أرشيفات التصنيف: مقال

عازف البيانو : دراما الموسيقي والحرب

pianist-posterقصة فيلم “عازف البيانو” مقتبسة من كتاب “موت المدينة” لعازف البيانو البولندي اليهودي “فلاديسلاف شبيلمان” حول تجربته إثناء الاحتلال النازي لبلاده، و ماتعرض له هو و أسرته و يهود بولندا على يد النازيين من جرائم و ما عاشوه من معاناة أودت بحياة الكثير من البولنديين من يهود ومسيحيين في فترة الإحتلال النازي لبولندا.

كان شبيلمان يعيش مع اسرته بمدينة وارسو خلال الحرب العالمية الثانية، حيث كان يعمل كعازف في الإذاعة البولندية، و كان من عشاق الموسيقار فردريك شوبان، لهذا تضمن الفيلم العديد من مقطوعات الموسيقار البولندي شوبان.

ينجو شبيلمان من مصير الترحيل إلى معسكرات الاشغال الشاقة، أي الابادة، بفضل ضابط الامن اليهودي المتعاون مع سلطات الاحتلال النازي، إذ يقوم بسحبه من الطابور قبل ركوبه مع افراد اسرته في القطار. يصبح شبيلمان عامل سخرة لدي القوات النازية، و يشهد في تلك الاثناء الترتيبات لثورة البولنديين ضد الاحتلال النازي، قبل أن يغادر هاربا ً حيث ينجح في الاختباء بمساعدة “أندريك وزوجته جانينا” و هما من أصدقائه البولنديين المسيحيين، اللذان يقبض عليهما الشرطة النازية بعد انتفاضة وارسو، و يذهب “شبيلمان” إلى عنوان للجوء إليه في حالات الطوارئ، ليجد أن “دورتا” الفتاة التي كان معجبًا بها منذ سنوات، هي زوجة الرجل الذي أرسل إليه.

بعد ذلك ظل شبيلمان يتنقل بين مخابئ اعدها اصدقائه قبل أن يلقى القبض عليهم إثناء انتفاضة وارسو الكبري، فينتهي به الحال وحيدا ً مختبئا ً في أحد المباني المهدمة في وراسو المحترقة بالكامل، و هناك التقى هوسنفيلد الضابط النازي الذي كان من بين من ساعدوه للبقاء على قيد الحياة، إذ حملت إجابته عن مهنته الخلاص من الموت، فالضابط النازي يُعجب بعزف شبيلمان، حتى أنه وعده بالإستماع اليه عند عودة الأوضاع إلى سابق عهدها، بعودة فالديك للعزف في إذاعة وارسو، وهو الأمر الذي لم يحدث.

في المشهد الأخير نرى شبيلمان يعزف ضمن اوركسترا معزوفة لشوبان في حفل كبير وباذخ. ثم نرى على الشاشة معلومة توثيقية تقول بأن “فلاديسلاف شبيلمان” قد واصل حياته اليومية في وارسو حتى وفاته في العام 2000 عن عمر يبلغ آنذاك 88 سنة، أما النقيب الألماني هوزنفيلد فقد توفي في معسكر بالاتحاد السوفييتي لأسرى الحرب عام 1952.

الفيلم من اخراج الفرنسي – البولندي “رومان بولانسكي”، وأنتاج العام 2002، و تم تصوير الفيلم في بولندا و بريطانيا و ألمانيا، كما أن أطلال البنايات التى ظهرت في الفيلم تعود لفترة الحرب العالمية الثانية، و الموسيقي التصويرية لفوزسيتش كيلار .

تحصل الفيلم على العديد من جوائز الاوسكار عن فئة أفضل ممثل – أدريان برودي، و فئة أفضل مخرج – رومان بولانسكي، فئة أفضل سيناريو مقتبس – رونالد هاروود، كما نال الفيلم العديد من الجوائز في المهرجانات العالمية كجائزة البافتا، و السعفة الذهبية، و السيزر.

كان فيلم “عازف البيانو” التجربة الاهم في المسيرة الفنية للممثل أدريان برودي، إذ شكل نقلة كبيرة بفوزه بجائزة الأوسكار في سن لم يتجاوز فيها التاسعة و العشرين من عمره، و قد تألق النجم برودي في تقديم شخصية العازف البولندي شبيلمان، كما نجح بولانسكي في تصوير معاناة ضحايا الاحتلال النازي، فهو لم يقصر الأمر على توثيق الجرائم بحق اليهود، بل قدم جزء من محاولات البولنديين للثورة على الاحتلال، و الاحتفاء بنضالهم.

من الأشياء الجيدة حول هذا الفيلم تحديدا هو نجاحه في تقديم صورة متوازنة حول وجود يهود خانوا أبناء دينهم و وطنهم، بالمقابل كان هناك ألمان نازيين لم ينسلخوا عن انسانيتهم كليا ً، و ربما هذا ما وضع كتاب شبيلمان في قائمة الكتب الممنوعة في بولندا و الاتحاد السوفياتي، و لاحقاً في إسرائيل إذ اعتُبر من غير المعقول و المنطقي للأسرائيليين أن يدين يهودي بحياته و نجاته من الإبادة لضابط ألماني نازي.

مابين مشاهد طويلة، و أخري قصيرة، و تجنب التركيز على المعارك الحربية،واستخدام الاضاءة والموسيقى قدم بولانسكي فيلم يمس الروح، كما يحفز المشاهد على ادراك تأثير الموسيقى على بعث شعور الأمل و التشبث بالحياة حتى في أحلك و أسوء ما يمكن أن يمر به الانسان. فالموسيقى تحرك انسانية الضابط النازي، و تعطي لشبيلمان طاقة لتحمل البقاء حبيس جدران شقة مخصصة كاحدى المخابئ، ففي مشهد لايُنسي يجلس أمام آلة البيانو ليعزف في الهواء محركا ً اصابعه ،دون أن يلمس البيانو، خوفا ً من لفت انتباه الجيران لوجوده في الشقة المغلقة و المهجورة .

من الأشياء اللافتة لانتباه بالنسبة إلى عند مشاهدتي لهذا الفيلم هو لجوء شبيلمان للعزف في الظروف الصعبة التي تلّم به، ففي هروبه و تنقله في المباني المهدمة، و خطر وجود الجنود النازيين، و معاناته مع الجوع و البرد، يجلس في احد المباني تلك ليعزف على بيانو وهمي مقطوعات كان يقدمها لجمهوره من المستمعين.

كما ان اختيار مقطوعات شوبان الموسيقار البولندي لتكون ضمن ماعزفه شبيلمان بالفيلم، اضفى على الفيلم مسحة من الخصوصية، فمقطوعة  “النكيتورينوز” الفها شوبان عام 1830 م، و هي كانت مهداة لشقيقته، تميزت برقة ممزوجة بمسحة كآبة شاعرية، و قد اعتُبرت من الابتكارات الموسيقية الجديدة لآلة الييانو، تميز شوبان بالقدرة على الارتجال على المسرح، بعيدا عن القواعد الموسيقية، مما جعل جمهوره يسعد بحضور حفلاته، إذ كان بهذه الارتجالات يحرك عواطف المستمعين ويثير لديهم مشاعر الحنين و الشجن ، فأستحق لقب شاعر البيانو .

بعيدا ً عن التصنيف المسبق لمثل هذا النوع من الافلام المرتبطة باإبادة اليهود على أيدي النازيين ، فيلم “عازف البيانو” عمل فني متكامل وناضج من حيث الشكل والمضمون.

عزف “فلاديسلاف شبيلمان” لمقطوعة النكيتورين ، شوبان:

بيوغرافيا الجوع فى سيرة البلجيكية آميلي نوثومب..

1965065_741506112528678_330263043_nهى أقرب أن تكون سيرة روائية تقوم على تجارب حقيقية للروائية البلجيكية إيميلى نوثومب ، فقد عاشت إيميلى حياة تنقل برفقة والدها الدبلوماسى البلجيكى فقد عاشت فى عدة دول كاليابان و الصين والولايات المتحدة الامريكية وبنغلاديش و الهد وكمبوديا حتى تعود الى بلدها الام فى سن المراهقة ، تسرد لنا إيميلى سيرتها الذاتية من خلال الارتكاز على فكرة الجوع فى حياتها ، فتبدأ كتابها بالحديث حول أرخبيل اوقيانوسى يدعى فانواتو لا يجوع سكانه لكثرة الطعام الذي يتعدى حاجة الناس هناك لذا أهل فانواتو مسالمون جدا، كأن السأم مقيم في أنفسهم، لهذا لا يكترثون بأي شيء، حياتهم يفتقدون للسعى لوفرة الطعام ، مايجعلهم منسيين فى العالم ، فالروائية البلجيكية تدلل فى الفصل الاول عن دور الجوع و المجاعات فى تولد روابط وصلات ، وتخلق نزاعات وصراعات وحروب ، ثم تطرح إيميلى سؤال تحاول من خلاله الربط بين مقدمتها الغريبة نوعا ما وبين ماسترويه عبر صفحات سيرتها الذاتية ، إذ تتسائل : هل يوجد جوع هو فقط جوع البطن وليس مؤشراً على جوع أعم؟ وتعطى اجابة اولية هى : فالجوع يعني تلك الحاجة الفظيعة التي تمس الكائن كلّه، ذاك الفراغ الآسر، وذلك التوق لا إلى الامتلاء الطوباوي بل إلى تلك الحقيقة البسيطة: فحيث لا يوجد شيء، أتطلع لأن يكون ثمة شيء.

تمضى عبر باقى فصول الكتاب مجيبة على ماطرحته من تساؤل و ماتوصلت اليه من إجابات عبر إعادة تأمل حياتها ، فتبدأ فى تذكر طفولتها التى قضتها فى اليابان فتتحدث عن جوعها لأشياء وأن تكون بسيطةكجوعها للسكاكر،أو للهرب من الحضانة، و عن جوعها لمربيتها اليابانية.

ثم تنتقل العائلة من اليابان إلى الصين بحكم عمل والدها كسفير ، لتكتشف إميلي أنها أمام جوع أكبر، وهو جوعها للبشر. ففى زمن الثورة الثقافية وماويحكم الصين كان يُصعب على أى اجنبى الاقتراب من الصينيين ، خاصة إذ كان ذلك الاجنبى قادم من اليابان و من أصل أوربى أكثر انفتاح ، فيتحول جوعها فى الصين من البشر الى نهم القراءة فتنغمس تماما فى عالم الكتب خاصة كتب الكبار لتكتشف عالم جديد لم يسبق لها معرفته .

من الصين الشيوعية الى الولايات المتحدة الامريكية البلد الرأسمالى يكون المحطة التالية فى سلسلة تنقلات والدها ، وفى نيويورك حيث يعمل والدها كممثل لبلدها فى الامم المتحدة تكتشف إيميلى عن جوع جديد يحكم حياتها ، وهو جوعها للماء فتصبح مهووسة بشرب كميات كبيرة من الماء فى ساعات قليلة .

تستمر التنقلات إلى بنغلادش حيث تتعرف على الجوع الحقيقى للغذاء فى ابشع وجوهه التى لاتحتملها فتنطوى على نفسها ممضية سنوات اقامتهم بالبلد فى الاستلقاء على كنبة والاكتفاء بصحبة شقيقتها الوحيدة جوليا ، عبر سلسلة التنقلات التى عشتها مع إيميلى كنت فى كل مرة اتعرف معها على تجسد مختلف للجوع فى حياتها حتى عودتها لبلجيكا لدراسة فقه اللغة فى جامعة بروكسل الحرة .

