ريام وكفى رواية عراقية فى سباق البوكر للعام 2015 ..

هدية_1تدور أحداث رواية “ريام وكفى” حول أربع نساء من أسرة واحدة تنتمى للطبقة الوسطى بالعراق ، الإبنة الصغرى التى تحمل اسم “كفى” اطلقه والدها”ياسين الفضلى” كى تتوقف زوجته عن انجاب المزيد من البنات ، بينما اطلقت عليها امها اسم “ريام” كمناكفة لحماتها ، وتمردا ً على زوجها الذى سيتزوج عليها زوجة أخرى تنجب له الولد الوحيد للأسرة ، تلك الإبنة “ريام وكفى” هى التى ستسعى لنبش الماضى ، وتعيد كتابة حكايات نساء تلك الأسرة ، وتروى أسرار علاقاتها بالرجال الذين عبروا بحياتها.

تعمل الأم فى الخياطة بالمنزل هربا ً من خيانات الزوج و استهتاره ، الذى سيبحث عن زوجة جديدة صغيرة يأتى بها لتعيش فى بيت العائلة مع الأم وبناتها الثلاث ، اللائى سيرثن مهنة الأم ، ويواصلن العمل فى الخياطة واشغال التطريز حتى بعد رحيلها.

الأبنة الكبيرة “هند” تلتحق بوالدتها فى غرفة الخياطة لتتعلم منها و تكتسب مهارات تزيين الفساتين والعباءات برسوم وتطريزات لفراشات و ورود ، ولينتهى بها الحال فى الرواية لتقمص او التماهى مع شخصية الأم ، بعد مرورها بزواج فاشل.

أما الأبنة الوسطى “صابرين” المرحة الودودة ، الشغوفة بوالدتها وبعالم التفصيل و تزيين العباءات والأوشحة ، وبتتبع القصات عبر الباترون ، تتعرض لامتحان عسير على يد العم “نعمان” الواقع فى قبضة الادمان على الخمور والحشيش بعد محنة فقدان الزوجة وولديه الوحيدين ، فى لحظة فقدان الوعى يتحرش بإبنة الأخ ، التى ينتهى بها الحال للوقوع فريسة الاكتئاب ثم الانتحار.

فى حين تكون الإبنة الصغرى “ريام وكفى” البنت صاحبة الفضول ، والشغوفة بتتبع الأسرار وتفكيك الالغاز ، تتمرد على قوانين الأب الصارم الذى لاتتذكر من طفولتها معه إلا العقوبات الصارمة والضرب ، ووساطات زوجة الأب الصغيرة أم الولد .

فى البداية تتردد “ريام” فى تعلم مهنة الأم التى ستصبح صاحبة محل لبيع الأبسة النسائية تضع عليه يافطة تحمل اسمها “سمر الفضلى” تعويضا عن لقب (أم البنات) الذى كان الزوج والحماة ينادونها به كمناكفة ومضايقة لها لانها لم تنجب الولد.

و تعى “ريام” كل تفاصيل الحياة بين الأب والام ومايشوبها من توترات و مشادات صامتة او مسموعة لمن حولهما ، و تنتهى تلك الحياة الزوجية بين الأثنين بموت الأب بعد فقدانه لزوجته أم الولد الذى سيكبر فى حضن الجدة التى ستعمل على افساد تربيته فينتهى به الحال لدخول السجن مرارا وتكرارا ، قبل أن يختفى من حياة الأسرة بالسفر والهجرة للخارج .

الأبنة “ريام” تقع فى الحب أكثر من مرة أولها فى سن مبكرة لم تتجاوز الثالثة عشر من عمرها مع ولد يبلغ السادسة عشر يدعى “ريحان” ينتمى لمعدان سكان الأهوار ، ثم يخرج من حياتها بعد افشاء “هند” لسر تلك العلاقة البريئة بينها وبين “ريحان” وتدخل الخال بمنعها من مقابلته و ضرب الولد الذى يرحل للأهوار حيث يختفى اثره .

ثم يدخل حياتها ثلاث رجال احدهم هو ربيب صاحب المحلات التى تبيعه أمها انتاجها من الثياب ، ولأجل هذه العاطفة تترك الجامعة و تبدأ فى تعلم الخياطة لأجل ان تكون قريبة من مكان عمل ذلك الحبيب ، و لكنها تخيب فى ظنها إذ يصبح قاتل لوالدته الهاربة مع عشيقها ، ثم تتوهم مشاعر حب تجاه جار يتبين لها انتماءه لتنظيم محظور ويصبح مطارد ، بينما الرجل الثالث هو صاحب مكتبة تترد عليها ولكنها لا تنتبه لمشاعرها تجاهه إلا بعد فوات الاوان ، إذ يختفى من حياتها بعد ان تجد المكتبة قد أصبحت محل لبيع الملابس .

بعد حلم ترى خلاله “ريام” والدتها تقرر أن تفسره على أنها تحرضها وتحثها على تغيير مسار حياتها وترك العمل فى الخياطة ، و مغادرة البيت لاكتشاف الحياة من أبواب أوسع ، فتغادر حاملة حقيبة سفر تضم أوارق رواية كتبتها حول حياتها وحياة نساء أسرتها ، و عن فاطمة مساعدتها بالعمل .

***

“لماذا أكتب عن تلك الأيام وأستحضر أرواح من ماتوا؟ هل خوفاً من نسيان ماجرى كما أحب أن أقنع نفسي، أم لأهرب من رمال الصحراء التي غطت حقولي وأحاول درأها لكي لاتتيبس تماما؟ أم تراها رغبة لتخفيف الضغط على قلبي من هزيمة في الحب ؟ أم تراها هذا وربما ذاك وربما لكل تلك الاسباب ..”

تحاول الساردة أى “ريام” أن تفسر او تبرر الرغبة المفاجئة التى انتابتها فى كتابة رواية توثق من خلالها تاريخ نساء عرفتهن فى حياتها ، مع مواصلتى للقراءة حتى النهاية ،لم تنجح “ريام” فى تبرير بعض تصرفاتها أو قراراتها التى بدت لى ، على الأقل غير مفهومة نوعا ما ، فى اطار ماكتبته حول تاريخ الأسرة ، والعلاقة بين الأب والأم ، كما لم يكن لمعاناة الأم أى اثر على نفسية “ريام” فى سن أكبر ، حتى بعد ذهابها للجامعة وتخصصها بالدراسات التاريخية تنفيذا لرغبة قديمة نشأت وقت علاقتها البريئة “بريحان ابن المعدان” لم يتطور وعي “ريام” او يتواصل نموها النفسى والعقلى ، بل ظلت أسيرة لرغبات متقلبة .

استحوذت شخصية الأم “سمر الفضلى” على اهتمامى اكثر من أى شخصية نسائية فى الرواية ، إذ بدت أكثر نضج ووعى وحكمة فى التعامل مع تقلبات الحياة ومعاناتها مع زوج مستهتر وجاحد ، وحماة قاسية القلب ، و أذكى فى تعاملها مع ضرتها ، وأكثر صلابة فى مواجهة اطماع الرجال من حولها ، و تملك ادراكها الخاصة للحياة ، وربما الربط بين شخصية الأم و شخصية المطربة الكبيرة “عفيفة اسكندر” كان فى محله .

