” .

عندما تكبر وتكتسب بعض الخبرة فى الحياة تحاول ان تجد تفسير ومبررات لسلوك وتصرفات والدتها، فتعترف بأنها احتاجت لسنوات طويلة كى تكتشف أن والدتها كانت امرأة لها عذاباتها وآلامها الخاصة، حيث تنجح فى التخلص من مشاعرها السلبية تجاه ماضي علاقتها بوالدتها.

فى نصوص متخيلة على لسان حاسوبها الشخصى تحدثنا على لسان جهازها الشخصى عن مشاعرها واهتماماتها المتقلبة بمواضيع بعضها يحمل طابع الغرابة والطرافة معا ، إذ تسعى للحصول على منملة لتربية النمل بعد قراءتها لثلاثية للكاتب” برنارد فيبير” ، عن علاقتها بزوجها وبأسرتها .

لا تخجل ريتا، من التكلم بصراحة عن التقلبات فى علاقتها بزوجها الذى يعمل ويقيم فى باريس ، ماجعلها تغادر بيروت منذ عام 2006 .

كما تشاركنا بتفاصيل علاقتها بابنة زوجها المراهقة ، وعن الكتب ، والسينما ، فنتعرف على افلامها المفضلة ، وعن كتابها المفضلين ، وأطعمتها المفضلة ، و رحلاتها و بعض الأماكن التى زارتها.

فى نصوص أخرى تروى لنا أسرار جرائم طفولة بريئة ، وتحدثنا عن فترات كآبة وانكفاء على النفس مرت بها ريتا ،قد يكتشف بعضنا قد سبق له المرور بمثل هذه الأوقات والتجارب السيئة .

ويفيض الكتاب بالكثير من الأحاسيس والمشاعر، والهواجس والمخاوف ، والاعترافات والتأملات .

قامت ريتا بتسجيل بعض النصوص من الكتاب بصوتها، وقد استمتعت بالاستماع للنصوص المختارة إذ أضفت مسحة جميلة عليها، اخترت هذا التسجيل الطريف حول اختراع السعادة .

http://https://soundcloud.com/rita-khoury/jopkfk3fo5yi

بدأت ريتا خوري مسيرتها الإعلامية في برنامج للهواة عام 1988 حيث شاركت عن فئة تقديم البرامج، ثم انتقلت إلى إذاعة الشرق في باريس، حيث قدمت خلال عشر سنوات من عملها هناك مجموعة من البرامج الثقافية والاجتماعية والفنية، ثم عملت فى بعض المحطات الغربية فى أوربا ، قبل أن يُعرض عليها تقديم النسخة العربية من برنامج المسابقات العالمى”الحلقة الأضعف” ، ثم قدمت برامج اجتماعية مثل “يوميات”و”حكايا الناس” و”سوالفنا حلوة”.