صدرت السيرة الروائية فى العام 2004 ضمن كتاب مقسم الى 60 فصل ، كل واحد من تلك الصول تتراوح صفحاته بين الواحد الى أربع صفحات ا وفى بعضها صفحة واحدة ، استخدمت الروائية اسلوب خفيف ومسلى نوعا ما ، بعد أن اسهبت فى وصف جزر فانواتو وطبيعة السكان والحياة هناك فى مقدمة مملة كادت أن تجعلنى اترك الكتاب فى اوله ، فهو من نوعية الكتب التى انتابتنى أثناء قراءتها مشاعر مختلطة ، فقد صدمتنى بحديثها عن مشهد اغتصابها وكيف صورته ببرودة ومرت عليه مرور عابر وكأنه لم يترك أى آثر فى المراحل اللاحقة من حياتها ، كما اصابتنى حالة فزع من اصرار الروائية على الحديث عن ادمانها لتناول الخمور خلسة او حتى برفقة اسرتها وهى لم تتجاوز التاسعة ، ماجعلنى اتسائل هل هى جزئية مختلقة ضمن مخيلة إيميلى الغرائبية المدهشة إم أنها تروى ماحدث حقيقة فى طفولتها ، من ناحية اخرى أحببت حديثها عن ولعها بمربيتها اليابانية وولعها باليابان الذي اعتبرته وطنها ، لتقدم صورة فاتنة لذلك البلد الآسيوى ثم تعود فى كتابها (ذهول ورهبة) محطمة اسطورة بلد الشمس المشرقة ،  اعتقد لو أننى قرأت بيوغرافيا إيميلى قبل (ذهول ورهبة ) لربما اصابتنى صدمة كبيرة ، ولكنى استطعت ان اتفهم من أين اتت رغبتها فى تحمل ظروف عمل صعبة وقاسية فقط للبقاء فى اليابان حيث قضت طفولة جميلة ، بالاضافة الى ذلك فقد احببت شرهها تجاه القراءة فهى لامست شىء بداخلى ، ففى طفولتى كنت مثلها اقرا بنهم غريب كل ماتقع عليه يداى من كتب او مطبوعات للكبار ، اعجبنى حديث إيميلى عن نيويورك ، ووصف بنغلاديش البلد الفقير وشعبه الودود المسالم .

أكثر ما ازعجنى فى الكتاب الثيمة الاساسية التى اختارتها الروائية البلجيكية ، فبرأيى بالغت فى تقديم وصف مفصل و ممل لعاداتها الغذائية وعادات اسرتها ، خاصة عادات والدها فى الاكل ، اعتقد أن إيميلى قد أساءت استخدام ثيمة الجوع فى بعض المواضع من الكتاب ، ورغم ذلك يظل لكتابات إيميلى فرادة كبيرة لسلاسة أسلوبها وقدرتها على التلاعب بالالفاظ مايجعل قراءة أى عمل لها مفيد ، وممتع الى حد كبير، فهى تبدو مختلفة عن الروائيات الشابات اللائى ظهرن فى الالفية الجديدة .

فرقة”بساطة” المصرية تقدم غناء يعبر عن الاختلاف

995741_10151469224302554_462838894_nفرقة بساطة هم مجموعة شباب مصريين اتخذوا من بساطة الكلمات والألحان طريقهم للتعبير عن أحلام وآمال بسيطة للشباب العربي ، رافعين عند تأسيس الفرقة شعارين “مزيكا وغنا من هنا” و” هنغني للحب الحاجات التانية”.

مؤسس فرقة “بساطة” هو الفنان التشكيلي والموسيقار نبيل لحود رحمه الله فى يناير من سنة 2009 م ، يتكون الفريق من ثمانية اعضاء يعزفون ويغنون اغاني الفرقة هم نبيل لحود ، وابنته ماريز ، و ايهاب عبدالواحد ، و ايهاب سمير ، و امير سمير ، و مايكل فؤاد،و رائد سيكا و هاني سيكا ، أصوات مدربة ،جميلة ،ودافئة قريبة من القلب ، ومريحة للاذن.

وكانت بداية حفلاتهم الأولى في ابريل من سنة 2009 بساقية الصاوي ، لتساهم الشبكات الاجتماعية كالفيسبوك واليوتيوب وغيرها فى انتشار اغانى واعمال هذه الفرقة التى تقدم توليفة موسيقية مميزة، بمزجهم بين الآلات الشرقية كالعود و الرق والطبلة، بالآلات الغربية كالجيتارات، و بالموسيقى الكلاسيكية كالتشيلو .

وغناء كلمات مختلفة عن السائد فى الغناء التجاري بالعالم العربى ، كلمات تحمل معان عميقة بشكل بسيط وشديد التكثيف في نفس الوقت ، إذ التفت مؤسس واعضاء “بساطة “إلي غناء الموضوعات البعيدة عن الحب والهجر والفراق ، التى تستحوذ على معظم الغناءالعربي،فتنوعت الموضوعات فى اغانيهم ما بين الحديث عن الوطن ، وحول ذكريات الطفولة ، والغناء للحرية وكسر القيود.

ويقول مؤسس الفرقة نبيل لحود رحمه الله عن ذلك :” هناك موضوعات كثيرة تهم الناس لكن لا أحد يتناولها، فنحن في محاولة تقديم مشروع ثقافي، شاركنا فيه مجموعة من الشعراء الأصدقاء”.

وتقدم فرقة “بساطة” موسيقاها عبر فكرتين الأولي الانتماء لوطن ، والثانية هي الاختلاف عن السائد فى الغناء.

ويوجد فى رصيد الفرقة مجموعة من الاغاني الجميلة منها “كذاب وهتجوز ، حالنا حال ، قدام مدرستي ، الفجر ، الليل ، يا مصر عايزة الحق ، احنا بندن فى مالطا” .

وشارك فى كتابة كلمات اغانيهم مجموعة من الشعراء الشباب ممن اختاروا الابتعاد عن المعتاد ، من بين تلك الاسماء : اسلام حامد ومحمد سرحان وسامي الرفاعي وسالم الشهباني وهشام الجخ، كما كان لعدد من الشعراء الكبار أمثال أحمد فؤاد نجم وأحمد رامي ومن رباعيات الخيام نصيب فى غناء كلماتهم ، وكان اول اغانيهم المصورة على طريقة الفيديو كليب لاغنية(المولد 2010) ، وقد حققت الفرقة نجاحات كبيرة فى الحفلات التى اقامتها فى الداخل والخارج .

كانت اعمال هذه الفرقة الجميلة بأغانيها المميزة من بين الانتاجات الموسيقية التى اتاح الانترنت فرصة التعرف علي مشروعهم الموسيقي والغنائي المختلف، وكانت اكثر اغانيهم تفضيلا بالنسبة إلي اغنية “ايام زمان” غناء ماريز نبيل لحود ، واستعمُلت كمقدمة مسلسل (حنان وحنين)بطولة عمر الشريف ، و اغنية “كلمة حق،إحنا بندن فى مالطة” وهي من كلمات الشاعر: كمال كامل ، ألحان: إيهاب عبد الواحد .

ستحتفل الفرقة في السابع عشر من أبريل القادم بعيد ميلادها السابع ، فكل عام وهم مكللين بالمزيد من النجاحات .

يوميات صنع الله في سجن الواحات…

5948600يتناول نصر الله ابراهيم فى كتاب “يوميات الواحات” تجربة الشيوعيين المصريين في المعتقلات بعد 23 يوليو ، بالإضافة لاستعراض بدايات تجارب الكتابة لديه بتلك الفترة من حياته ، يتحدث عن نشأته وأسرته بشكل مختصر ومركز مبينا ً دور والده فى زرع بذرة التمرد على الواقع بمصر فى عقد الأربعينات ، ثم عن دخوله الجامعة ، والمشاركات الأولى فى الأنشطة الثقافية والسياسة الحزبية ، بالإضافة للمرات الأولى لاعتقالات بمراكز الشرطة قبل أن ينتمى الى الحركة الديموقراطية للتحرر الوطني (حدتو)، احد الأحزاب الشيوعية قبل أن يدخل معقل الواحات فى العام 1959م ، إذ بدأ نظام الحكم فى تلك الاعوام بحل التنظيمات للأبقاء على تنظيم واحد يسهل السيطرة عليه ، لهذا دخل ابراهيم صنع الله مع الكثير من المثقفين والأكاديميين والنشطاء و زعماء النقابات العمالية ، و الشخصيات الحزبية الى ذلك المعتقل سىء السمعة ، وذلك لاجبارهم على حل تنظيماتهم ، و الحاقهم بالعمل فى الاتحاد الأشتراكى ، والتنظيم الطليعى ، وهما من تنظيمات النظام الخاضعات لمراقبته وسيطرته عليها.

فى القسم الخاص باليوميات المدونة على أوراق أكياس الاسمنت ، والأرز ، وورق لف السجائر ، على ذلك الورق المكتوب بحبر الميكركروم سنتعرف على تجربته الكتابية ، واعماله الروائية وقصصه القصيرة ، و ملاحظاته على كتب ومؤلفين قرأ اعمالهم بتلك الفترة الصعبة من حياة صنع الله بداخل المعتقل ، عن طريق تهريب تلك الكتب وتبادلها مع رفقاء السجن .

هذه اليوميات تضم أسماء الكثير من الاعمال الروائية المولودة بالسجن كرواية الشمندورة للروائى النوبى “محمود قاسم” أو قصائد الشاعر فؤاد حداد ، أو رواية المتمردون للكاتب صلاح حافظ والتى تحولت لفيلم من أخراج توفيق صالح . كما سنقرأ حول الكثير من الاسماء الثقافية والأدبية والفكرية من تيارات مختلفة ، وسنتعرف على أساليب المعتقلين فى تهريب أوراقهم وكتاباتهم خارج السجن ، عن ايصال الأخبار والرسائل لأهاليهم ، عن تفاصيل المعيشة والحياة وسط بيئة صحراوية صعبة ، وظروف شديدة القسوة ، لاتضاهيها سوى شراسة وقساوة القائمين على ذلك المكان من سجانين و ضباط وموظفين .

هذه الكتاب شهادة تاريخية مهمة على وحشية الأنظمة القمعية فى الدول العربية ، بالإضافة لرصدها لتطورات الأساليب البوليسية فهو أى نصر الله يشير لحقوق المعتقلين فى الحصول على راديو وكتب وأوراق واقلام فى السجن ايام المملكة المصرية ، فى حين حُرموا من أبسط الحقوق أى تناول طعام نظيف ، ومكان نظيف و ايصال الرسائل والاخبار لأسرهم ايام الجمهوريات العسكرية العربية .
كتاب لا يقُرأ للتسلية ، بل لتعرف على ماوراء الشعارات الرنانة التى ترفعها الأنظمة العربية منذ حوالى ستة عقود

ريام وكفى رواية عراقية فى سباق البوكر للعام 2015 ..