العلاقة المتوترة بين “ريام” و “هند” لم تكن منطقية او مفهومة فى سياق السرد الروائى حول حياتهن الأسرية ،إذ تكتفى “هدية حسين” بتقديم مختصر نوعا ما لشخصيات الرواية ، فجاءت معظمها سطحية فى تفكيرها و مفتقدة للعمق النفسى فى سلوكها ، وفاقدة للثراء الروحى ، مايجعل تلك الشخصيات الروائية سهلة النسيان بعد مرور الوقت على قراءة الرواية . 

حاولت الكاتبة تقديم نماذج نسائية من المجتمع العراقى ، وتسليط الضوء على مشاكلهن الاجتماعية ، ولكنها لم تنجح فى وضع حكاية فاطمة الأرملة فى مكانها الصحيح إذ كان بالامكان استعمالها لتسليط الضوء على مشاكل النساء العراقيات ضحايا الحروب الكثيرة التى خاضها البلد خلال العقود الماضية ، وبالرغم من الحاحها على “ريام” بكتابة حياتها فى الرواية التى اعلنت عن بدء الشروع فى تأليفها .

تبدو الرواية أقرب لحكايات يتبادلنها النساء فى جلسات تناول القهوة او الزيارات الاجتماعية ، الحبكة الروائية غير معقدة ، سلسة ، تناسب عبرها الحكاية ببساطة لتروى حياة النساء الأربعة ، حاولت الكاتبة استخدام فن الحكى الشفهى من خلال حكايات والدتها حول ماضى اسرتها ، مع يوميات ريام ، والتى لم يظهر لها أى اثر فى ثنايا الحكاية ، رغم اعلنها فى بداية الرواية بأنها ستكتب مستندة ليوميات كتبتها فى العشرين ، ولكن لم يظهر منها شىء حتى خاتمة الرواية ، واكتفت بالاسهاب والاستطراد فى حديث “ريام” واسترجاعها لذكرياتها من الذاكرة ، كل ذلك فى لغة جيدة ، متماسكة ، ولاتخلو من نفحات شاعرية .

استخدام الوقائع التاريخية ، و استعراض لجوانب من العادات والتقاليد والموروث الشعبى العراقى اضفى على الرواية مسحة جميلة ، ومنحها ملامح واضحة للخلفية التى تتحرك فيها تلك النسوة .

السؤال هل تستحق أن تصل هذه الرواية للترشح للقائمة الطويلة لجائزة البوكر للرواية العربية ، برأيى كقارئة لا ، فهى رواية عادية ، لا تحوى شخصيات مؤثرة ، أو سرد مشوق .

***

هدية حسين كاتبة وروائية عراقية مقيمة في كندا. صدره لها تسع روايات وست مجموعات قصصية وكتاب في النقد، و ترجمت روايتها “ما بعد الحب” (2003) إلى اللغة الإنجليزية عن دار “سيراكيوس يونفيرستي بريس” الأميركية عام 2012، وترجمت لها مجموعة قصصية إلى اللغة الصربية بعنوان “وتلك قضية أخرى” (2002) كما ترجمت العديد من قصصها إلى الإنجليزية والإيطالية والصربية، وفازت بالجائزة الأولى عن أندية فتيات الشارقة عام 1999.

***

رابط أغنية ( الله لو تسمع هلي) للمطربة العراقية “عفيفة اسكندر” التى كانت ترددها “سمر الفضلى” والدة “ريام” ..

https://www.youtube.com/watch?v=p7PPKXCJxBg

شوق الدرويش فى سباق البوكر للعام 2015..

6a613e94a2894780b6629cad5c7dfc84“كل شوق يسكن باللقاء، لا يعوّل عليه”
                                                   ابن عربي

قرأت عبر موقع القودريدز آراء وتعليقات القراء حول رواية جديدة اسمها “شوق الدرويش” لروائى سودانى شاب اسمه “حمور زيادة” صدرت بالعام الماضى 2014 ، ونالت رضاهم واستحسانهم مما حفزنى لوضعها على قائمة القراءة لشهر يناير 2015 ، و لم يكن اعجاب الأصدقاء من مشتركي الموقع هو الحافز الوحيد لذلك ، او ظهورها على القائمة الطويلة لترشيحات البوكر لعام 2015 ، إذ كنت اضع بالاعتبار رغبتى الدائمة فى توسيع أفق قراءاتى بإتجاه عوالم ودول جديدة وأماكن وثقافات لا نعرف الكثير عنها خاصة فى عالمنا العالم العربى ، بالرغم من كل الدعايات حول الأخوة فى الدين واللغة والأصل المشترك والخ من ديباجات وكليشيهات كنا نسمعها فى وسائل الأعلام الحكومي الرسمي لأنظمتنا السابقة دون أن نعرف او نتعرف حتى على أنفسنا وثقافاتنا وتاريخنا ولو بالقدر اليسير .

***

تبدأ رواية شوق الدرويش مع نهاية المهدية بالسودان أى العام 1898م ، إذ يُهزم” عبد الله التعايشي “خليفة مهدى الله و دخول القوت الأنجليزية والمصرية إلى أم درمان عاصمة الدولة المهدية ، و استرداد بطل العمل الروائى “بخيت منديل” حريته وسط الفوضى التى تعم المدينة إذ يُطلق سراحه من سجن (الساير ) ليخرج باحثا ً عن أعدائه لينتقم لمقتل ثيودورا/حواء حبيبة القلب .

عبر صفحات الرواية نتعرف على حكاية “بخيت منديل” و اليونانية “ثيودورا/حواء” التى جاءت من الإسكندرية إلى الخرطوم ضمن البعثة التشيرية لتقع فى أسر جنود المهدى ، وينتهى بها الحال فى بيت أحد كبار التجار الانتهازيين ممن ركبوا موجة الحركة المهدية لتحقيق مكاسب شخصية ، فيدخلها سيدها إبراهيم ود الشواك الاسلام بالقوة ، طمعا ً فى معاشرتها كجارية ومع رفضها وماقومتها لمعاشرته يعاقبها بالختان والنبذ قبل أن ينهى حياتها بعد محاولتها الفرار الفاشلة برفقة إحد الأدلاء ممن قادوها فى رحلتها للخرطوم ، قبل أن تعقد العزم على الفرار تلتقى بالعبد “بخيت منديل” المحرر لتوه من نير الأسر لدى سيده المصرى “سعيد أفندى” بعد هزيمة “جردة النجومى ” فى منطقة توشكى بالجنوب المصرى ، فتتوطد المعرفة بين بخيت و ثيودورا/حواء ، وتتحول مشاعر الود الى حب عميق من طرف بخيت ، بينما تظل ثيودورا/ حواء تتخبط بين مشاعر القبول والرفض لمشاعر الحب تلك ، وبين الحيرة تجاه حقيقة ماتشعره ومايختلج فى أعماقها من اعجاب وعاطفة سامية “لبخيت” الذى ينتمى للأرض التى تسببت لها بالكثير من الألم و الوجع والفقد ، و تظل مشاعر الحيرة تتجاذبها حتى لحظة الرحيل.

