أرشيفات التصنيف: حياة فى السينما

عازف البيانو : دراما الموسيقي والحرب

pianist-posterقصة فيلم “عازف البيانو” مقتبسة من كتاب “موت المدينة” لعازف البيانو البولندي اليهودي “فلاديسلاف شبيلمان” حول تجربته إثناء الاحتلال النازي لبلاده، و ماتعرض له هو و أسرته و يهود بولندا على يد النازيين من جرائم و ما عاشوه من معاناة أودت بحياة الكثير من البولنديين من يهود ومسيحيين في فترة الإحتلال النازي لبولندا.

كان شبيلمان يعيش مع اسرته بمدينة وارسو خلال الحرب العالمية الثانية، حيث كان يعمل كعازف في الإذاعة البولندية، و كان من عشاق الموسيقار فردريك شوبان، لهذا تضمن الفيلم العديد من مقطوعات الموسيقار البولندي شوبان.

ينجو شبيلمان من مصير الترحيل إلى معسكرات الاشغال الشاقة، أي الابادة، بفضل ضابط الامن اليهودي المتعاون مع سلطات الاحتلال النازي، إذ يقوم بسحبه من الطابور قبل ركوبه مع افراد اسرته في القطار. يصبح شبيلمان عامل سخرة لدي القوات النازية، و يشهد في تلك الاثناء الترتيبات لثورة البولنديين ضد الاحتلال النازي، قبل أن يغادر هاربا ً حيث ينجح في الاختباء بمساعدة “أندريك وزوجته جانينا” و هما من أصدقائه البولنديين المسيحيين، اللذان يقبض عليهما الشرطة النازية بعد انتفاضة وارسو، و يذهب “شبيلمان” إلى عنوان للجوء إليه في حالات الطوارئ، ليجد أن “دورتا” الفتاة التي كان معجبًا بها منذ سنوات، هي زوجة الرجل الذي أرسل إليه.

بعد ذلك ظل شبيلمان يتنقل بين مخابئ اعدها اصدقائه قبل أن يلقى القبض عليهم إثناء انتفاضة وارسو الكبري، فينتهي به الحال وحيدا ً مختبئا ً في أحد المباني المهدمة في وراسو المحترقة بالكامل، و هناك التقى هوسنفيلد الضابط النازي الذي كان من بين من ساعدوه للبقاء على قيد الحياة، إذ حملت إجابته عن مهنته الخلاص من الموت، فالضابط النازي يُعجب بعزف شبيلمان، حتى أنه وعده بالإستماع اليه عند عودة الأوضاع إلى سابق عهدها، بعودة فالديك للعزف في إذاعة وارسو، وهو الأمر الذي لم يحدث.

في المشهد الأخير نرى شبيلمان يعزف ضمن اوركسترا معزوفة لشوبان في حفل كبير وباذخ. ثم نرى على الشاشة معلومة توثيقية تقول بأن “فلاديسلاف شبيلمان” قد واصل حياته اليومية في وارسو حتى وفاته في العام 2000 عن عمر يبلغ آنذاك 88 سنة، أما النقيب الألماني هوزنفيلد فقد توفي في معسكر بالاتحاد السوفييتي لأسرى الحرب عام 1952.

الفيلم من اخراج الفرنسي – البولندي “رومان بولانسكي”، وأنتاج العام 2002، و تم تصوير الفيلم في بولندا و بريطانيا و ألمانيا، كما أن أطلال البنايات التى ظهرت في الفيلم تعود لفترة الحرب العالمية الثانية، و الموسيقي التصويرية لفوزسيتش كيلار .

تحصل الفيلم على العديد من جوائز الاوسكار عن فئة أفضل ممثل – أدريان برودي، و فئة أفضل مخرج – رومان بولانسكي، فئة أفضل سيناريو مقتبس – رونالد هاروود، كما نال الفيلم العديد من الجوائز في المهرجانات العالمية كجائزة البافتا، و السعفة الذهبية، و السيزر.

كان فيلم “عازف البيانو” التجربة الاهم في المسيرة الفنية للممثل أدريان برودي، إذ شكل نقلة كبيرة بفوزه بجائزة الأوسكار في سن لم يتجاوز فيها التاسعة و العشرين من عمره، و قد تألق النجم برودي في تقديم شخصية العازف البولندي شبيلمان، كما نجح بولانسكي في تصوير معاناة ضحايا الاحتلال النازي، فهو لم يقصر الأمر على توثيق الجرائم بحق اليهود، بل قدم جزء من محاولات البولنديين للثورة على الاحتلال، و الاحتفاء بنضالهم.