هدية_1تدور أحداث رواية “ريام وكفى” حول أربع نساء من أسرة واحدة تنتمى للطبقة الوسطى بالعراق ، الإبنة الصغرى التى تحمل اسم “كفى” اطلقه والدها”ياسين الفضلى” كى تتوقف زوجته عن انجاب المزيد من البنات ، بينما اطلقت عليها امها اسم “ريام” كمناكفة لحماتها ، وتمردا ً على زوجها الذى سيتزوج عليها زوجة أخرى تنجب له الولد الوحيد للأسرة ، تلك الإبنة “ريام وكفى” هى التى ستسعى لنبش الماضى ، وتعيد كتابة حكايات نساء تلك الأسرة ، وتروى أسرار علاقاتها بالرجال الذين عبروا بحياتها.

تعمل الأم فى الخياطة بالمنزل هربا ً من خيانات الزوج و استهتاره ، الذى سيبحث عن زوجة جديدة صغيرة يأتى بها لتعيش فى بيت العائلة مع الأم وبناتها الثلاث ، اللائى سيرثن مهنة الأم ، ويواصلن العمل فى الخياطة واشغال التطريز حتى بعد رحيلها.

الأبنة الكبيرة “هند” تلتحق بوالدتها فى غرفة الخياطة لتتعلم منها و تكتسب مهارات تزيين الفساتين والعباءات برسوم وتطريزات لفراشات و ورود ، ولينتهى بها الحال فى الرواية لتقمص او التماهى مع شخصية الأم ، بعد مرورها بزواج فاشل.

أما الأبنة الوسطى “صابرين” المرحة الودودة ، الشغوفة بوالدتها وبعالم التفصيل و تزيين العباءات والأوشحة ، وبتتبع القصات عبر الباترون ، تتعرض لامتحان عسير على يد العم “نعمان” الواقع فى قبضة الادمان على الخمور والحشيش بعد محنة فقدان الزوجة وولديه الوحيدين ، فى لحظة فقدان الوعى يتحرش بإبنة الأخ ، التى ينتهى بها الحال للوقوع فريسة الاكتئاب ثم الانتحار.

فى حين تكون الإبنة الصغرى “ريام وكفى” البنت صاحبة الفضول ، والشغوفة بتتبع الأسرار وتفكيك الالغاز ، تتمرد على قوانين الأب الصارم الذى لاتتذكر من طفولتها معه إلا العقوبات الصارمة والضرب ، ووساطات زوجة الأب الصغيرة أم الولد .

فى البداية تتردد “ريام” فى تعلم مهنة الأم التى ستصبح صاحبة محل لبيع الأبسة النسائية تضع عليه يافطة تحمل اسمها “سمر الفضلى” تعويضا عن لقب (أم البنات) الذى كان الزوج والحماة ينادونها به كمناكفة ومضايقة لها لانها لم تنجب الولد.

و تعى “ريام” كل تفاصيل الحياة بين الأب والام ومايشوبها من توترات و مشادات صامتة او مسموعة لمن حولهما ، و تنتهى تلك الحياة الزوجية بين الأثنين بموت الأب بعد فقدانه لزوجته أم الولد الذى سيكبر فى حضن الجدة التى ستعمل على افساد تربيته فينتهى به الحال لدخول السجن مرارا وتكرارا ، قبل أن يختفى من حياة الأسرة بالسفر والهجرة للخارج .

الأبنة “ريام” تقع فى الحب أكثر من مرة أولها فى سن مبكرة لم تتجاوز الثالثة عشر من عمرها مع ولد يبلغ السادسة عشر يدعى “ريحان” ينتمى لمعدان سكان الأهوار ، ثم يخرج من حياتها بعد افشاء “هند” لسر تلك العلاقة البريئة بينها وبين “ريحان” وتدخل الخال بمنعها من مقابلته و ضرب الولد الذى يرحل للأهوار حيث يختفى اثره .

ثم يدخل حياتها ثلاث رجال احدهم هو ربيب صاحب المحلات التى تبيعه أمها انتاجها من الثياب ، ولأجل هذه العاطفة تترك الجامعة و تبدأ فى تعلم الخياطة لأجل ان تكون قريبة من مكان عمل ذلك الحبيب ، و لكنها تخيب فى ظنها إذ يصبح قاتل لوالدته الهاربة مع عشيقها ، ثم تتوهم مشاعر حب تجاه جار يتبين لها انتماءه لتنظيم محظور ويصبح مطارد ، بينما الرجل الثالث هو صاحب مكتبة تترد عليها ولكنها لا تنتبه لمشاعرها تجاهه إلا بعد فوات الاوان ، إذ يختفى من حياتها بعد ان تجد المكتبة قد أصبحت محل لبيع الملابس .

بعد حلم ترى خلاله “ريام” والدتها تقرر أن تفسره على أنها تحرضها وتحثها على تغيير مسار حياتها وترك العمل فى الخياطة ، و مغادرة البيت لاكتشاف الحياة من أبواب أوسع ، فتغادر حاملة حقيبة سفر تضم أوارق رواية كتبتها حول حياتها وحياة نساء أسرتها ، و عن فاطمة مساعدتها بالعمل .

***

“لماذا أكتب عن تلك الأيام وأستحضر أرواح من ماتوا؟ هل خوفاً من نسيان ماجرى كما أحب أن أقنع نفسي، أم لأهرب من رمال الصحراء التي غطت حقولي وأحاول درأها لكي لاتتيبس تماما؟ أم تراها رغبة لتخفيف الضغط على قلبي من هزيمة في الحب ؟ أم تراها هذا وربما ذاك وربما لكل تلك الاسباب ..”

تحاول الساردة أى “ريام” أن تفسر او تبرر الرغبة المفاجئة التى انتابتها فى كتابة رواية توثق من خلالها تاريخ نساء عرفتهن فى حياتها ، مع مواصلتى للقراءة حتى النهاية ،لم تنجح “ريام” فى تبرير بعض تصرفاتها أو قراراتها التى بدت لى ، على الأقل غير مفهومة نوعا ما ، فى اطار ماكتبته حول تاريخ الأسرة ، والعلاقة بين الأب والأم ، كما لم يكن لمعاناة الأم أى اثر على نفسية “ريام” فى سن أكبر ، حتى بعد ذهابها للجامعة وتخصصها بالدراسات التاريخية تنفيذا لرغبة قديمة نشأت وقت علاقتها البريئة “بريحان ابن المعدان” لم يتطور وعي “ريام” او يتواصل نموها النفسى والعقلى ، بل ظلت أسيرة لرغبات متقلبة .

استحوذت شخصية الأم “سمر الفضلى” على اهتمامى اكثر من أى شخصية نسائية فى الرواية ، إذ بدت أكثر نضج ووعى وحكمة فى التعامل مع تقلبات الحياة ومعاناتها مع زوج مستهتر وجاحد ، وحماة قاسية القلب ، و أذكى فى تعاملها مع ضرتها ، وأكثر صلابة فى مواجهة اطماع الرجال من حولها ، و تملك ادراكها الخاصة للحياة ، وربما الربط بين شخصية الأم و شخصية المطربة الكبيرة “عفيفة اسكندر” كان فى محله .

العلاقة المتوترة بين “ريام” و “هند” لم تكن منطقية او مفهومة فى سياق السرد الروائى حول حياتهن الأسرية ،إذ تكتفى “هدية حسين” بتقديم مختصر نوعا ما لشخصيات الرواية ، فجاءت معظمها سطحية فى تفكيرها و مفتقدة للعمق النفسى فى سلوكها ، وفاقدة للثراء الروحى ، مايجعل تلك الشخصيات الروائية سهلة النسيان بعد مرور الوقت على قراءة الرواية . 

حاولت الكاتبة تقديم نماذج نسائية من المجتمع العراقى ، وتسليط الضوء على مشاكلهن الاجتماعية ، ولكنها لم تنجح فى وضع حكاية فاطمة الأرملة فى مكانها الصحيح إذ كان بالامكان استعمالها لتسليط الضوء على مشاكل النساء العراقيات ضحايا الحروب الكثيرة التى خاضها البلد خلال العقود الماضية ، وبالرغم من الحاحها على “ريام” بكتابة حياتها فى الرواية التى اعلنت عن بدء الشروع فى تأليفها .

تبدو الرواية أقرب لحكايات يتبادلنها النساء فى جلسات تناول القهوة او الزيارات الاجتماعية ، الحبكة الروائية غير معقدة ، سلسة ، تناسب عبرها الحكاية ببساطة لتروى حياة النساء الأربعة ، حاولت الكاتبة استخدام فن الحكى الشفهى من خلال حكايات والدتها حول ماضى اسرتها ، مع يوميات ريام ، والتى لم يظهر لها أى اثر فى ثنايا الحكاية ، رغم اعلنها فى بداية الرواية بأنها ستكتب مستندة ليوميات كتبتها فى العشرين ، ولكن لم يظهر منها شىء حتى خاتمة الرواية ، واكتفت بالاسهاب والاستطراد فى حديث “ريام” واسترجاعها لذكرياتها من الذاكرة ، كل ذلك فى لغة جيدة ، متماسكة ، ولاتخلو من نفحات شاعرية .

استخدام الوقائع التاريخية ، و استعراض لجوانب من العادات والتقاليد والموروث الشعبى العراقى اضفى على الرواية مسحة جميلة ، ومنحها ملامح واضحة للخلفية التى تتحرك فيها تلك النسوة .

السؤال هل تستحق أن تصل هذه الرواية للترشح للقائمة الطويلة لجائزة البوكر للرواية العربية ، برأيى كقارئة لا ، فهى رواية عادية ، لا تحوى شخصيات مؤثرة ، أو سرد مشوق .

***

هدية حسين كاتبة وروائية عراقية مقيمة في كندا. صدره لها تسع روايات وست مجموعات قصصية وكتاب في النقد، و ترجمت روايتها “ما بعد الحب” (2003) إلى اللغة الإنجليزية عن دار “سيراكيوس يونفيرستي بريس” الأميركية عام 2012، وترجمت لها مجموعة قصصية إلى اللغة الصربية بعنوان “وتلك قضية أخرى” (2002) كما ترجمت العديد من قصصها إلى الإنجليزية والإيطالية والصربية، وفازت بالجائزة الأولى عن أندية فتيات الشارقة عام 1999.

***

رابط أغنية ( الله لو تسمع هلي) للمطربة العراقية “عفيفة اسكندر” التى كانت ترددها “سمر الفضلى” والدة “ريام” ..

https://www.youtube.com/watch?v=p7PPKXCJxBg

شوق الدرويش فى سباق البوكر للعام 2015..

6a613e94a2894780b6629cad5c7dfc84“كل شوق يسكن باللقاء، لا يعوّل عليه”
                                                   ابن عربي

قرأت عبر موقع القودريدز آراء وتعليقات القراء حول رواية جديدة اسمها “شوق الدرويش” لروائى سودانى شاب اسمه “حمور زيادة” صدرت بالعام الماضى 2014 ، ونالت رضاهم واستحسانهم مما حفزنى لوضعها على قائمة القراءة لشهر يناير 2015 ، و لم يكن اعجاب الأصدقاء من مشتركي الموقع هو الحافز الوحيد لذلك ، او ظهورها على القائمة الطويلة لترشيحات البوكر لعام 2015 ، إذ كنت اضع بالاعتبار رغبتى الدائمة فى توسيع أفق قراءاتى بإتجاه عوالم ودول جديدة وأماكن وثقافات لا نعرف الكثير عنها خاصة فى عالمنا العالم العربى ، بالرغم من كل الدعايات حول الأخوة فى الدين واللغة والأصل المشترك والخ من ديباجات وكليشيهات كنا نسمعها فى وسائل الأعلام الحكومي الرسمي لأنظمتنا السابقة دون أن نعرف او نتعرف حتى على أنفسنا وثقافاتنا وتاريخنا ولو بالقدر اليسير .