خروج “بخيت منديل” من السجن وسعيه لانتقام لمقتل الحبيبة ثيودورا /حواء يقوده للوقوع بين يداى “الحسن الجريفاوي” طالب القرآن وتلميذ أحد كبار الصوفيين ، ومن سيكون صهره بعد زواجه من ابنته فاطمة “الجريفاوى” قبل أن يطلقها ليلحق بالمهدى من أجل رفع الظلم واقامة العدل ، ونشر الإسلام وفقا لرؤى يوتوبية ، من خلال “الحسن الجريفاوى” نتلمس مشاعر نموذج عن البسطاء والمؤمنين الأنقياء ممن يمتلكون قابلية الإيمان الإعمى بالمخلص أو المنقذ قبل أن يقعوا ضحايا لشكوك تقودهم لفقدان ذلك الإيمان العميق .

***
من خلال ايقاع سريع ومشوق نتعرف على حياة “بخيت منديل” من العبودية والأسر الاستغلال الجسدي والسجن و العنصرية ، و على حياة الأوربيين والمصريين والأتراك الموجودين بالسودان بتلك الفترة التاريخية ، عن ظلم الحاكم الأجنبى أثناء فترة الحكم التركى – المصرى أو الحكم الأنجليزى ، عن المظالم التى وقعت فيها دولة المهدى ، عبر تقنية الفلاش باك أى العودة للتذكر بين الحاضر و الماضى دون الألتزام بخط زمنى واحد قد يبعث الرتابة فى نفس القارىء ، يقسّم الرواية فصولاً تحمل أرقام ، والفصول الى فقرات مرقمة .

كما يلجأ “حمور زيادة ” لاستعمال أدوات سردية عدة نتعرف من خلالها على باقى خيوط الحكاية و أقدار إبطالها الرئيسيين “بخيت منديل” و “ثيودورا/ حواء” و ” الحسن الجريفاوي” فيتداخل السرد الروائى مع الوثائق التاريخية ، و الحكايات الشعبية ، و الأغانى ، و الرسائل والمذكرات ، وحتى النصوص الدينية من القرآن الكريم و التوراه والانجيل ، و القصائد والنصوص الصوفية .

لم استسغ العاطفة الجياشة ، المغرقة فى الرومانسية عند “بخيت منديل” تجاه “ثيودورا/حواء ” رغم وجود “مريسيلة ” الحسناء السودانية التى بذلت أقصى جهدها مضحية بالكثير لاسترضائه ، كما لم افهم الدوافع أو المبررات النفسية “لبخيت منديل” بأصراره على الانتقام لحبيبته التى لم ترق أو تلين أمام كل تلك العاطفة القوية النبيلة .

إيضا لم أجده تصرف مفهوم من سعيد أفندى المالك المصرى للعبد” بخيت منديل ” بإعطائه حريته و ومنحه كمية كبيرة من المال ، رغم فقره وعوزه وسعيه لجمع المال .

كانت شخصية”الحسن الجريفاوى ” تتمتع بسحر وجاذبية وتأثير أكثر من أى شخصية أخرى بالرواية ، إذ جاء تكوينها النفسى واستعدادها الصوفى متساقا ًمع الأحداث التاريخية بالبلد فى الفترة التى يتناولها الكاتب ، كما أحببت شخصية “مريسيلة” بشجاعتها وكبريائها وعاطفتها الصادقة فى مواجهة شبح ثيودورا /حواء الحائم حول “بخيت منديل” وحرمان “مريسيلة ” من فرصة الحصول على قلبه .

***
حمور زيادة هو صحفي ومدون سودانى ، يقيم حاليا بالقاهرة منذ عام 2009 ، صدرت له مجموعتان قصصيتان هما “سيرة أمدرمانية” و”النوم عند قدمي الجبل” ورواية “الكونج ” ، و رواية “شوق الدرويش” التى دخلت القائمة الطويلة لترشيحات جائزة البوكر لعام 2014 .

وقد سبق أن فازت نفس الرواية بجائزة نجيب محفوظ للأداب عام 2014 ، والمثير للانتباه هو ماورد فى كلمة لجنة التحكيم لجائزة محفوظ حول الأسباب و الحيثيات التى ساهمت فى فوز الرواية :” هى سرد لقصة الحب والاستبداد والعبودية والقهر والثورة المهدية في السودان في القرن التاسع عشر… ما جعلها تجسد المشهد الحالي في المنطقة حيث تعم الفوضى نتيجة للتطرف الديني ” ، مما دفعنى للتساؤل عن نزاهة لجنة التحكيم فى هذا الشأن ، كما احيت بداخلي التساؤلات القديمة الجديدة التى تثار حول الجوائز والتوظيف السياسى والايديولوجى لها ، و محاولات استغلال بعض الاعمال والاسماء الروائية المخضرمة او الشابة ضمن هذا الاطار ، أيضا قد يتم استغلال هذه السطور من نص حكم لجنة التحكيم من قبل اشخاص كثر لن يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن الرواية وقرأتها لاستيعاب ماأراد الروائى “زيادة” أن يعبر عنه من تأويلات و وقراءة جديدة لفترة تاريخية مهمة من فترات التاريخ السودانى الحديث .

بعيدا عن الرأى السياسى الفج لقرار لجنة التحكيم بجائزة محفوظ أرى كقارئة وباحثة تاريخية رواية “شوق الدرويش” تمتعت بمواصفات العمل الروائى المتكامل ، و جاء استعمال الأحداث التاريخية الممزوجة بمهارة مع حكاية بخيت مع ثيودورا لتقدم لنا السودان بكل مافيه من ثقافات واثنيات وابطال تاريخيين وموروث صوفى و شعبى دون عناء أو تكلف ، الشىء المزعج فى نسختى من الرواية هو الطباعة الرديئة والتنسيق السىء الذى اشعرنى ببعض الضياع فى تتبع الحكاية حتى نهايتها ، إذ كنت اضطر لتحديد بداية كل فصل أو فقرة جديدة ، بالإضافة لوضع علامات حول اسماء الأشخاص و الاماكن والمعارك كى اقدر على الاستيعاب بشكل أدق .

***
رواية “شوق الدرويش” هى عمل رائع ، وساحر يستحق القراءة والإشادة بموهبة ومقدرة وامكانيات الروائى الشاب القادم من بلد العطور والمر والبخور .

 

زد … مازال حيا ً..

CostaGavrasZلم تكن مشاهدة الافلام السينمائية فى حياتى لمجرد المتعة والتسلية فقط ، إذ اعُتبرت من بين وسائل عديدة للتثقيف والتعليم ، ولهذا كان والدى رحمه الله يحرص على تزويدنا بأفلام تحمل قيمة فنية وفكرية وتعالج قضايا انسانية ، لتشغيلها على آلة السينما المنزلية ، وكان فيلم (زد) من بين تلك الافلام التى سبق لى مشاهدتها فى سنوات المراهقة ، مرت أعوام طويلة قبل أن تتاح لى فرصة الحصول على نسخة جديدة على سى دى بنقاوة ووضوح فى الصوت والصورة كهدية من صديقة عزيزة ورائعة، خلال هذا العام شاهدت الفيلم أكثر من مرة أولها بتاريخ 16 سبتمبر 2014 وبالرغم من المكان إذ كنت برفقة زوجة أخى بالمستشفى حيث أدُخلت لتضع مولودها البكر فى ظروف شديدة الصعوبة مرت بها بنغازى فى وقتها ، إلا أن الفيلم بمايمثله من ذكرى لأيام جميلة ، وقوة الطرح و القيمة الفنية له ، جعلنى استغرق كليا فى المشاهدة وكأنها المرة الأولى . 