من الأشياء الجيدة حول هذا الفيلم تحديدا هو نجاحه في تقديم صورة متوازنة حول وجود يهود خانوا أبناء دينهم و وطنهم، بالمقابل كان هناك ألمان نازيين لم ينسلخوا عن انسانيتهم كليا ً، و ربما هذا ما وضع كتاب شبيلمان في قائمة الكتب الممنوعة في بولندا و الاتحاد السوفياتي، و لاحقاً في إسرائيل إذ اعتُبر من غير المعقول و المنطقي للأسرائيليين أن يدين يهودي بحياته و نجاته من الإبادة لضابط ألماني نازي.

مابين مشاهد طويلة، و أخري قصيرة، و تجنب التركيز على المعارك الحربية،واستخدام الاضاءة والموسيقى قدم بولانسكي فيلم يمس الروح، كما يحفز المشاهد على ادراك تأثير الموسيقى على بعث شعور الأمل و التشبث بالحياة حتى في أحلك و أسوء ما يمكن أن يمر به الانسان. فالموسيقى تحرك انسانية الضابط النازي، و تعطي لشبيلمان طاقة لتحمل البقاء حبيس جدران شقة مخصصة كاحدى المخابئ، ففي مشهد لايُنسي يجلس أمام آلة البيانو ليعزف في الهواء محركا ً اصابعه ،دون أن يلمس البيانو، خوفا ً من لفت انتباه الجيران لوجوده في الشقة المغلقة و المهجورة .

من الأشياء اللافتة لانتباه بالنسبة إلى عند مشاهدتي لهذا الفيلم هو لجوء شبيلمان للعزف في الظروف الصعبة التي تلّم به، ففي هروبه و تنقله في المباني المهدمة، و خطر وجود الجنود النازيين، و معاناته مع الجوع و البرد، يجلس في احد المباني تلك ليعزف على بيانو وهمي مقطوعات كان يقدمها لجمهوره من المستمعين.

كما ان اختيار مقطوعات شوبان الموسيقار البولندي لتكون ضمن ماعزفه شبيلمان بالفيلم، اضفى على الفيلم مسحة من الخصوصية، فمقطوعة  “النكيتورينوز” الفها شوبان عام 1830 م، و هي كانت مهداة لشقيقته، تميزت برقة ممزوجة بمسحة كآبة شاعرية، و قد اعتُبرت من الابتكارات الموسيقية الجديدة لآلة الييانو، تميز شوبان بالقدرة على الارتجال على المسرح، بعيدا عن القواعد الموسيقية، مما جعل جمهوره يسعد بحضور حفلاته، إذ كان بهذه الارتجالات يحرك عواطف المستمعين ويثير لديهم مشاعر الحنين و الشجن ، فأستحق لقب شاعر البيانو .

بعيدا ً عن التصنيف المسبق لمثل هذا النوع من الافلام المرتبطة باإبادة اليهود على أيدي النازيين ، فيلم “عازف البيانو” عمل فني متكامل وناضج من حيث الشكل والمضمون.

عزف “فلاديسلاف شبيلمان” لمقطوعة النكيتورين ، شوبان:

زد … مازال حيا ً..

CostaGavrasZلم تكن مشاهدة الافلام السينمائية فى حياتى لمجرد المتعة والتسلية فقط ، إذ اعُتبرت من بين وسائل عديدة للتثقيف والتعليم ، ولهذا كان والدى رحمه الله يحرص على تزويدنا بأفلام تحمل قيمة فنية وفكرية وتعالج قضايا انسانية ، لتشغيلها على آلة السينما المنزلية ، وكان فيلم (زد) من بين تلك الافلام التى سبق لى مشاهدتها فى سنوات المراهقة ، مرت أعوام طويلة قبل أن تتاح لى فرصة الحصول على نسخة جديدة على سى دى بنقاوة ووضوح فى الصوت والصورة كهدية من صديقة عزيزة ورائعة، خلال هذا العام شاهدت الفيلم أكثر من مرة أولها بتاريخ 16 سبتمبر 2014 وبالرغم من المكان إذ كنت برفقة زوجة أخى بالمستشفى حيث أدُخلت لتضع مولودها البكر فى ظروف شديدة الصعوبة مرت بها بنغازى فى وقتها ، إلا أن الفيلم بمايمثله من ذكرى لأيام جميلة ، وقوة الطرح و القيمة الفنية له ، جعلنى استغرق كليا فى المشاهدة وكأنها المرة الأولى . 