***

تبدأ رواية شوق الدرويش مع نهاية المهدية بالسودان أى العام 1898م ، إذ يُهزم” عبد الله التعايشي “خليفة مهدى الله و دخول القوت الأنجليزية والمصرية إلى أم درمان عاصمة الدولة المهدية ، و استرداد بطل العمل الروائى “بخيت منديل” حريته وسط الفوضى التى تعم المدينة إذ يُطلق سراحه من سجن (الساير ) ليخرج باحثا ً عن أعدائه لينتقم لمقتل ثيودورا/حواء حبيبة القلب .

عبر صفحات الرواية نتعرف على حكاية “بخيت منديل” و اليونانية “ثيودورا/حواء” التى جاءت من الإسكندرية إلى الخرطوم ضمن البعثة التشيرية لتقع فى أسر جنود المهدى ، وينتهى بها الحال فى بيت أحد كبار التجار الانتهازيين ممن ركبوا موجة الحركة المهدية لتحقيق مكاسب شخصية ، فيدخلها سيدها إبراهيم ود الشواك الاسلام بالقوة ، طمعا ً فى معاشرتها كجارية ومع رفضها وماقومتها لمعاشرته يعاقبها بالختان والنبذ قبل أن ينهى حياتها بعد محاولتها الفرار الفاشلة برفقة إحد الأدلاء ممن قادوها فى رحلتها للخرطوم ، قبل أن تعقد العزم على الفرار تلتقى بالعبد “بخيت منديل” المحرر لتوه من نير الأسر لدى سيده المصرى “سعيد أفندى” بعد هزيمة “جردة النجومى ” فى منطقة توشكى بالجنوب المصرى ، فتتوطد المعرفة بين بخيت و ثيودورا/حواء ، وتتحول مشاعر الود الى حب عميق من طرف بخيت ، بينما تظل ثيودورا/ حواء تتخبط بين مشاعر القبول والرفض لمشاعر الحب تلك ، وبين الحيرة تجاه حقيقة ماتشعره ومايختلج فى أعماقها من اعجاب وعاطفة سامية “لبخيت” الذى ينتمى للأرض التى تسببت لها بالكثير من الألم و الوجع والفقد ، و تظل مشاعر الحيرة تتجاذبها حتى لحظة الرحيل.

خروج “بخيت منديل” من السجن وسعيه لانتقام لمقتل الحبيبة ثيودورا /حواء يقوده للوقوع بين يداى “الحسن الجريفاوي” طالب القرآن وتلميذ أحد كبار الصوفيين ، ومن سيكون صهره بعد زواجه من ابنته فاطمة “الجريفاوى” قبل أن يطلقها ليلحق بالمهدى من أجل رفع الظلم واقامة العدل ، ونشر الإسلام وفقا لرؤى يوتوبية ، من خلال “الحسن الجريفاوى” نتلمس مشاعر نموذج عن البسطاء والمؤمنين الأنقياء ممن يمتلكون قابلية الإيمان الإعمى بالمخلص أو المنقذ قبل أن يقعوا ضحايا لشكوك تقودهم لفقدان ذلك الإيمان العميق .

***
من خلال ايقاع سريع ومشوق نتعرف على حياة “بخيت منديل” من العبودية والأسر الاستغلال الجسدي والسجن و العنصرية ، و على حياة الأوربيين والمصريين والأتراك الموجودين بالسودان بتلك الفترة التاريخية ، عن ظلم الحاكم الأجنبى أثناء فترة الحكم التركى – المصرى أو الحكم الأنجليزى ، عن المظالم التى وقعت فيها دولة المهدى ، عبر تقنية الفلاش باك أى العودة للتذكر بين الحاضر و الماضى دون الألتزام بخط زمنى واحد قد يبعث الرتابة فى نفس القارىء ، يقسّم الرواية فصولاً تحمل أرقام ، والفصول الى فقرات مرقمة .

كما يلجأ “حمور زيادة ” لاستعمال أدوات سردية عدة نتعرف من خلالها على باقى خيوط الحكاية و أقدار إبطالها الرئيسيين “بخيت منديل” و “ثيودورا/ حواء” و ” الحسن الجريفاوي” فيتداخل السرد الروائى مع الوثائق التاريخية ، و الحكايات الشعبية ، و الأغانى ، و الرسائل والمذكرات ، وحتى النصوص الدينية من القرآن الكريم و التوراه والانجيل ، و القصائد والنصوص الصوفية .

لم استسغ العاطفة الجياشة ، المغرقة فى الرومانسية عند “بخيت منديل” تجاه “ثيودورا/حواء ” رغم وجود “مريسيلة ” الحسناء السودانية التى بذلت أقصى جهدها مضحية بالكثير لاسترضائه ، كما لم افهم الدوافع أو المبررات النفسية “لبخيت منديل” بأصراره على الانتقام لحبيبته التى لم ترق أو تلين أمام كل تلك العاطفة القوية النبيلة .

إيضا لم أجده تصرف مفهوم من سعيد أفندى المالك المصرى للعبد” بخيت منديل ” بإعطائه حريته و ومنحه كمية كبيرة من المال ، رغم فقره وعوزه وسعيه لجمع المال .

كانت شخصية”الحسن الجريفاوى ” تتمتع بسحر وجاذبية وتأثير أكثر من أى شخصية أخرى بالرواية ، إذ جاء تكوينها النفسى واستعدادها الصوفى متساقا ًمع الأحداث التاريخية بالبلد فى الفترة التى يتناولها الكاتب ، كما أحببت شخصية “مريسيلة” بشجاعتها وكبريائها وعاطفتها الصادقة فى مواجهة شبح ثيودورا /حواء الحائم حول “بخيت منديل” وحرمان “مريسيلة ” من فرصة الحصول على قلبه .

***
حمور زيادة هو صحفي ومدون سودانى ، يقيم حاليا بالقاهرة منذ عام 2009 ، صدرت له مجموعتان قصصيتان هما “سيرة أمدرمانية” و”النوم عند قدمي الجبل” ورواية “الكونج ” ، و رواية “شوق الدرويش” التى دخلت القائمة الطويلة لترشيحات جائزة البوكر لعام 2014 .

وقد سبق أن فازت نفس الرواية بجائزة نجيب محفوظ للأداب عام 2014 ، والمثير للانتباه هو ماورد فى كلمة لجنة التحكيم لجائزة محفوظ حول الأسباب و الحيثيات التى ساهمت فى فوز الرواية :” هى سرد لقصة الحب والاستبداد والعبودية والقهر والثورة المهدية في السودان في القرن التاسع عشر… ما جعلها تجسد المشهد الحالي في المنطقة حيث تعم الفوضى نتيجة للتطرف الديني ” ، مما دفعنى للتساؤل عن نزاهة لجنة التحكيم فى هذا الشأن ، كما احيت بداخلي التساؤلات القديمة الجديدة التى تثار حول الجوائز والتوظيف السياسى والايديولوجى لها ، و محاولات استغلال بعض الاعمال والاسماء الروائية المخضرمة او الشابة ضمن هذا الاطار ، أيضا قد يتم استغلال هذه السطور من نص حكم لجنة التحكيم من قبل اشخاص كثر لن يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن الرواية وقرأتها لاستيعاب ماأراد الروائى “زيادة” أن يعبر عنه من تأويلات و وقراءة جديدة لفترة تاريخية مهمة من فترات التاريخ السودانى الحديث .

بعيدا عن الرأى السياسى الفج لقرار لجنة التحكيم بجائزة محفوظ أرى كقارئة وباحثة تاريخية رواية “شوق الدرويش” تمتعت بمواصفات العمل الروائى المتكامل ، و جاء استعمال الأحداث التاريخية الممزوجة بمهارة مع حكاية بخيت مع ثيودورا لتقدم لنا السودان بكل مافيه من ثقافات واثنيات وابطال تاريخيين وموروث صوفى و شعبى دون عناء أو تكلف ، الشىء المزعج فى نسختى من الرواية هو الطباعة الرديئة والتنسيق السىء الذى اشعرنى ببعض الضياع فى تتبع الحكاية حتى نهايتها ، إذ كنت اضطر لتحديد بداية كل فصل أو فقرة جديدة ، بالإضافة لوضع علامات حول اسماء الأشخاص و الاماكن والمعارك كى اقدر على الاستيعاب بشكل أدق .

***
رواية “شوق الدرويش” هى عمل رائع ، وساحر يستحق القراءة والإشادة بموهبة ومقدرة وامكانيات الروائى الشاب القادم من بلد العطور والمر والبخور .

 

زد … مازال حيا ً..

CostaGavrasZلم تكن مشاهدة الافلام السينمائية فى حياتى لمجرد المتعة والتسلية فقط ، إذ اعُتبرت من بين وسائل عديدة للتثقيف والتعليم ، ولهذا كان والدى رحمه الله يحرص على تزويدنا بأفلام تحمل قيمة فنية وفكرية وتعالج قضايا انسانية ، لتشغيلها على آلة السينما المنزلية ، وكان فيلم (زد) من بين تلك الافلام التى سبق لى مشاهدتها فى سنوات المراهقة ، مرت أعوام طويلة قبل أن تتاح لى فرصة الحصول على نسخة جديدة على سى دى بنقاوة ووضوح فى الصوت والصورة كهدية من صديقة عزيزة ورائعة، خلال هذا العام شاهدت الفيلم أكثر من مرة أولها بتاريخ 16 سبتمبر 2014 وبالرغم من المكان إذ كنت برفقة زوجة أخى بالمستشفى حيث أدُخلت لتضع مولودها البكر فى ظروف شديدة الصعوبة مرت بها بنغازى فى وقتها ، إلا أن الفيلم بمايمثله من ذكرى لأيام جميلة ، وقوة الطرح و القيمة الفنية له ، جعلنى استغرق كليا فى المشاهدة وكأنها المرة الأولى . 

( زد ) هو فيلم من إخراج اليونانى كوستا غافراس ، ومن إنتاج فرنسى – جزائرى ، ومن بطولة النجم الفرنسى إيف مونتان ، و النجمة اليونانية إيرين باباس ، والنجم الفرنسى جان لوي ترنيتان ،بالإضافة لمجموعة ممثلين أوربيين وجزائريين .

يتناول الفيلم قضية (الاغتيال السياسى) من خلال قصة مأخوذةعن عمل روائى يحمل الاسم نفسه للروائى اليونانى “فاسيلي فسكيلوس” ، الذى استوحى أحداثها من حادثة اغتيال د.جريجوري لامبراكس السياسى اليوناني الذى اعتُبر من الشخصيات القليلة التى تطلع إليها اليونانيين بالذات جيل الشباب وطلاب الجامعات لمحاربة الفساد والاستبداد والتبعية للويلايات المتحدة الإمريكية ، فقد كان طبيب منحاز للطبقات الفقيرة من أبناء شعبه ، فساهم فى تقديم الخدمات الصحية المجانية من خلال اقامة مستشفيات خيرية .