( زد ) هو فيلم من إخراج اليونانى كوستا غافراس ، ومن إنتاج فرنسى – جزائرى ، ومن بطولة النجم الفرنسى إيف مونتان ، و النجمة اليونانية إيرين باباس ، والنجم الفرنسى جان لوي ترنيتان ،بالإضافة لمجموعة ممثلين أوربيين وجزائريين .

يتناول الفيلم قضية (الاغتيال السياسى) من خلال قصة مأخوذةعن عمل روائى يحمل الاسم نفسه للروائى اليونانى “فاسيلي فسكيلوس” ، الذى استوحى أحداثها من حادثة اغتيال د.جريجوري لامبراكس السياسى اليوناني الذى اعتُبر من الشخصيات القليلة التى تطلع إليها اليونانيين بالذات جيل الشباب وطلاب الجامعات لمحاربة الفساد والاستبداد والتبعية للويلايات المتحدة الإمريكية ، فقد كان طبيب منحاز للطبقات الفقيرة من أبناء شعبه ، فساهم فى تقديم الخدمات الصحية المجانية من خلال اقامة مستشفيات خيرية .

وتقوم الحبكة الدرامية للفيلم على حادثة اغتيال النائب الديمقراطى المنتمى لصفوف المعارضة ، من خلال افتعال احداث شغب امام المكان الذى سيقوم النائب بالاجتماع فيه مع أنصاره لالقاء محاضرة تتناول الوضع السياسى للبلد ، و يتطرق للهيمنة الأمريكية وللفساد المتغلغل فى مفاصل الدولة ، و لن يتاح الوقت للنائب كى يكمل محاضرته إذ يتعرض للضرب الشديد وسط تدافع الجماهير ، وتشابك انصار النائب مع الغوغائيين المتجمعين بالشارع ، ليسقط النائب ولكن لايبقى على قيد الحياة لوقت طويل بعد وصوله للمستشفى واجراء جراحات سريعة وخطيرة فيتم اعلان خبر الوفاة وسط اجراءات امنية متشددة منعا لاحداث شغب او تظاهرات يقوم بها انصار النائب الديمقراطى ، زوجة النائب تصر على البحث عن الحقيقة وراء وفاة زوجها خاصة بعد استماعها لما سيقوله لها رفقاء الزوج /النائب عن وجود شبهة قتل .

يكُلف قاضى نزيه بالتحقيق فى الحادثة التى تسعى الأجهزة الأمنية والقيادات السياسية بالبلد لاخفاء معالم الجريمة و الإيحاء للمحقق النزيه بأنها مجرد أحداث شغب عادية وقعت إمام المبنى، ومع استمرار القاضى فى التحقيقات واستدعاء المشتبه فيهم ، بالإضافة للاستماع لشهادات رفقاء النائب ويواجه ذلك القاضي ضغوطا رسمية وسياسية من القيادات العليا بالبلد من اجل اخفاء تلك الجريمة وتغطية اثارها واسبابها وتفاصيلها.

بالنهاية يتبين للقاضى أن الجريمة هى تصفية لخصم سياسى أقلق القيادات السياسية والعسكرية بالبلد بمعارضته للهيمنة الامريكية على ذلك البلد ، وسعيه لممارسات القمع و الفساد .

يلعب الصحفى الشاب المستقل دور بارزا ً إلى جانب القاضى النزيه من أجل الكشف عن الحقيقة ، كلا من موقعه بالمجتمع . كما يبرز الفيلم دور طلبة الجامعات فى التصدى للدكتاتورية والقمع ، والقتال من أجل الديمقراطية من خلال مساندتهم الواعية والقوية للنائب ، ثم مشاركتهم فى مظاهرات حاشدة احتجاج على مقتله ، والاصرار على معرفة الحقيقة وراء الحادث .

يتم تناول هذه الحادثة أى الجريمة السياسة بأسلوب بوليسى عبر سيناريو سلس ، ملىء بالتشويق والأثارة والبحث والتقصى فى تتبع خيوط الجريمة من خلال الغوص فى المجتمع ، وتقديم تفاصيل عن علاقات المصالح التى تربط الفاسدين بعضهم البعض بداية من كبار القيادات العسكرية ، ورجال الاعمال ، و رجال الكنيسة ، وصحافيين كبار ، و انتهاءً بشواذ المجتمع من قتلة ولصوص ومنحرفين .

يصل القاضى الى نهاية التحقيق الذى يكشف خيوط الجريمة ، فتتطاير رؤوس كبيرة من قيادات امنية وعسكرية وسياسية ودينية وقبل أن تبدأ المحاكمة يموت الكثير من الشهود فى حوادث غامضة فيها شبهة جنائية ، وينال الضباط الأربعة الكبار توبيخا اداريا فقط ،وتقدم الحكومة استقالتها ، و يظهر أن الحزب اليسارى سيفوز بالانتخابات المقبلة على الأبواب ، إلا أن الانقلاب العسكرى يقع فيكون مصير عدد من أعضاء الحزب من رفقاء النائب بالموت انتحارا ً او بحادث سيارة ، ونوبة قلبية ، والنفى خارج البلاد ، ويكون السجن من نصيب الصحفى الشاب لافشائه أوراق رسمية أى الأوراق المتعلقة بسير التحقيقات فى قضية اغتيال النائب ، فى حين ينتهى بقاضى التحقيق بالطرد من الوظيفة  ، و عبر صوت امراة تظهر على خلفية صورة لدبابات تملىء الشوارع نتعرف على الممنوعات فى العهد الانقلابى الجديد التى ستثير دهشة واستغراب العالم ، إذ يُمنع إطالة الشعر للرجال ، وارتداء الملابس القصيرة ، ومنع تداول كتب سوفوكليس ، تولستوى و يوربيدس ، وبيكيت ، ودييسوفسكى ، الاضرابات ، ارسطو ، يونسكو ، و سارتر ، وسقراط ، حرية الصحافة ، علم الإجتماع ، و الموسيقى العصرية ، والموسيقى الشعبية ، و الرياضيات الحديثة ، بالإضافة لمنع الشعب من استعمال حرف زد الذى يعنى فى اليونانية القديمة “إنه لايزال حيا ً” ، وذلك فى محاولة عقيمة لقتل افكار الدكتور “جريجوري لامبراكس” الذى ظلت افكاره حية رغم مرور قرابة الخمسين عام على اغتياله .

صورت أحداث الفيلم فى مدينة الجزائر لتشابهها مع طبيعة مدينة أثينا التى لايذكرها الفيلم بالاسم ، ذلك تفاديا لاثارة المشاكل مع النظام الانقلابى انذاك، ومحاولة لالتفاف عليه من أجل السماح بعرض الفيلم ولكن دون جدوى إذ منُع من العرض ، كما وُضع المخرج والمشاركين بالعمل على القائمة السوداء لنظام الأنقلابى الذى لم يسقط إلا فى العام 1975 بعد الفشل فى ايقاف العملية العسكرية التى قام بها الجيش التركى لاحتلال الجزء الشمالى من جزيرة قبرص .