( زد ) هو فيلم من إخراج اليونانى كوستا غافراس ، ومن إنتاج فرنسى – جزائرى ، ومن بطولة النجم الفرنسى إيف مونتان ، و النجمة اليونانية إيرين باباس ، والنجم الفرنسى جان لوي ترنيتان ،بالإضافة لمجموعة ممثلين أوربيين وجزائريين .

يتناول الفيلم قضية (الاغتيال السياسى) من خلال قصة مأخوذةعن عمل روائى يحمل الاسم نفسه للروائى اليونانى “فاسيلي فسكيلوس” ، الذى استوحى أحداثها من حادثة اغتيال د.جريجوري لامبراكس السياسى اليوناني الذى اعتُبر من الشخصيات القليلة التى تطلع إليها اليونانيين بالذات جيل الشباب وطلاب الجامعات لمحاربة الفساد والاستبداد والتبعية للويلايات المتحدة الإمريكية ، فقد كان طبيب منحاز للطبقات الفقيرة من أبناء شعبه ، فساهم فى تقديم الخدمات الصحية المجانية من خلال اقامة مستشفيات خيرية .

وتقوم الحبكة الدرامية للفيلم على حادثة اغتيال النائب الديمقراطى المنتمى لصفوف المعارضة ، من خلال افتعال احداث شغب امام المكان الذى سيقوم النائب بالاجتماع فيه مع أنصاره لالقاء محاضرة تتناول الوضع السياسى للبلد ، و يتطرق للهيمنة الأمريكية وللفساد المتغلغل فى مفاصل الدولة ، و لن يتاح الوقت للنائب كى يكمل محاضرته إذ يتعرض للضرب الشديد وسط تدافع الجماهير ، وتشابك انصار النائب مع الغوغائيين المتجمعين بالشارع ، ليسقط النائب ولكن لايبقى على قيد الحياة لوقت طويل بعد وصوله للمستشفى واجراء جراحات سريعة وخطيرة فيتم اعلان خبر الوفاة وسط اجراءات امنية متشددة منعا لاحداث شغب او تظاهرات يقوم بها انصار النائب الديمقراطى ، زوجة النائب تصر على البحث عن الحقيقة وراء وفاة زوجها خاصة بعد استماعها لما سيقوله لها رفقاء الزوج /النائب عن وجود شبهة قتل .

يكُلف قاضى نزيه بالتحقيق فى الحادثة التى تسعى الأجهزة الأمنية والقيادات السياسية بالبلد لاخفاء معالم الجريمة و الإيحاء للمحقق النزيه بأنها مجرد أحداث شغب عادية وقعت إمام المبنى، ومع استمرار القاضى فى التحقيقات واستدعاء المشتبه فيهم ، بالإضافة للاستماع لشهادات رفقاء النائب ويواجه ذلك القاضي ضغوطا رسمية وسياسية من القيادات العليا بالبلد من اجل اخفاء تلك الجريمة وتغطية اثارها واسبابها وتفاصيلها.

بالنهاية يتبين للقاضى أن الجريمة هى تصفية لخصم سياسى أقلق القيادات السياسية والعسكرية بالبلد بمعارضته للهيمنة الامريكية على ذلك البلد ، وسعيه لممارسات القمع و الفساد .

يلعب الصحفى الشاب المستقل دور بارزا ً إلى جانب القاضى النزيه من أجل الكشف عن الحقيقة ، كلا من موقعه بالمجتمع . كما يبرز الفيلم دور طلبة الجامعات فى التصدى للدكتاتورية والقمع ، والقتال من أجل الديمقراطية من خلال مساندتهم الواعية والقوية للنائب ، ثم مشاركتهم فى مظاهرات حاشدة احتجاج على مقتله ، والاصرار على معرفة الحقيقة وراء الحادث .