وتقوم الحبكة الدرامية للفيلم على حادثة اغتيال النائب الديمقراطى المنتمى لصفوف المعارضة ، من خلال افتعال احداث شغب امام المكان الذى سيقوم النائب بالاجتماع فيه مع أنصاره لالقاء محاضرة تتناول الوضع السياسى للبلد ، و يتطرق للهيمنة الأمريكية وللفساد المتغلغل فى مفاصل الدولة ، و لن يتاح الوقت للنائب كى يكمل محاضرته إذ يتعرض للضرب الشديد وسط تدافع الجماهير ، وتشابك انصار النائب مع الغوغائيين المتجمعين بالشارع ، ليسقط النائب ولكن لايبقى على قيد الحياة لوقت طويل بعد وصوله للمستشفى واجراء جراحات سريعة وخطيرة فيتم اعلان خبر الوفاة وسط اجراءات امنية متشددة منعا لاحداث شغب او تظاهرات يقوم بها انصار النائب الديمقراطى ، زوجة النائب تصر على البحث عن الحقيقة وراء وفاة زوجها خاصة بعد استماعها لما سيقوله لها رفقاء الزوج /النائب عن وجود شبهة قتل .

يكُلف قاضى نزيه بالتحقيق فى الحادثة التى تسعى الأجهزة الأمنية والقيادات السياسية بالبلد لاخفاء معالم الجريمة و الإيحاء للمحقق النزيه بأنها مجرد أحداث شغب عادية وقعت إمام المبنى، ومع استمرار القاضى فى التحقيقات واستدعاء المشتبه فيهم ، بالإضافة للاستماع لشهادات رفقاء النائب ويواجه ذلك القاضي ضغوطا رسمية وسياسية من القيادات العليا بالبلد من اجل اخفاء تلك الجريمة وتغطية اثارها واسبابها وتفاصيلها.

بالنهاية يتبين للقاضى أن الجريمة هى تصفية لخصم سياسى أقلق القيادات السياسية والعسكرية بالبلد بمعارضته للهيمنة الامريكية على ذلك البلد ، وسعيه لممارسات القمع و الفساد .

يلعب الصحفى الشاب المستقل دور بارزا ً إلى جانب القاضى النزيه من أجل الكشف عن الحقيقة ، كلا من موقعه بالمجتمع . كما يبرز الفيلم دور طلبة الجامعات فى التصدى للدكتاتورية والقمع ، والقتال من أجل الديمقراطية من خلال مساندتهم الواعية والقوية للنائب ، ثم مشاركتهم فى مظاهرات حاشدة احتجاج على مقتله ، والاصرار على معرفة الحقيقة وراء الحادث .

يتم تناول هذه الحادثة أى الجريمة السياسة بأسلوب بوليسى عبر سيناريو سلس ، ملىء بالتشويق والأثارة والبحث والتقصى فى تتبع خيوط الجريمة من خلال الغوص فى المجتمع ، وتقديم تفاصيل عن علاقات المصالح التى تربط الفاسدين بعضهم البعض بداية من كبار القيادات العسكرية ، ورجال الاعمال ، و رجال الكنيسة ، وصحافيين كبار ، و انتهاءً بشواذ المجتمع من قتلة ولصوص ومنحرفين .

يصل القاضى الى نهاية التحقيق الذى يكشف خيوط الجريمة ، فتتطاير رؤوس كبيرة من قيادات امنية وعسكرية وسياسية ودينية وقبل أن تبدأ المحاكمة يموت الكثير من الشهود فى حوادث غامضة فيها شبهة جنائية ، وينال الضباط الأربعة الكبار توبيخا اداريا فقط ،وتقدم الحكومة استقالتها ، و يظهر أن الحزب اليسارى سيفوز بالانتخابات المقبلة على الأبواب ، إلا أن الانقلاب العسكرى يقع فيكون مصير عدد من أعضاء الحزب من رفقاء النائب بالموت انتحارا ً او بحادث سيارة ، ونوبة قلبية ، والنفى خارج البلاد ، ويكون السجن من نصيب الصحفى الشاب لافشائه أوراق رسمية أى الأوراق المتعلقة بسير التحقيقات فى قضية اغتيال النائب ، فى حين ينتهى بقاضى التحقيق بالطرد من الوظيفة  ، و عبر صوت امراة تظهر على خلفية صورة لدبابات تملىء الشوارع نتعرف على الممنوعات فى العهد الانقلابى الجديد التى ستثير دهشة واستغراب العالم ، إذ يُمنع إطالة الشعر للرجال ، وارتداء الملابس القصيرة ، ومنع تداول كتب سوفوكليس ، تولستوى و يوربيدس ، وبيكيت ، ودييسوفسكى ، الاضرابات ، ارسطو ، يونسكو ، و سارتر ، وسقراط ، حرية الصحافة ، علم الإجتماع ، و الموسيقى العصرية ، والموسيقى الشعبية ، و الرياضيات الحديثة ، بالإضافة لمنع الشعب من استعمال حرف زد الذى يعنى فى اليونانية القديمة “إنه لايزال حيا ً” ، وذلك فى محاولة عقيمة لقتل افكار الدكتور “جريجوري لامبراكس” الذى ظلت افكاره حية رغم مرور قرابة الخمسين عام على اغتياله .

صورت أحداث الفيلم فى مدينة الجزائر لتشابهها مع طبيعة مدينة أثينا التى لايذكرها الفيلم بالاسم ، ذلك تفاديا لاثارة المشاكل مع النظام الانقلابى انذاك، ومحاولة لالتفاف عليه من أجل السماح بعرض الفيلم ولكن دون جدوى إذ منُع من العرض ، كما وُضع المخرج والمشاركين بالعمل على القائمة السوداء لنظام الأنقلابى الذى لم يسقط إلا فى العام 1975 بعد الفشل فى ايقاف العملية العسكرية التى قام بها الجيش التركى لاحتلال الجزء الشمالى من جزيرة قبرص .

وضع الموسيقار اليونانى الشهير ميكيس ثيودوراكس الموسيقى التصويرية للفيلم فجاءت مكملة لعناصر الفيلم الفنية ، إذ يضفى مسحة من الحيوية والمرح بموسيقاه المصاحبة للظهور الأول لنائب المحبوب فى أثناء استقباله من قبل انصاره بالمطار ، كما ستكون فى مواضع أخرى بالفيلم سريعة ، متوترة ، تماشيا مع سرعة الاحداث والمطاردات فى شوارع المدينة .

نال فيلم (زد) العديد من الجوائز العالمية من بينها جائزة أفضل فيلم أجنبي بمهرجان كان (عام 1969)، كما فاز بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان (عام 1969)، و جائزة نقاد نيويورك لأفضل فيلم (عام 1969) ، وحصل الممثل جان لوي ترنتيان- على جائزة أحسن ممثل (عام 1969) ، و جائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية (عام 1970) ، وجائزة الأوسكار لأفضل مونتاج (عام 1970) ، و جائزة الجولدن جلوب لأفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية (عام 1970) ، و جائزة البافتا لأفضل موسيقى فيلم (عام 1970) ، و جائزة الجمعية الوطنية لنقاد السينمائيين لأفضل فيلم (عام 1970) ، و جائزة إدغار لأفضل فيلم سيناريو سينمائى (عام 1970) .

نساء الطغاة..

images1تتناول الباحثة الفرنسية “ديانا دوكريه” فى هذا الكتاب أجزاء من حياة مجموعة منتقاة من دكتاتورى العالم والنساء اللائى أحطن بهم ، حيث تحكى الكاتبة تفاصيل العلاقات الغرامية ، ومايتخللها من مواعيد ولقاءات ، و ماتركته الحياة السياسية على حياتهن ، بالمقابل ماساهمن بالتأثير فى حياة الطغاة سواء بالسلب أو الأيجاب ، ومدى أثار تلك العلاقات العاطفية على الحياة السياسية ، يمتلىء الكتاب بتفاصيل صغيرة حول شخصيات طغاة كهتلر و موسولينى و موتسى تونغ و سالازار ، وما اتبعوه من طرق لاغواء النساء ، وكيف تفاعلوا مع المعجبات ، وإلى أى مدى ذهبوا فى نزواتهم ، أو تلبية نزوات ورغبات نسائهم.

بنيتو موسولينى ، حياة المرشد

بحسب مقاييس الجمال لدى الطليان تمتع موسولينى بجاذبية طاغية لدى النساء إذ “كن يشعرن بضعفهن يتحول إلى قوة ” عندما يتوجه إليهن بالحديث ، لهذا استغل موسولينى هذا الجانب جيدا فى السيطرة والتأثير على الجماهير ، فهو تبنى مبدأ سياسيا ً يقوم على توجيه خطاب لجمهور لا إلى شعب .

كانت بداياته العاطفية مع فتيات قرويات وقعن ضحية لما كان يمارسه عليهن من سحر حتى تحول الى سابى للقلوب .

6
موسولينى و مرغريتا سارفاتى

فى العام 1904 تعرف الى أنجليكا بالانوف واحدة من المثقفات المنتمية للطبقة الارستقراطية العريقة فى أوربا ، التى تحولت لاعتناق الشيوعية ، رافعا راية الفكر النسوى فى ذلك الوقت ، فارتبطا بعلاقة عاطفية وطيدة ساهمت فى ايصاله لمراتب متقدمة فى الحياة الصحفية التى كان يخطو الخطوات الآولى فيها قبل ان يكثف من نشاطه السياسى ويتحول لشخصية سياسية مرموقة مع منتصف العشرينات من القرن الماضى ، فى أثنائها لايكتفى بعلاقته بأنجليكا ، إذ تدخل لحياته العاطفية والسياسية امرة اخرى هى مرغريتا سارفاتى زوجة محامى مرموق ستتخلى عن حياتها الزوجية والأسرية فى سبيل عشقها الجنونى لموسولينى الذى لن يقدم لها شىء بالمقابل ، بل يقيم علاقات عاطفية عابرة ، أثناء وجودها كعشيقة فى حياته ، ساهمت مارغريتا الخبيرة فى الصحافة فى صنع أسطورة ترتكز على قوته الجسدية فهو الذكر الكامل الذى يعمل خمس عشرة ساعة فى اليوم ، بقدرة هائلة على التركيز وقوة جسدية لاتضاهى ، ساهرا على مصالح ومصير إيطاليا.
وعندما توفى زوج مرغريتا فى العام 1924 رفض موسولينى الانفصال عن راشيليه زوجته المقيمة فى بيتهم بميلانو بعيدا عن الاضواء ، فى هذه الأثناء بدأت مرغريتا تقع ضحية لما صنعته ، إذ بدى أن وجود عشيقة رسمية فى حياة موسولينى الرجل المرسل من السماء ، المتحلى بأخلاق حميدة ، وجود مشين .

خرجت مرغريتا من حياة موسولينى لتحل محلها عشيقة جديدة وأخيرة هى كلارا بيتاتشى التى التقاها بصحبة أسرتها على الطريق المؤدى للشاطىء البحر بمدينة أوستى حيث تقضى أسرة بيتاتشى عطلتها.