وضع الموسيقار اليونانى الشهير ميكيس ثيودوراكس الموسيقى التصويرية للفيلم فجاءت مكملة لعناصر الفيلم الفنية ، إذ يضفى مسحة من الحيوية والمرح بموسيقاه المصاحبة للظهور الأول لنائب المحبوب فى أثناء استقباله من قبل انصاره بالمطار ، كما ستكون فى مواضع أخرى بالفيلم سريعة ، متوترة ، تماشيا مع سرعة الاحداث والمطاردات فى شوارع المدينة .

نال فيلم (زد) العديد من الجوائز العالمية من بينها جائزة أفضل فيلم أجنبي بمهرجان كان (عام 1969)، كما فاز بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان (عام 1969)، و جائزة نقاد نيويورك لأفضل فيلم (عام 1969) ، وحصل الممثل جان لوي ترنتيان- على جائزة أحسن ممثل (عام 1969) ، و جائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية (عام 1970) ، وجائزة الأوسكار لأفضل مونتاج (عام 1970) ، و جائزة الجولدن جلوب لأفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية (عام 1970) ، و جائزة البافتا لأفضل موسيقى فيلم (عام 1970) ، و جائزة الجمعية الوطنية لنقاد السينمائيين لأفضل فيلم (عام 1970) ، و جائزة إدغار لأفضل فيلم سيناريو سينمائى (عام 1970) .

نساء الطغاة..

images1تتناول الباحثة الفرنسية “ديانا دوكريه” فى هذا الكتاب أجزاء من حياة مجموعة منتقاة من دكتاتورى العالم والنساء اللائى أحطن بهم ، حيث تحكى الكاتبة تفاصيل العلاقات الغرامية ، ومايتخللها من مواعيد ولقاءات ، و ماتركته الحياة السياسية على حياتهن ، بالمقابل ماساهمن بالتأثير فى حياة الطغاة سواء بالسلب أو الأيجاب ، ومدى أثار تلك العلاقات العاطفية على الحياة السياسية ، يمتلىء الكتاب بتفاصيل صغيرة حول شخصيات طغاة كهتلر و موسولينى و موتسى تونغ و سالازار ، وما اتبعوه من طرق لاغواء النساء ، وكيف تفاعلوا مع المعجبات ، وإلى أى مدى ذهبوا فى نزواتهم ، أو تلبية نزوات ورغبات نسائهم.

بنيتو موسولينى ، حياة المرشد

بحسب مقاييس الجمال لدى الطليان تمتع موسولينى بجاذبية طاغية لدى النساء إذ “كن يشعرن بضعفهن يتحول إلى قوة ” عندما يتوجه إليهن بالحديث ، لهذا استغل موسولينى هذا الجانب جيدا فى السيطرة والتأثير على الجماهير ، فهو تبنى مبدأ سياسيا ً يقوم على توجيه خطاب لجمهور لا إلى شعب .

كانت بداياته العاطفية مع فتيات قرويات وقعن ضحية لما كان يمارسه عليهن من سحر حتى تحول الى سابى للقلوب .

6
موسولينى و مرغريتا سارفاتى

فى العام 1904 تعرف الى أنجليكا بالانوف واحدة من المثقفات المنتمية للطبقة الارستقراطية العريقة فى أوربا ، التى تحولت لاعتناق الشيوعية ، رافعا راية الفكر النسوى فى ذلك الوقت ، فارتبطا بعلاقة عاطفية وطيدة ساهمت فى ايصاله لمراتب متقدمة فى الحياة الصحفية التى كان يخطو الخطوات الآولى فيها قبل ان يكثف من نشاطه السياسى ويتحول لشخصية سياسية مرموقة مع منتصف العشرينات من القرن الماضى ، فى أثنائها لايكتفى بعلاقته بأنجليكا ، إذ تدخل لحياته العاطفية والسياسية امرة اخرى هى مرغريتا سارفاتى زوجة محامى مرموق ستتخلى عن حياتها الزوجية والأسرية فى سبيل عشقها الجنونى لموسولينى الذى لن يقدم لها شىء بالمقابل ، بل يقيم علاقات عاطفية عابرة ، أثناء وجودها كعشيقة فى حياته ، ساهمت مارغريتا الخبيرة فى الصحافة فى صنع أسطورة ترتكز على قوته الجسدية فهو الذكر الكامل الذى يعمل خمس عشرة ساعة فى اليوم ، بقدرة هائلة على التركيز وقوة جسدية لاتضاهى ، ساهرا على مصالح ومصير إيطاليا.
وعندما توفى زوج مرغريتا فى العام 1924 رفض موسولينى الانفصال عن راشيليه زوجته المقيمة فى بيتهم بميلانو بعيدا عن الاضواء ، فى هذه الأثناء بدأت مرغريتا تقع ضحية لما صنعته ، إذ بدى أن وجود عشيقة رسمية فى حياة موسولينى الرجل المرسل من السماء ، المتحلى بأخلاق حميدة ، وجود مشين .

خرجت مرغريتا من حياة موسولينى لتحل محلها عشيقة جديدة وأخيرة هى كلارا بيتاتشى التى التقاها بصحبة أسرتها على الطريق المؤدى للشاطىء البحر بمدينة أوستى حيث تقضى أسرة بيتاتشى عطلتها.

فى العام 1904 تعرف الى أنجليكا بالانوف واحدة من المثقفات المنتمية للطبقة الارستقراطية العريقة فى أوربا ، التى تحولت لاعتناق الشيوعية ، رافعا راية الفكر النسوى فى ذلك الوقت ، فارتبطا بعلاقة عاطفية وطيدة ساهمت فى ايصاله لمراتب متقدمة فى الحياة الصحفية التى كان يخطو الخطوات الآولى فيها قبل ان يكثف من نشاطه السياسى ويتحول لشخصية سياسية مرموقة مع منتصف العشرينات من القرن الماضى ، فى أثنائها لايكتفى بعلاقته بأنجليكا ، إذ تدخل لحياته العاطفية والسياسية امرة اخرى هى مرغريتا سارفاتى زوجة محامى مرموق ستتخلى عن حياتها الزوجية والأسرية فى سبيل عشقها الجنونى لموسولينى الذى لن يقدم لها شىء بالمقابل ، بل يقيم علاقات عاطفية عابرة ، أثناء وجودها كعشيقة فى حياته ، ساهمت مارغريتا الخبيرة فى الصحافة فى صنع أسطورة ترتكز على قوته الجسدية فهو الذكر الكامل الذى يعمل خمس عشرة ساعة فى اليوم ، بقدرة هائلة على التركيز وقوة جسدية لاتضاهى ، ساهرا على مصالح ومصير إيطاليا.

وعندما توفى زوج مرغريتا فى العام 1924 رفض موسولينى الانفصال عن راشيليه زوجته المقيمة فى بيتهم بميلانو بعيدا عن الاضواء ، فى هذه الأثناء بدأت مرغريتا تقع ضحية لما صنعته ، إذ بدى أن وجود عشيقة رسمية فى حياة موسولينى الرجل المرسل من السماء ، المتحلى بأخلاق حميدة ، وجود مشين .

images

بنيتوموسولينى والعشيقة كلارا بياتشى

خرجت مرغريتا من حياة موسولينى لتحل محلها عشيقة جديدة وأخيرة هى كلارا بيتاتشى التى التقاها بصحبة أسرتها على الطريق المؤدى للشاطىء البحر بمدينة أوستى حيث تقضى أسرة بيتاتشى عطلتها.