يتم تناول هذه الحادثة أى الجريمة السياسة بأسلوب بوليسى عبر سيناريو سلس ، ملىء بالتشويق والأثارة والبحث والتقصى فى تتبع خيوط الجريمة من خلال الغوص فى المجتمع ، وتقديم تفاصيل عن علاقات المصالح التى تربط الفاسدين بعضهم البعض بداية من كبار القيادات العسكرية ، ورجال الاعمال ، و رجال الكنيسة ، وصحافيين كبار ، و انتهاءً بشواذ المجتمع من قتلة ولصوص ومنحرفين .

يصل القاضى الى نهاية التحقيق الذى يكشف خيوط الجريمة ، فتتطاير رؤوس كبيرة من قيادات امنية وعسكرية وسياسية ودينية وقبل أن تبدأ المحاكمة يموت الكثير من الشهود فى حوادث غامضة فيها شبهة جنائية ، وينال الضباط الأربعة الكبار توبيخا اداريا فقط ،وتقدم الحكومة استقالتها ، و يظهر أن الحزب اليسارى سيفوز بالانتخابات المقبلة على الأبواب ، إلا أن الانقلاب العسكرى يقع فيكون مصير عدد من أعضاء الحزب من رفقاء النائب بالموت انتحارا ً او بحادث سيارة ، ونوبة قلبية ، والنفى خارج البلاد ، ويكون السجن من نصيب الصحفى الشاب لافشائه أوراق رسمية أى الأوراق المتعلقة بسير التحقيقات فى قضية اغتيال النائب ، فى حين ينتهى بقاضى التحقيق بالطرد من الوظيفة  ، و عبر صوت امراة تظهر على خلفية صورة لدبابات تملىء الشوارع نتعرف على الممنوعات فى العهد الانقلابى الجديد التى ستثير دهشة واستغراب العالم ، إذ يُمنع إطالة الشعر للرجال ، وارتداء الملابس القصيرة ، ومنع تداول كتب سوفوكليس ، تولستوى و يوربيدس ، وبيكيت ، ودييسوفسكى ، الاضرابات ، ارسطو ، يونسكو ، و سارتر ، وسقراط ، حرية الصحافة ، علم الإجتماع ، و الموسيقى العصرية ، والموسيقى الشعبية ، و الرياضيات الحديثة ، بالإضافة لمنع الشعب من استعمال حرف زد الذى يعنى فى اليونانية القديمة “إنه لايزال حيا ً” ، وذلك فى محاولة عقيمة لقتل افكار الدكتور “جريجوري لامبراكس” الذى ظلت افكاره حية رغم مرور قرابة الخمسين عام على اغتياله .

صورت أحداث الفيلم فى مدينة الجزائر لتشابهها مع طبيعة مدينة أثينا التى لايذكرها الفيلم بالاسم ، ذلك تفاديا لاثارة المشاكل مع النظام الانقلابى انذاك، ومحاولة لالتفاف عليه من أجل السماح بعرض الفيلم ولكن دون جدوى إذ منُع من العرض ، كما وُضع المخرج والمشاركين بالعمل على القائمة السوداء لنظام الأنقلابى الذى لم يسقط إلا فى العام 1975 بعد الفشل فى ايقاف العملية العسكرية التى قام بها الجيش التركى لاحتلال الجزء الشمالى من جزيرة قبرص .

وضع الموسيقار اليونانى الشهير ميكيس ثيودوراكس الموسيقى التصويرية للفيلم فجاءت مكملة لعناصر الفيلم الفنية ، إذ يضفى مسحة من الحيوية والمرح بموسيقاه المصاحبة للظهور الأول لنائب المحبوب فى أثناء استقباله من قبل انصاره بالمطار ، كما ستكون فى مواضع أخرى بالفيلم سريعة ، متوترة ، تماشيا مع سرعة الاحداث والمطاردات فى شوارع المدينة .

نال فيلم (زد) العديد من الجوائز العالمية من بينها جائزة أفضل فيلم أجنبي بمهرجان كان (عام 1969)، كما فاز بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان (عام 1969)، و جائزة نقاد نيويورك لأفضل فيلم (عام 1969) ، وحصل الممثل جان لوي ترنتيان- على جائزة أحسن ممثل (عام 1969) ، و جائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية (عام 1970) ، وجائزة الأوسكار لأفضل مونتاج (عام 1970) ، و جائزة الجولدن جلوب لأفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية (عام 1970) ، و جائزة البافتا لأفضل موسيقى فيلم (عام 1970) ، و جائزة الجمعية الوطنية لنقاد السينمائيين لأفضل فيلم (عام 1970) ، و جائزة إدغار لأفضل فيلم سيناريو سينمائى (عام 1970) .