فى العام 1904 تعرف الى أنجليكا بالانوف واحدة من المثقفات المنتمية للطبقة الارستقراطية العريقة فى أوربا ، التى تحولت لاعتناق الشيوعية ، رافعا راية الفكر النسوى فى ذلك الوقت ، فارتبطا بعلاقة عاطفية وطيدة ساهمت فى ايصاله لمراتب متقدمة فى الحياة الصحفية التى كان يخطو الخطوات الآولى فيها قبل ان يكثف من نشاطه السياسى ويتحول لشخصية سياسية مرموقة مع منتصف العشرينات من القرن الماضى ، فى أثنائها لايكتفى بعلاقته بأنجليكا ، إذ تدخل لحياته العاطفية والسياسية امرة اخرى هى مرغريتا سارفاتى زوجة محامى مرموق ستتخلى عن حياتها الزوجية والأسرية فى سبيل عشقها الجنونى لموسولينى الذى لن يقدم لها شىء بالمقابل ، بل يقيم علاقات عاطفية عابرة ، أثناء وجودها كعشيقة فى حياته ، ساهمت مارغريتا الخبيرة فى الصحافة فى صنع أسطورة ترتكز على قوته الجسدية فهو الذكر الكامل الذى يعمل خمس عشرة ساعة فى اليوم ، بقدرة هائلة على التركيز وقوة جسدية لاتضاهى ، ساهرا على مصالح ومصير إيطاليا.

وعندما توفى زوج مرغريتا فى العام 1924 رفض موسولينى الانفصال عن راشيليه زوجته المقيمة فى بيتهم بميلانو بعيدا عن الاضواء ، فى هذه الأثناء بدأت مرغريتا تقع ضحية لما صنعته ، إذ بدى أن وجود عشيقة رسمية فى حياة موسولينى الرجل المرسل من السماء ، المتحلى بأخلاق حميدة ، وجود مشين .

images

بنيتوموسولينى والعشيقة كلارا بياتشى

خرجت مرغريتا من حياة موسولينى لتحل محلها عشيقة جديدة وأخيرة هى كلارا بيتاتشى التى التقاها بصحبة أسرتها على الطريق المؤدى للشاطىء البحر بمدينة أوستى حيث تقضى أسرة بيتاتشى عطلتها.

مارس موسولينى المزيد من الأكاذيب والحيل لنيل قلب كلارا ، ولابقاء زواجه من راشيليه قائما ، محافظا على مظاهر زائفة أمام الشعب الإيطالى الذى وصل فى سنوات ماقبل الحرب العالمية الثانية لذورة عبادة الدوتشى .

كتُب في العام 1938 لعلاقة كلارا وموسولينى الانطفاء مع هبوب نذائر بحرب عالمية جديدة على أبواب أوربا والعالم ، إذ كانت المصائب الشخصية والعامة تتوالى على حياة الدوتشى ، من فقدان لابنه برونو ، لخسائره على الجبهة الروسية ، لبروز مؤأمرات لاسقاطه داخليا ، كل ذلك دفعه للعزوف عن مواصلة علاقته الغرامية بكلارا الشديدة الاخلاص التى لم تتخل عنه ، حيث تبعه حتى آخر لحظات حياته فى هروبه باتجه سويسرى متخفيا فى لباس جندى ألمانى لكنه يقع فى أيدى المناوئين واعداءه الحزبيين فيتم اعدامه بالرصاص مع عشيقته كلارا التى تحرص حتى آخر لحظة فى حياتها على أرضاء الدوتشى الصعب قائلة ً: “هل أنتَ راض عني لأني سأموت معك؟”                                                              ***
      أنطونيو سالازار ، الحب يقرع الباب مرتين

    على محطة القطار فى العام 1905 يتلقى أنطونيو سالازار الطالب بالمدرسة الأكليريكية الآنسة فليسمينا دى أوليفارا صديقة شقيقته ماريا ، كان أنطونيو فى السادسة عشر ، وفليسمينا تكبره بسنتين ، جاءت لقضاء جزء من العطلة فى بيت صديقتها .

كانت فليسمينا تنحدر من أسرة متواضعة ، قررت الالتحاق بسلك الرهبنة وتكريس حياتها لخدمة الرب ، ولكنها عدلت عن ذلك للالتحاق بدار المعلمين بفيزو حيث ستلتقى بماريا سالازار، فى تلك الفترة من حياة فليسمينا تحولت لاتخاذ شخصية فتاة متزمتة ترتدى اللون الأسود وتتشدد فى سلوكها ، وتتبرع بأعطاء دروس لزميلاتها المعوزات .

تلقت فليسمينا رسالة من أنطونيو يبوح فيها بمكنونات قلبه ويخبرها فيها عن استعداده لتغيير مسار حياته وترك دراسة اللاهوت والزواج بها ، فأشعرها هذا الأمر بالاثم ، فقررت رفض مشاعره وعاطفته ، يتكرر هذا العرض على مدى سنوات طويلة حتى يفقد أنطونيو الأمل بقبولها وتتحول العاطفة بين الاثنين الى صداقة قوية ومتينة ، تقوم فيها فليسمينا بمد يد العون والدعم لانطونيو الذى تحول من دراسة اللاهوت لكلية الحقوق بكومبرا ، حيث ينجح فى الحصول على درجته العلمية ، قبل أن يبدأ الصعود فى الحياة الحزبية والسياسة بالبرتغال فى سنوات الجمهورية الأولى ، تحت رعاية أسرة برستوالو العريقة التى ستساهم فى تعليم أنطونيو طرق حياة الطبقة النبيلة بالبلد .

مع وصول أنطونيو للحكم تصبح فليسمينا صاحبة تأثير قوى ، فهى من أدق مخبرات سيد الدولة الجديدة ، حيث شغلت منصب مفتشة المدارس كأول امراة برتغالية تنال هذا المنصب ، ولم يكن لاحد أن يحتفظ بسلطته دون رضاها ، كانت فليسمينا تتحول شىء فشىء لامرأة شديدة المرارة ، فاقدة لايمانها القديم ، تميل لانتقام لأدنى شبهة او هفوة . 

2
انطونيو سالازار و فليسمينا دى أوليفرا فى فترة الشباب

أما المرأة الأخرى فى حياة دكتاتور البرتغال سالازار فهى الصحفية الفرنسية كريستين غارنييه التى جاءت فى العام 1951م للبرتغال لاجراء ابحاث ولقاء انطونيو من أجل تأليف كتاب حوله ، وكانت كريستين أمراة لاتعرف النفاق الذى تفرضه الحياة السياسية ، فقالت له :” يقول البعض إنك قديس وأنه لن يمر وقت طويلقبل أن تطُوب . والبعض الآخر يرى إنك زعيم عديم الاحساس والإنسانيةوصيت تقشفك ذائع الى درجة أنهم نصحونى بعدم التعطر وتجنب طلاء أظافرى..” فتن انطونيو بهذه الثقة بالنفس و سمح لها بطرح ماتريد من اسئلة ، كما دعاها لقضاء أيام فى سانتا كومبا البيت الريفى الذى يعود لاسرته حيث كان يقضى أوقات طويلة للراحة وأثناء العطلات .

كان أنطونيو يصحب كريستين فى نزهات مستندا على عصاه الهندية ، مثيرا ظهورهما معا همس ولغط بين القرويين ، فكريستين كانت أمراة فى الثلاثين ، فى حين بلغ سالازار الإثنين والستين ، وقد قضيت كريستين صيف ذلك العام تتنقل بين سانتا كرمبا وبرشلونة ، قبل ان تصبح مواظبة على التنقل بين فرنسا والبرتغال فقد وصلت الى مرحلة أن تصبح عشيقة لدكتاتور البرتغال العجوز ، وكان سالازار ينفق ببذخ على نزوات كريستين ورغباتها ، بالمقابل كان يستغلها لابعد مدى ، إذ كانت كريستين تسافر كثيرا وتخالط النخبة الفرنسية والوزراء والأعيان ، وتملك شبكة علاقات واسعة فى أوربا جعلته يلجىء لطلب خدماتها فى المسائل الحساسة التى تتطلب الابتعاد عن القنوات الدبلوماسية الرسمية .

أنطونيو سالازار برفقة الفرنسية كريستين غارنييه فى قريته سانتا كومبا
أنطونيو سالازار برفقة الفرنسية كريستين غارنييه فى قريته سانتا كومبا

فى 27 من مايو عام 1970 توفى سالازار فى بيته بسانتا كرمبا برفقة مدبرة منزله التى احبته بصمت لعقود طويلة دون ان يبادلها العاطفة ، بالمقابل رحل دون ان يلقى نظرة وداع على فليسمينا من أحبته قرابة النصف قرن ، وبقيت عذارء من أجله .
                                                  ***

فوهرر إسمه الرغبة 

“..ياقائدى الحبيب ، لابد لى أن أفكر فيك كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة . لكنت أذهب بكل سرور إلى برلين للألقاك ، هل يحق لى هذا؟ مهم حصل فإن حياتى ملك لك . أود لو أعرف مغزى كل ذلك . إذ لم يعد باستطاعتى أن أعمل ، لأنى افكر فيك دوما ً . لايسعنى أن أحب غيرك أكثر منك . آمل أن تتحقق أمنيتى. أرجوك أكتب لى إذا كان يحق لى المجىء” ..كانت هذه واحدة من مجموعة ضخمة من رسائل تلقاها أودلف هتلر فى مستشارية الرايخ ، كانت الرسائل التى تصل بعيدة كل البعد عن مراعاة شروط الأعراف عادة ، فكانت تتدفق يوميا رسائل لتقديم التهانى او النصائح اللطيفة او البوح المتقد ، كلها موجه لهتلر أثناء توليه السلطة فى ألمانيا ، رغم صعوبة تصور هذه الشخصية الغريبة والشاذة رمزا ً لمثال جنسى لدى النساء ، والملفت للانتباه لم يكن من بين آلاف هذه الرسائل ولا حتى رسالة او بطاقة تحمل اللوم أو الانتقاد ، و أستوجب هذا التدفق فى الرسائل تخصيص أرشيف لمراسلات هتلر الخاصة .

أودلف هتلر برفقة جلى إبنة اخته المنتحرة
أودلف هتلر برفقة جلى إبنة اخته المنتحرة

ستركز المؤلفة على ثلاث نساء فى حياة هتلر ، الاولى هى جلى ابنة أخته ، التى كانت تعيش معه لمدة تزيد عن ثلاث سنوات ، حيث تقع فى حب أميل موريس سائق هتلر و يقررا الزواج ، ولكن هتلر يرفض اعطائهما الموافقة ، بل ويتآمر على تفريق الحبيبن ليحتفظ بجلى لوحده ، فيقوم باحتجازها فى بيته بدعوى مراقبتها ، مشبعا نزواته كل مرة منها ، حتى تصل الى مرحلة اليأس وتقرر الانتحار واضعة حد لحياتها.

 أما المرأتين الاخريين فهما أيفا براون العاملة البسيطة فى محل للتصوير حيث يتم لقائها الاول بهتلر فتقع تحت تأثير شخصيته مع الفارق الكبير فى السن ، وتتحول لعشيقة تأكلها الغيرة التى تصل لحد تهديد هتلر بالانتحار ، قبل ان تنتهى حياتها معه فى الحصار الأخيرة لمبنى المستشارية فى برلين بعد اتمام اجراءات زواج لايتجاوز البضع ساعات ، ليأتى قرار الزواج متأخرة .