مارس موسولينى المزيد من الأكاذيب والحيل لنيل قلب كلارا ، ولابقاء زواجه من راشيليه قائما ، محافظا على مظاهر زائفة أمام الشعب الإيطالى الذى وصل فى سنوات ماقبل الحرب العالمية الثانية لذورة عبادة الدوتشى .

كتُب في العام 1938 لعلاقة كلارا وموسولينى الانطفاء مع هبوب نذائر بحرب عالمية جديدة على أبواب أوربا والعالم ، إذ كانت المصائب الشخصية والعامة تتوالى على حياة الدوتشى ، من فقدان لابنه برونو ، لخسائره على الجبهة الروسية ، لبروز مؤأمرات لاسقاطه داخليا ، كل ذلك دفعه للعزوف عن مواصلة علاقته الغرامية بكلارا الشديدة الاخلاص التى لم تتخل عنه ، حيث تبعه حتى آخر لحظات حياته فى هروبه باتجه سويسرى متخفيا فى لباس جندى ألمانى لكنه يقع فى أيدى المناوئين واعداءه الحزبيين فيتم اعدامه بالرصاص مع عشيقته كلارا التى تحرص حتى آخر لحظة فى حياتها على أرضاء الدوتشى الصعب قائلة ً: “هل أنتَ راض عني لأني سأموت معك؟”                                                              ***
      أنطونيو سالازار ، الحب يقرع الباب مرتين

    على محطة القطار فى العام 1905 يتلقى أنطونيو سالازار الطالب بالمدرسة الأكليريكية الآنسة فليسمينا دى أوليفارا صديقة شقيقته ماريا ، كان أنطونيو فى السادسة عشر ، وفليسمينا تكبره بسنتين ، جاءت لقضاء جزء من العطلة فى بيت صديقتها .

كانت فليسمينا تنحدر من أسرة متواضعة ، قررت الالتحاق بسلك الرهبنة وتكريس حياتها لخدمة الرب ، ولكنها عدلت عن ذلك للالتحاق بدار المعلمين بفيزو حيث ستلتقى بماريا سالازار، فى تلك الفترة من حياة فليسمينا تحولت لاتخاذ شخصية فتاة متزمتة ترتدى اللون الأسود وتتشدد فى سلوكها ، وتتبرع بأعطاء دروس لزميلاتها المعوزات .

تلقت فليسمينا رسالة من أنطونيو يبوح فيها بمكنونات قلبه ويخبرها فيها عن استعداده لتغيير مسار حياته وترك دراسة اللاهوت والزواج بها ، فأشعرها هذا الأمر بالاثم ، فقررت رفض مشاعره وعاطفته ، يتكرر هذا العرض على مدى سنوات طويلة حتى يفقد أنطونيو الأمل بقبولها وتتحول العاطفة بين الاثنين الى صداقة قوية ومتينة ، تقوم فيها فليسمينا بمد يد العون والدعم لانطونيو الذى تحول من دراسة اللاهوت لكلية الحقوق بكومبرا ، حيث ينجح فى الحصول على درجته العلمية ، قبل أن يبدأ الصعود فى الحياة الحزبية والسياسة بالبرتغال فى سنوات الجمهورية الأولى ، تحت رعاية أسرة برستوالو العريقة التى ستساهم فى تعليم أنطونيو طرق حياة الطبقة النبيلة بالبلد .

مع وصول أنطونيو للحكم تصبح فليسمينا صاحبة تأثير قوى ، فهى من أدق مخبرات سيد الدولة الجديدة ، حيث شغلت منصب مفتشة المدارس كأول امراة برتغالية تنال هذا المنصب ، ولم يكن لاحد أن يحتفظ بسلطته دون رضاها ، كانت فليسمينا تتحول شىء فشىء لامرأة شديدة المرارة ، فاقدة لايمانها القديم ، تميل لانتقام لأدنى شبهة او هفوة . 

2
انطونيو سالازار و فليسمينا دى أوليفرا فى فترة الشباب

أما المرأة الأخرى فى حياة دكتاتور البرتغال سالازار فهى الصحفية الفرنسية كريستين غارنييه التى جاءت فى العام 1951م للبرتغال لاجراء ابحاث ولقاء انطونيو من أجل تأليف كتاب حوله ، وكانت كريستين أمراة لاتعرف النفاق الذى تفرضه الحياة السياسية ، فقالت له :” يقول البعض إنك قديس وأنه لن يمر وقت طويلقبل أن تطُوب . والبعض الآخر يرى إنك زعيم عديم الاحساس والإنسانيةوصيت تقشفك ذائع الى درجة أنهم نصحونى بعدم التعطر وتجنب طلاء أظافرى..” فتن انطونيو بهذه الثقة بالنفس و سمح لها بطرح ماتريد من اسئلة ، كما دعاها لقضاء أيام فى سانتا كومبا البيت الريفى الذى يعود لاسرته حيث كان يقضى أوقات طويلة للراحة وأثناء العطلات .

كان أنطونيو يصحب كريستين فى نزهات مستندا على عصاه الهندية ، مثيرا ظهورهما معا همس ولغط بين القرويين ، فكريستين كانت أمراة فى الثلاثين ، فى حين بلغ سالازار الإثنين والستين ، وقد قضيت كريستين صيف ذلك العام تتنقل بين سانتا كرمبا وبرشلونة ، قبل ان تصبح مواظبة على التنقل بين فرنسا والبرتغال فقد وصلت الى مرحلة أن تصبح عشيقة لدكتاتور البرتغال العجوز ، وكان سالازار ينفق ببذخ على نزوات كريستين ورغباتها ، بالمقابل كان يستغلها لابعد مدى ، إذ كانت كريستين تسافر كثيرا وتخالط النخبة الفرنسية والوزراء والأعيان ، وتملك شبكة علاقات واسعة فى أوربا جعلته يلجىء لطلب خدماتها فى المسائل الحساسة التى تتطلب الابتعاد عن القنوات الدبلوماسية الرسمية .

أنطونيو سالازار برفقة الفرنسية كريستين غارنييه فى قريته سانتا كومبا
أنطونيو سالازار برفقة الفرنسية كريستين غارنييه فى قريته سانتا كومبا

فى 27 من مايو عام 1970 توفى سالازار فى بيته بسانتا كرمبا برفقة مدبرة منزله التى احبته بصمت لعقود طويلة دون ان يبادلها العاطفة ، بالمقابل رحل دون ان يلقى نظرة وداع على فليسمينا من أحبته قرابة النصف قرن ، وبقيت عذارء من أجله .
                                                  ***

فوهرر إسمه الرغبة 

“..ياقائدى الحبيب ، لابد لى أن أفكر فيك كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة . لكنت أذهب بكل سرور إلى برلين للألقاك ، هل يحق لى هذا؟ مهم حصل فإن حياتى ملك لك . أود لو أعرف مغزى كل ذلك . إذ لم يعد باستطاعتى أن أعمل ، لأنى افكر فيك دوما ً . لايسعنى أن أحب غيرك أكثر منك . آمل أن تتحقق أمنيتى. أرجوك أكتب لى إذا كان يحق لى المجىء” ..كانت هذه واحدة من مجموعة ضخمة من رسائل تلقاها أودلف هتلر فى مستشارية الرايخ ، كانت الرسائل التى تصل بعيدة كل البعد عن مراعاة شروط الأعراف عادة ، فكانت تتدفق يوميا رسائل لتقديم التهانى او النصائح اللطيفة او البوح المتقد ، كلها موجه لهتلر أثناء توليه السلطة فى ألمانيا ، رغم صعوبة تصور هذه الشخصية الغريبة والشاذة رمزا ً لمثال جنسى لدى النساء ، والملفت للانتباه لم يكن من بين آلاف هذه الرسائل ولا حتى رسالة او بطاقة تحمل اللوم أو الانتقاد ، و أستوجب هذا التدفق فى الرسائل تخصيص أرشيف لمراسلات هتلر الخاصة .