الفيلم الليبي الشظية .. ومحاولة جادة لصناعة سينما محلية ..

00 04
    الفنان الليبى الراحل على العريبى  

غيب الموت الفنان الليبى علي العريبي مساء يوم الجمعة 22 اغسطس 2014 ، بعد تعرضه لوعكة صحية أدخل على إثرها مستشفي الهواري العام في بنغازي.

وقد اشتهر الفنان العريبي بأداء شخصية “الوادي” في المسلسل الليبى الكوميدي الشهير “مكتب مفتوح”، من تأليف الممثل الراحل على العريبى و إخراج الفنان : علي المصراتي والذي أذيعت أولي حلقاته أول عام 1977 ، وقد لاقى المسلسل نجاح و إقبالاً كبيرًا منذ منتصف السبعينات حتى الربع الاول من عقد الثمانينات من القرن الماضي، عندما توقف المسلسل بعد ان دب الخلاف بين الشريكين على العريبى “الوادى” و رجب الفرجانى”حش” .

قدّم العريبي أعمالا فنية عدة على خشبة المسرح والتلفزيون والسينما، لكنه رحمه الله اعتزل الفن قبل عدة سنوات ، بعد ان قدم العديد من الاعمال الفنية فى المسرح و التلفزيون والسينما .

00 01
ملصق فيلم الشظية

عندما قرأت خبر نعى الفنان الليبى القدير على العريبى رحمه الله فى المواقع الليبية ظهرا يوم السبت ، تبادر لذهنى لوهلة الاولى اهم اعمال الفنان الراحل فى السينما ، الا وهو فيلم “الشظية ” احد اهم الاعمال الروائية فى السينما الليبية ، حيث يتناول هذا الفيلم بصورة فنية درامية مشكلة الالغام المدفونة التى خلفتها القوى الغربية المتصارعة خلال الحرب العالمية الثانية على الارض الليبية حيث عكس بوضوح حجم المآسي الناجمة عن انفجارات الألغام الأرضية موقعة ً بضحاياها من البشر والحيوانات حتى بعد وقف الحرب بين الأعداء المتقاتلين.

00 03
الفنان الليبى الراحل الطاهر القبلاوى

كانت القناة الحكومية الوحيدة فى سنوات الثمانينات من القرن الماضى تقوم بعرض فيلم “الشظية” فى فترات ومناسبات كثيرة ، خاصة بعد حصوله على جوائز من مهرجانات عربية وعالمية ، كما نال التقدير والاشادة من قبل الكتاب والنقاد السينمائيين و المخرجين و الفنانيين العرب والاجانب بعد مشاهدتهم للفيلم.

تأتى أهمية هذا الفيلم لاعتماده على عملا أدبيا للروائى الليبى هو “ابراهيم الكونى” ، بالاضافة لاعتبارها المحاولة الاولى لنقل الأدب الليبي إلى الشاشة لأول مرة ، مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية القضية المطروحة أى مناقشة مشكلة الألغام التي زرعت إبان الحرب العالمية الثانية، وتأثيرها على حياة البشر والحيوانات .

00 02
الفنانة الليبية المخضرمة كريمان جبر

وقد جاءت فكرة تحويل هذه القصة لعمل مرئى كما يقول كاتب السيناريو “عبدالسلام المدنى” من خلال خطة وضعتها الشركة العامة للخيالة لانتاج اعمال روائية تلاقى النجاح والاقبال الجماهيرى فيقول عن ذلك :”..تم إنتاجه بعد العديد من المحاولات والمطالبة من قبل إدارة الإنتاج التي كانت ترى بان تنفيذ فيلم روائي سيصب في صالح تاريخ الشركة العامة للخيالة ويدعم مكانتها، فقامت بكتابة السيناريو الأدبي والتقطيع للقصة التي تحمل نفس الاسم: الشظية وهو الاسم الحقيقي كما في الشريط ليكون عملا روائيا تسجيليا في بداية الثمانينات وسلمته للتلفزيون الذي علق على السيناريو بأنه عمل سينمائي من اختصاص الشركة العامة للخيالة، وعليه تمت إحالة العمل في ذلك الوقت إلى السيد مدير عام الشركة والذي سلمه بدوره وبدعم منه إلى المخرج الراحل “محمد الفرجاني”الذي تبنى العمل ورحب بالفكرة مع إجراء بعض التعديلات عليه. وتم تنفيذ العمل سنة 1984/85..”.