صورة عائلية تضم ماغدا جوبلز مع الزوج والأطفال الضحايا
صورة عائلية تضم ماغدا جوبلز مع الزوج والأطفال الضحايا

 أما المرأة الثالثة فهى ماغدا جوبلز زوجة وزير اعلامه ، هى ابنة غير شرعية لمهندس المانى مرموق وفر لابنته افضل حياة مرفهة ولم يتخلى عنها ، رغم ذلك تحولت ماغدا لانسانة مغامرة ، ربما يفسر دافعها لانخراط فى الحياة الحزبية فى ألمانية فى تلك الفترة لاقتراب اكثر فأكثر من الفوهرر هتلر ، بل وتقبل بالزواج من وزير اعلامه القبيح صاحب الشخصية المتجهمة الكئيبة جوبلز كى تبقى على مقربة من معبودها ، منهية حياتها وحياة زوجها وأطفالها الستة فى حفلة الانتحار المقامة فى الساعات الأخيرة من عمر الرايخ الالمانى أثر الهزيمة فى الحرب العالمية الثانية على يد قوات الحلفاء .

                                                         ***

 يضم الكتاب ثمانى شخصيات من طغاة العصر الحديث ، ولكنى استعرضت هنا 3 منهم فقط ، كأختيار يتوافق مع رغبتى فى فهم الكيفية التى جعلت موسولينى وحياته العاطفية والجسدية تترك بأثارها على بلدى فى أثناء الاختلال الإيطالى فى سنوات العشرينات والثلاثينات من القرن الماضى ، فبعض الذكريات المروية فى الكتاب استنادا ً لمراجع تتضمن مذكرات وأبحاث حول حياة نساء موسولينى وبالاخص مرغريتا و كلارا وأنجليكا تساهم فى فهم طبيعة الكثير من قرارات هذا الدكتاتور الذى ارتكب الكثير من الجرائم بحق الشعب الليبى و الشعب الحبشى و غيرها من الاماكن التى اكتوت بنيران طموحه وجنون العظمة التى عانى منها منذ بدايات حياته السياسة .

أما سالازار فمدى ماتركه حب قديم من سنوات الشباب الاول على افكار هذا الدكتاتور الذى حول بلاده لسجن كبير ، و كرس الكثير من الافكار الرجعية حول مكانة المرأة ، وزرع الارهاب فى نفوس الشعب البرتغالى ، فتحت تأثير افكار فليسمينا الرجعية المتزمتة حول مكانة ودور المرأة بالمجتمع البرتغالى سن الكثير من القوانين وحصرت دورها فى أضيق نطاق .

وفى مايخص بشخصية هتلر فمازالت لا استوعب حتى الآن ماهو الجاذب فى هذا الرجل الشاذ انسانيا والغريب الاطوار ، ماالذى يدفع امرأة كأيفا او ماغدا تتمتعان بالجمال والقدرة على البدء بحياة جديدة مختلفة بعيدا ً عن هذا الدكتاتور بالتمسك بالبقاء معه حتى آخر لحظة فى حياتهن وحياته ، بل كيف تقدم أم على تسميم أطفالها فى حفلة الانتحار الجماعية فى مبنى المستشارية .

الكتاب شيق ، استخدمت الكاتبة أسلوب قصصى سردى ، سلس ، و مختصر ، ومركز ، ويظهر من خلال المراجع المرفقة فى صفحات الكتاب مدى مابذلته من جهد كبير فى تقصى الحقائق حول حياة أولئك الطغاة ونسائهم ، مقدمة صورة موضوعية حول كل شخصية دون الانحياز او السماح لافكارها ومشاعرها الشخصية بالتدخل فى السرد المعلوماتى الثرى .

المولد النبوى الشريف فى مدينة درنة أيام زمان ..

index                                    الجامع العتيق بمدينة درنة فى ثلاثينيات القرن الماضى

كنت اترقب ذكرى المولد النبوى الشريف هذا العام ككل الاعوام الماضية ، فقد ارتبط فى ذهنى بالكثير من الذكريات الجميلة برفقة افراد عائلة والدتى بدرنة المدينة الجبلية الصغيرة ذات الطبيعة الخلابة قبل أن تتحول الى مدينة مشوهة المعالم والمعمار منذ مطلع التسعينات من القرن الماضى ، مع بزوغ هلال شهر ربيع الأول لهذا العام كنت استرجع شريط ذكريات طفولتى .

فقد كنت اقضى بضع اسابيع فى بيت جدتى بمدينة درنة المتميزة بموقع فريد ونسيج سكانى مميز وبيئة حضارية مدهشة حيث تفتح وعيى منذ صغرى على التراث الصوفى لعائلة والدتى  وهو حال غالبية الاسر الدرناوية القديمة، فقد كانت الزوايا الدينية موجودة فى حياة اسر المدينة الصغيرة بقوة وكذلك حلقات الذكر الصوفية المتمثلة فى الحضرة او الانشاد الصوفى .

كان الاحتفال بذكرى مولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من الاحتفالات الشعبية التى تهفو لها أنفس وأرواح سكان مدينة درنة كغيرهم من الليبيين حيث تبدا من بزوغ هلال شهر ربيع الأول بفتح المساجد ليلا ً و اضائتها وقراءة قصة مولد الرسول الكريم طيلة ليالى الشهر كله ، وأنشاد المدائح النبوية والقصائد اشهرها تخميس القصائد الوترية فى مدح خير البرية للشيخ محمد بن عبد العزيزبن الوراق ، والاخرى تخميس القصائد العياضية فى مدح خير البرية للشيخ أبى العباس أحمدبن البهلول ، ويغلب على انشاد هذه المدائح اسم (( البغدادى ) اذ يعبر الناس عنها بقراءة البغدادى ، أما أشهر قصص المولد التى تقرأ بجانب المدائح النبوية فهى (مولد المناوى ) وقد التزم صاحبها طريقة السجع، تتخللها فقرات يرددها المستمعون بنغمات خاصة .

ويصل الاحتفاء بذكرى مولد سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ذروته يوم ووليلة الثانى عشر من الشهر ، حيث تزين المساجد والزوايا بسعف النخيل ، وبزخارف من ورق ملون وغيره ، فإذا ما أقبل المساء لبست الزوايا والمساجد حلة بهيجة من أضواء الشموع وأضواء المصابيح ، ويخرج الأطفال يحملون بأيديهم قناديلهم الملونة المنورة يإيقاد الشموع ، يطوف الطرقات ، و يرددون أهازيج فى ميلاد الرسول الكريم .

(حليمة ياحليمة … يامرضعة نبينا … قومى رضعى محمد … مرضعتك غنيمة … صاحو ياصاحو … أهل الدنيا راحوا … أعطاهم مولاهم … واعنا فى مدعاهم ) أو يرددون هذه الأهزوجة وم يجوبون شوارع وأزقة المدينة الجبلية الصغيرة  (هذا قنديل وقنديل فاطمة جابت خليل … هذا قنديل الرسول فاطمة جابت منصور…هذا قنديل النبى فاطمة جابت علي ) ومايكاد يبزغ فجر اليوم التالى الثانى عشر من ربيع الأول  حتى تنهض ربات البيوت مبكرات ، يبادرن إلى إعداد طعام العصيدة ووضعه فى القصاع حسب العادة المعروفة ، ابتهاجا بذكرى الرسول عليه السلام ، ويجتمع الجيران والأهلون فى بيت من بيوت ، أو فى ساحة مسجد من المساجد يتناولون طعام العصيدة فى فرح وابتهاج وفى عصر ذلك اليوم يتجه أكثر أبناء المدينة إلى المساجد لقراءة قصة المولد النبوى ، ويشربون الشراب المحلى بالسكر والمسمى ( شربات ) ، إضافة إلى استقبال شباب المدينة من طرف ربات البيوت وهن يزغردن ويقمن برش ماء الورد وتستمر الاحتفالات طيلة سبعة أيام احتفاء بقدوم المولد النبوي.

وأبرز المساجد احتفالاً فى ذلك اليوم هو الجامع الكبير الذى تملىء ساحته بجموع الحاضرين كبارا وصغارا ، وينتهى الحفل فيه بتقبيل شعرة داخل زجاجة خاصة ، يعتقد أنها من شعر الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويقال عنها أنها من بقايا الآثار النبوية التى تداولتها أيدى الخلفاء والامراء حتى وصلت الى سلاطين آل عثمان بعد انتقال الخلافة الأسلامية إلى حوزتهم وهؤلاء كانوا يهدون تلك الشعرات إلى عدد من المساجد ، ومن بينها بعض المساجد الليبية ، يوم كانت ليبيا ولاية عثمانية ، وتذكر الرواية المحلية أن ( رشيد باشا ) الوالى التركى هو الذى أحضر الشعرة إلى الجامع الكبير بمدينة درنة حيث قدم إليها كما أدى إلى هذا المسجد ساعة حائط كبيرة ولاتزال باقية إلى الآن ..

 وإذ أردنا البحث فى نشأة هذا الاحتفال فسنجد بعض المراجع التاريخية تشير إلى الفاطميين العبيديين باعتبارهم هم أول من احتفل بالمولد النبوى الشريف بشكل رسمى وشعبى ، وكانوا هم الذين حكموا مصر ابتداء من القرن الرابع الهجري ، حيث كانت ليبيا تتبع لحكمهم فى تلك الفترة ماجعل الليبيين يقتبسون ذلك الاحتفال ، إذ لم يكن لهذا العيد وجود فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا فى عهد الخلفاء الراشدين و لافى العهد الأموى أو العباسى ، فكان الفاطميون هم أول من احتفل بالمولد احتفالا ً تعلوه مسحة الأعياد والمهرجانات ، واعتبر المولد فى أيامهم عيد رسميا وشعبيا واسلاميا .

وقد تولع الدراونة بأحياء هذه المناسبة ذات الطابع الدينى  فى العهد العثمانى الثانى كنوع من للتصدي لتغلغل الاوربى فى بلادهم فى تلك الفترة خاصة مع بدايات ظهور طلائع حملات تبشيرية فى بعض المدن الليبية قبيل الاحتلال الإيطالى لليبيا مطلع القرن العشرين  .

هذه الاحتفالات أو العادات الجميلة فى طريقها للاندثار بعد أن أصبحت تتعرض لحملات شرسة من قبل بعض أصحاب التيارات الدينية المتشددة القادمة من صحراء نجد حيث يختلف الارث الحضارى والثقافى بيننا وبينهم .

يـــــا فارس بغداد

اه يا جيــــلاني

احضر يا صداد

البارحة عندما كنت اقلب اليوتيوب وجدت هذا الفيديو الذى سبق لى مشاهدته فى نقل مباشر لاحدى القنوات التونسية فى سنوات ماضية  ..كنت مع اصوات المنشدين اتذكر خالى رحمه الله هو يمسك بيدى وانا طفلة ليقودنى عبر الازقة والدروب الضيقة للمدينة الجبلية الجميلة باتجاه احدى الزوايا لحضور حلقة أنشاد لقصائد و مدائح نبوية ظلت مغروسة فى ذاكرتى عبر الزمن وكأنى مازالت حتى الوقت الحالى اشم رائحة الجاوى والزهر يملاء الجو ، استرجع صوت جدتى لأمى  وهى تردد بعض تلك القصائد فى أثناء أدائها لبعض الاعمال المنزلية ، ودفء اللحظات الجميلة وتواصل الناس مع بعضهم البعض وتألف قلوبهم وتراحمهم واجتماعات الاسر والعائلات فى مناسبة الميلود حول عشاء ليلة الكبيرة اى ليلة الحادى عشر ، وتناولهم عصيدة الميلود فى صباح اليوم الثانى ، اتأسف لحالنا الآن ، فلا تكاد تجتمع الاسرة الواحدة او العائلات والاقارب الا فى مناسبات قليلة وعلى نطاق ضيق جدا ، لا تكاد الاجيال الجديدة تتعرف على كبار العائلة او تعرف شىء عن تقاليد وعادات جميلة ملىء بالكثير من المحبة و التراحم و العطاء .