أودلف هتلر برفقة جلى إبنة اخته المنتحرة
أودلف هتلر برفقة جلى إبنة اخته المنتحرة

ستركز المؤلفة على ثلاث نساء فى حياة هتلر ، الاولى هى جلى ابنة أخته ، التى كانت تعيش معه لمدة تزيد عن ثلاث سنوات ، حيث تقع فى حب أميل موريس سائق هتلر و يقررا الزواج ، ولكن هتلر يرفض اعطائهما الموافقة ، بل ويتآمر على تفريق الحبيبن ليحتفظ بجلى لوحده ، فيقوم باحتجازها فى بيته بدعوى مراقبتها ، مشبعا نزواته كل مرة منها ، حتى تصل الى مرحلة اليأس وتقرر الانتحار واضعة حد لحياتها.

 أما المرأتين الاخريين فهما أيفا براون العاملة البسيطة فى محل للتصوير حيث يتم لقائها الاول بهتلر فتقع تحت تأثير شخصيته مع الفارق الكبير فى السن ، وتتحول لعشيقة تأكلها الغيرة التى تصل لحد تهديد هتلر بالانتحار ، قبل ان تنتهى حياتها معه فى الحصار الأخيرة لمبنى المستشارية فى برلين بعد اتمام اجراءات زواج لايتجاوز البضع ساعات ، ليأتى قرار الزواج متأخرة .

صورة عائلية تضم ماغدا جوبلز مع الزوج والأطفال الضحايا
صورة عائلية تضم ماغدا جوبلز مع الزوج والأطفال الضحايا

 أما المرأة الثالثة فهى ماغدا جوبلز زوجة وزير اعلامه ، هى ابنة غير شرعية لمهندس المانى مرموق وفر لابنته افضل حياة مرفهة ولم يتخلى عنها ، رغم ذلك تحولت ماغدا لانسانة مغامرة ، ربما يفسر دافعها لانخراط فى الحياة الحزبية فى ألمانية فى تلك الفترة لاقتراب اكثر فأكثر من الفوهرر هتلر ، بل وتقبل بالزواج من وزير اعلامه القبيح صاحب الشخصية المتجهمة الكئيبة جوبلز كى تبقى على مقربة من معبودها ، منهية حياتها وحياة زوجها وأطفالها الستة فى حفلة الانتحار المقامة فى الساعات الأخيرة من عمر الرايخ الالمانى أثر الهزيمة فى الحرب العالمية الثانية على يد قوات الحلفاء .

                                                         ***

 يضم الكتاب ثمانى شخصيات من طغاة العصر الحديث ، ولكنى استعرضت هنا 3 منهم فقط ، كأختيار يتوافق مع رغبتى فى فهم الكيفية التى جعلت موسولينى وحياته العاطفية والجسدية تترك بأثارها على بلدى فى أثناء الاختلال الإيطالى فى سنوات العشرينات والثلاثينات من القرن الماضى ، فبعض الذكريات المروية فى الكتاب استنادا ً لمراجع تتضمن مذكرات وأبحاث حول حياة نساء موسولينى وبالاخص مرغريتا و كلارا وأنجليكا تساهم فى فهم طبيعة الكثير من قرارات هذا الدكتاتور الذى ارتكب الكثير من الجرائم بحق الشعب الليبى و الشعب الحبشى و غيرها من الاماكن التى اكتوت بنيران طموحه وجنون العظمة التى عانى منها منذ بدايات حياته السياسة .

أما سالازار فمدى ماتركه حب قديم من سنوات الشباب الاول على افكار هذا الدكتاتور الذى حول بلاده لسجن كبير ، و كرس الكثير من الافكار الرجعية حول مكانة المرأة ، وزرع الارهاب فى نفوس الشعب البرتغالى ، فتحت تأثير افكار فليسمينا الرجعية المتزمتة حول مكانة ودور المرأة بالمجتمع البرتغالى سن الكثير من القوانين وحصرت دورها فى أضيق نطاق .

وفى مايخص بشخصية هتلر فمازالت لا استوعب حتى الآن ماهو الجاذب فى هذا الرجل الشاذ انسانيا والغريب الاطوار ، ماالذى يدفع امرأة كأيفا او ماغدا تتمتعان بالجمال والقدرة على البدء بحياة جديدة مختلفة بعيدا ً عن هذا الدكتاتور بالتمسك بالبقاء معه حتى آخر لحظة فى حياتهن وحياته ، بل كيف تقدم أم على تسميم أطفالها فى حفلة الانتحار الجماعية فى مبنى المستشارية .

الكتاب شيق ، استخدمت الكاتبة أسلوب قصصى سردى ، سلس ، و مختصر ، ومركز ، ويظهر من خلال المراجع المرفقة فى صفحات الكتاب مدى مابذلته من جهد كبير فى تقصى الحقائق حول حياة أولئك الطغاة ونسائهم ، مقدمة صورة موضوعية حول كل شخصية دون الانحياز او السماح لافكارها ومشاعرها الشخصية بالتدخل فى السرد المعلوماتى الثرى .

المولد النبوى الشريف فى مدينة درنة أيام زمان ..

index                                    الجامع العتيق بمدينة درنة فى ثلاثينيات القرن الماضى

كنت اترقب ذكرى المولد النبوى الشريف هذا العام ككل الاعوام الماضية ، فقد ارتبط فى ذهنى بالكثير من الذكريات الجميلة برفقة افراد عائلة والدتى بدرنة المدينة الجبلية الصغيرة ذات الطبيعة الخلابة قبل أن تتحول الى مدينة مشوهة المعالم والمعمار منذ مطلع التسعينات من القرن الماضى ، مع بزوغ هلال شهر ربيع الأول لهذا العام كنت استرجع شريط ذكريات طفولتى .

فقد كنت اقضى بضع اسابيع فى بيت جدتى بمدينة درنة المتميزة بموقع فريد ونسيج سكانى مميز وبيئة حضارية مدهشة حيث تفتح وعيى منذ صغرى على التراث الصوفى لعائلة والدتى  وهو حال غالبية الاسر الدرناوية القديمة، فقد كانت الزوايا الدينية موجودة فى حياة اسر المدينة الصغيرة بقوة وكذلك حلقات الذكر الصوفية المتمثلة فى الحضرة او الانشاد الصوفى .

كان الاحتفال بذكرى مولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من الاحتفالات الشعبية التى تهفو لها أنفس وأرواح سكان مدينة درنة كغيرهم من الليبيين حيث تبدا من بزوغ هلال شهر ربيع الأول بفتح المساجد ليلا ً و اضائتها وقراءة قصة مولد الرسول الكريم طيلة ليالى الشهر كله ، وأنشاد المدائح النبوية والقصائد اشهرها تخميس القصائد الوترية فى مدح خير البرية للشيخ محمد بن عبد العزيزبن الوراق ، والاخرى تخميس القصائد العياضية فى مدح خير البرية للشيخ أبى العباس أحمدبن البهلول ، ويغلب على انشاد هذه المدائح اسم (( البغدادى ) اذ يعبر الناس عنها بقراءة البغدادى ، أما أشهر قصص المولد التى تقرأ بجانب المدائح النبوية فهى (مولد المناوى ) وقد التزم صاحبها طريقة السجع، تتخللها فقرات يرددها المستمعون بنغمات خاصة .

ويصل الاحتفاء بذكرى مولد سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ذروته يوم ووليلة الثانى عشر من الشهر ، حيث تزين المساجد والزوايا بسعف النخيل ، وبزخارف من ورق ملون وغيره ، فإذا ما أقبل المساء لبست الزوايا والمساجد حلة بهيجة من أضواء الشموع وأضواء المصابيح ، ويخرج الأطفال يحملون بأيديهم قناديلهم الملونة المنورة يإيقاد الشموع ، يطوف الطرقات ، و يرددون أهازيج فى ميلاد الرسول الكريم .

(حليمة ياحليمة … يامرضعة نبينا … قومى رضعى محمد … مرضعتك غنيمة … صاحو ياصاحو … أهل الدنيا راحوا … أعطاهم مولاهم … واعنا فى مدعاهم ) أو يرددون هذه الأهزوجة وم يجوبون شوارع وأزقة المدينة الجبلية الصغيرة  (هذا قنديل وقنديل فاطمة جابت خليل … هذا قنديل الرسول فاطمة جابت منصور…هذا قنديل النبى فاطمة جابت علي ) ومايكاد يبزغ فجر اليوم التالى الثانى عشر من ربيع الأول  حتى تنهض ربات البيوت مبكرات ، يبادرن إلى إعداد طعام العصيدة ووضعه فى القصاع حسب العادة المعروفة ، ابتهاجا بذكرى الرسول عليه السلام ، ويجتمع الجيران والأهلون فى بيت من بيوت ، أو فى ساحة مسجد من المساجد يتناولون طعام العصيدة فى فرح وابتهاج وفى عصر ذلك اليوم يتجه أكثر أبناء المدينة إلى المساجد لقراءة قصة المولد النبوى ، ويشربون الشراب المحلى بالسكر والمسمى ( شربات ) ، إضافة إلى استقبال شباب المدينة من طرف ربات البيوت وهن يزغردن ويقمن برش ماء الورد وتستمر الاحتفالات طيلة سبعة أيام احتفاء بقدوم المولد النبوي.

وأبرز المساجد احتفالاً فى ذلك اليوم هو الجامع الكبير الذى تملىء ساحته بجموع الحاضرين كبارا وصغارا ، وينتهى الحفل فيه بتقبيل شعرة داخل زجاجة خاصة ، يعتقد أنها من شعر الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويقال عنها أنها من بقايا الآثار النبوية التى تداولتها أيدى الخلفاء والامراء حتى وصلت الى سلاطين آل عثمان بعد انتقال الخلافة الأسلامية إلى حوزتهم وهؤلاء كانوا يهدون تلك الشعرات إلى عدد من المساجد ، ومن بينها بعض المساجد الليبية ، يوم كانت ليبيا ولاية عثمانية ، وتذكر الرواية المحلية أن ( رشيد باشا ) الوالى التركى هو الذى أحضر الشعرة إلى الجامع الكبير بمدينة درنة حيث قدم إليها كما أدى إلى هذا المسجد ساعة حائط كبيرة ولاتزال باقية إلى الآن ..

 وإذ أردنا البحث فى نشأة هذا الاحتفال فسنجد بعض المراجع التاريخية تشير إلى الفاطميين العبيديين باعتبارهم هم أول من احتفل بالمولد النبوى الشريف بشكل رسمى وشعبى ، وكانوا هم الذين حكموا مصر ابتداء من القرن الرابع الهجري ، حيث كانت ليبيا تتبع لحكمهم فى تلك الفترة ماجعل الليبيين يقتبسون ذلك الاحتفال ، إذ لم يكن لهذا العيد وجود فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا فى عهد الخلفاء الراشدين و لافى العهد الأموى أو العباسى ، فكان الفاطميون هم أول من احتفل بالمولد احتفالا ً تعلوه مسحة الأعياد والمهرجانات ، واعتبر المولد فى أيامهم عيد رسميا وشعبيا واسلاميا .

وقد تولع الدراونة بأحياء هذه المناسبة ذات الطابع الدينى  فى العهد العثمانى الثانى كنوع من للتصدي لتغلغل الاوربى فى بلادهم فى تلك الفترة خاصة مع بدايات ظهور طلائع حملات تبشيرية فى بعض المدن الليبية قبيل الاحتلال الإيطالى لليبيا مطلع القرن العشرين  .

هذه الاحتفالات أو العادات الجميلة فى طريقها للاندثار بعد أن أصبحت تتعرض لحملات شرسة من قبل بعض أصحاب التيارات الدينية المتشددة القادمة من صحراء نجد حيث يختلف الارث الحضارى والثقافى بيننا وبينهم .

يـــــا فارس بغداد

اه يا جيــــلاني

احضر يا صداد

البارحة عندما كنت اقلب اليوتيوب وجدت هذا الفيديو الذى سبق لى مشاهدته فى نقل مباشر لاحدى القنوات التونسية فى سنوات ماضية  ..كنت مع اصوات المنشدين اتذكر خالى رحمه الله هو يمسك بيدى وانا طفلة ليقودنى عبر الازقة والدروب الضيقة للمدينة الجبلية الجميلة باتجاه احدى الزوايا لحضور حلقة أنشاد لقصائد و مدائح نبوية ظلت مغروسة فى ذاكرتى عبر الزمن وكأنى مازالت حتى الوقت الحالى اشم رائحة الجاوى والزهر يملاء الجو ، استرجع صوت جدتى لأمى  وهى تردد بعض تلك القصائد فى أثناء أدائها لبعض الاعمال المنزلية ، ودفء اللحظات الجميلة وتواصل الناس مع بعضهم البعض وتألف قلوبهم وتراحمهم واجتماعات الاسر والعائلات فى مناسبة الميلود حول عشاء ليلة الكبيرة اى ليلة الحادى عشر ، وتناولهم عصيدة الميلود فى صباح اليوم الثانى ، اتأسف لحالنا الآن ، فلا تكاد تجتمع الاسرة الواحدة او العائلات والاقارب الا فى مناسبات قليلة وعلى نطاق ضيق جدا ، لا تكاد الاجيال الجديدة تتعرف على كبار العائلة او تعرف شىء عن تقاليد وعادات جميلة ملىء بالكثير من المحبة و التراحم و العطاء .