الفن في أزمنة الحرب..

Goya-Disasters-of-War“..لا نستطيع أن نتخيل كم هي الحرب مخيفة، مرعبة، وكيف تصبح شيئاً عادياً. لا نستطيع أن نفهم، لا نستطيع أن نتخيل” … سوزان سونتاغ

دخلت اسبانيا مع بدايات القرن التاسع عشر مرحلة من الاضطرابات والحروب والعنف والمجاعات بعدتعرضها لغزو فرنسى فى العام 1807 م إذ نجحت مكائد ودسائس نابليون بونابرت –الطامح للسيطرة على اوربا- فى الاطاحة بحكم شارل الرابع وتتويج فرديناند السابع مكان والده ،ثم القيام أن يتم بخلعه عن العرش و نفى شارل الرابع وفرديناند السابع إلى إيطاليا وفرنسا ، وتنصيب أخاه جوزيف ملكا ً على أسبانيا.

لم يخلو دخول المحتل الفرنسى من ترحيب نسبة كبيرة من الاسبان لاعتقادهم بأنهم حملة مشعل التنوير والتحرر من الطغيان و الرقابة ومحاكم التفتيش وفساد الأسرة البوربونية الحاكمة أنذاك ، ولكن سرعان ما تغيرت مشاعر الاسبان بعد معرفتهم لتنصيب جوزيف بونابرت على العرش الاسبانى .

وفى الثانى من مايو عام 1808 ذاع بين سكان مدريد خبر صدور أمرا ً بإرسال ماتبقى من أفراد الأسرة المالكة فى مدريد إلى فرنسا ، فتجمع الأهالى حول مركبة الدون فرانسسكو-وهو أميرفى 13 من عمره- وعندما علموا أنه لايرغب فى مغادرة مدريد ،وأنه يبكى بكاء مرا ً لمعرفته بأنه سينفى، قام الأهالى بفك أعنة جياد المركبة و أطلقوا سراح الجياد ، و إزاء هذا قامت القوات الفرنسية بالهجوم على الأهالى مستخدمة المدافع والبنادق ، فقاوم المدريديين بالهراوات و الأحجار والسكاكين ، لتنتشر الانتفاضة الشعبية العفوية بين سكان المدينة ، ولتعيش اسبانيا إحدى أكثر مراحلها اضطرابا ً وقتلا ً ورعبا ً ، قبل أن ينجح الفرنسيين فى اخماد هذه الحركة ، واعدم زعماؤها والكثير من السكان ، ليصبح بعدها اليوم الثانى من مايو نقطة تحول لدى الوطنيين للتخلص من المستعمر الاجنبى .

و نتيجة للاشتباكات والمواجهات التى أخذت طريقة الكر والفر من طرف المحاربين من المتطوعين الأسبان أو الجنود النظاميين المتبقيين من الجيش الاسبانى ، مما أوقع خسائر كبيرة فى صفوف الجنود الفرنسيين .

انتشرت المجاعات في كل مكان بأسبانيا التى كانت تعيش أزمات اقتصادية قبل الغزو الفرنسى حيث تفاقمت المشاكل آثر هذا الاحتلال ، فعاشت اسبانيا ست سنوات من أحلك فترات تاريخها. ولم ينج أي أسباني من انعكاسات الغزو والحرب والجوع على نفسيته ، فماذا كان موقف “فرانشيسكو دى جويا” الفنان الاسبانى الشهيرو كيف انعكس هذا الواقع القاتم على نفسيته وافكاره وأعماله الفنية ؟

                                                              ***

كان جويا أحد المرحبين بالتدخل الفرنسي فى الشؤون الداخلية لبلده ظنا منه إن الفرنسيين سيجلبون “التنوير” الذى سيخلص اسبانيا من الخرافات والجهل و سيطرة الكنيسة ومحاكم التفتيش على عقول وحياة الناس فى أسبانيا ، إلا إنه سرعان ما أدرك زيف مزاعم بونابرت فى نشر التنوير والحريات فى أوربا ، فقد حل على البلاد من الدمار والمهانة مالم تشهده فى السابق .

نجحت لوحات “فرانشيسكو دى جويا” فى نقل صورة دقيقة ، وحية ، ومؤثرة عن هذه المرحلة الدموية من تاريخ اسبانيا ، وما ارتُكب فيها من فضاعات وجرائم مروعة بحق الجميع من أطفال ونساء وكبار فى السن ، ورجال دين ، او ناس مدنيين .

فى متحف برادو يوجد لوحات جويا التى تعبر عن الفزع وحالة الترقب ، والوحشية التى أظهرها الفرنسيون فى إعدامهم الأهالى يوم 2 مايو.

لم يطلق جويا رصاصة واحدة او يشارك فى القتال ولكنه عبر عن روح أمته فى المقاومة خير تعبير ، مظهرا ً ماقاسته فى ذلك الوقت ، وكان قد أقام بمدريد عدة أعوام عندما نشبت الحرب ، ولكنه عاد لسرقسطة حيث قام بعمل رسوما تخطيطيا ً صغيرة ليتم حفرها وطباعتها ، وقد سماها” العواقب القتالية لحرب إسبانيا الدموية مع بونابرت ، و غيرها من النزوات ” حيث احتوت على تعبيرا ً لاينسى عن الفزع و السخط و العطف التى عبر بها جويا عن الحرب بكل تفاصيلها الفظيعة .

ولم تنشر هذه الرسومات فى حينها حيث أوصى بها لولده الوحيد ، الذى باعها ابنه لأكاديمية سان فرناندو ، والتى نشرتها عام 1863 بعنوان “كوارث الحرب “.

لم تكن هذه الرسوم التخطيطية مجرد مشاهد عادية للمعارك ، يُمجد فيها القتل فى ثوب البطولة والمجد ، وإنما هى لحظات من الرعب والقسوة تنسى خلالها ضوابط الحضارة الهزيلة فى حمى الصراع ونشوة الدماء .

ومن أشهر لوحات هذه المجموعة اللوحة المسماة ” الرجل المخنوق” وفيها نرى قسيسا ً خُنق حتى الموت ، مستندا ً لجدار وقد جمدت يداه إلى صليب عليه صورة المسيح مصلوبا ً ، وفى لوحات أخرى من نفس المجموعة رجال ونساء يواجهون طعنات رماح البنادق ، أو يرقدون جثثا ً هامدة ، وقد قلبتهم انفجارات القنابل رأسا ً على عقب ، نسوة يهرعن للمعركة برماح او بنادق او حتى حجارة ، جثث تغرس فوق جذوع الأشجار ، ونساء تهتك أعراضهن ، وأطفال يرقبون فى هلع قتل أبائهم ، راهبات يتعرضن فى الأديرة للاعتداء عليهن من قبل الجنود ، وأكداس الموتى يقذفون فى حفر ، ونسور تستمتع بالتهام الموتى من الآدميين ، طوابير الجائعين وهم يتساقطون موتى .

تحت هذه الصور أضاف جويا تعليقات بعضها مستقاة من أمثال أسبانية تعكس سخرية مريرة من تلك الفترة (هذا مارأيته) ، (لقد حدث هكذا) و (ليدفنوا الموتى ويلزموا الصمت) وغيرها من عبارات مدونة تحت الصور الأصلية .

من اللوحات المؤثرة برأيى الشخصى هى تلك التى تتضمن توثيق للمجاعة التى عصفت بمدريد فى الفترة مابين اغسطس 1811و اغسطس 1812 ، حيث مات نتيجة لهذه المجاعة 20 ألف من سكان مدريد نتيجة اعتراض المحتلين الفرنسيين والثوار الإسبان وقطاع الطرق واللصوص الطرقات المؤدية لمدينة مدريد مما تسبب فى شح المواد الغذائية .

حاول جويا اليائس و المتعب من مرضه وصممه وتجاربه السىء فى فترة الحرب أن يعبر عن أمله فى نهوض أسبانيا من جديد فقدم فى اللوحة التى تحمل رقم 80 امرأة تموت بين الحفارين والكهنة ولكنها تشع ضياء ، وكتب عليها متسائلا ً (أتبعث حية مرة أخرى ؟) .

من يقف إمام لوحات جويا سيكتشف أنه لم يعمل على تجميل الرعب أو تقديم مشاهد بطولية للحرب ، و لكن يقدم بدلا عن ذلك الكيفية التى يتحول بها أفراد عاديين إلى أبطال ربما لايذكرهم التاريخ لانهم من عامة الشعب ممن حملوا سلاحهم دفاعا عن أنفسهم وبيوتهم واسرهم ، كما قدم لنا العنف والحرب وماينتج عنهما من فضائع ومآسى تترك بآثارها على حياة الناس العاديين ، سلط الضوء على تساوى القسوة والشراسة لدى الطرفين مع انفلات العنف والوحشية من عقالهم ، ونسيان القيم الانسانية إمام الجرائم الوحشية و أهوال الحروب .

                                                                           ***

ولد غويا عام 1746 بمدينة صغيرة بمقاطعة آرغوان ، وقد أمضى سنوات حداثته فى دراسة الفن على أيدى فنانى مدينة سراقسطة قبل أن يحاول الدخول لأكاديمية الفنون فى مدريدولكنه يفشل فى ذلك ، وبالوقت نفسه ينجح فى الحصول على منحة لدراسة الفن فى إيطاليا ، ثم يقيم بضع سنوات بفرنسا حيث يقع تحت تأثير افكار كبار مفكرى عصر التنوير الفرنسيين أمثال رسو و مونتسكيو ، و يصبح الرسام الرسمى لبلاط الآسبانى حتى وفاته عام 1828 فى منفاه الاختيارى بمدينة بوردو الفرنسية ، بعد أن يترك سلسلة اعمال فنية تشكل شهادة عميقة على فترة حالكة فى تاريخ اسبانيا وأوربا ، فترة محاكم التفتيش والغزو الأجنبى وعودة الملكية من جديد .لوحة رقم 15 ليس هناك علاجلوحة 70 إنهم لا يعرفون الطريقلوحة رقم 9 إنهم لا يريدونلوحة رقم 3 رجل على وشك قطع رأس جندى بفأسلوحة 41 يهربون وسط النيرانلوحة 59 وما فائدة هذا الفنجان؟اللوحة 34 كاهن يقبض على صليب بين يديه معلقاً على صدرهلوحة 80 هل ستعود للحياة مرة آخرى؟لاطلاع على مجموعة اللوحات كلها ألقى نظرة هنا:http://www.pinterest.com/srhop57/francisco-goya-the-disasters-of-war-1810-1820/