541783_390464754378271_1334393759_n
المخرج الفرجانى مع الطاقم أثناء التصوير فى الجبل الاخضر

و كان السينمائى الليبى الراحل “محمد على الفرجانى” قد درس السينما في جمهورية مصر العربية حيث نال درجة الماجستير قبل ان يعود إلى ليبيا في الستينات ، حيث عمل في وزارة الثقافة والإرشاد القومي بقسم الإعلام و تحديدا ً بالجريدة المصورة، حاول أن يقوم بأولى محاولاته في الفيلم الروائي في سنة 1967 بعد انجاز بعض الأعمال التسجيلية إلا أن محاولته تلك لتقديم فيلم روائى لم تنجح ، إلا فى العام 1985 فى تقديم فيلم “الشظية” .

وتدور أحداث الفيلم حول لقاء بين “سالم” وهو حطاب يجمع الحطب وأدى الدور الفنان الراحل “على العريبى” ، و”البهلول” وهو قاتل هارب من ثأر وأدى الدور الفنان الراحل “الطاهر القبلاوى”، حيث تجبرهما الظروف على التواجد سوياً في ارض ملىء بالألغام وسط الصحراء، ونتعرف من خلال الحوار على قصة كلاهما إذ كان “سالم” قد فقد “سالمة” زوجته والتى تلعب دورها الفنانة الليبية “كريمان جبر” أثر انفجار لغم أودي بحياتها وبأغنامه ،أما “البهلول” فهو هارب بعد قيامه بقتل عريس حبيبته و ابنة عمه “ريم” التى أدت دورها الفنانة الليبية المعتزلة ” “نجاح عبدالعزيز ” والتى كان يعشقها ولكن والدها عم “البهلول” قام بتزويجها من رجل ميسور الحال ، رافضا ً تزويجها لابن عمها ، فيقوم الراعى “سالم” بأنقاذ “البهلول”من الموت عطشا ً، ثم انقاذه من الموت بلغم، وفى أثناء قضائهم ليلتهم فى مغارة بعد هبوط الظلام ومحاصرة الذئاب لهم ، تزول حالة التوجس والخوف بين الاثنين ، ويروى كل واحد للاخر حكايته ، وفى هذه الأثناء يقرر بعض ابناء قبيلة “سالم” البحث عنه ، بعد تأخره فى العودة للنجع فيقتلون فى حقل الألغام ، وينتهى الفيلم بفشل “سالم” في التخلص من لغم يقضي عليه وعلى “البهلول” .

00 05
ملصق للفيلم يظهر فيه الفنان الكبير الطاهر القبلاوى رحمه الله

بدأ تصوير الفيلم بتاريخ 17 مارس 1984 و أنتهت عمليات التصوير بتاريخ 16 أكتوبر 1984 ، و كان أول عرض له بمهرجــــــــان دمشق السينمائي عام 1985.
أما عن بطولة الفيلم فقد تقاسمها كل من :الفنان الليبى الراحل الطاهر القبائلي ، الراحل علي العريبي ، والفنانة الليبية المخضرمة كريمان جبر ، بالإضافة لمشاركة مجموعة من الفنانيين والفنانات المحليين : علي الورشفاني ، و أنور الطرابلسي ، و رمضان نصيـــر ، و أم السعد علي ، و صالح بوغزيل ، و نجاح عبدالعزيز ، و أحمد باكير ، و عبدالسلام الورفلي ، مدير التصوير محمد ابديرى.

أدى كل من العريبى ، والقبلاوى وجبر أدوارهم باقتدار ، و كان أداء الفنان العريبى رحمه الله فى منتهى التلقائية والجمال لشخصية الحطاب سالم فقد ساعدته انتمائه لقبيلة من بدو برقة فى تقمص هذه الشخصية حتى التصقت فى ذاكرتنا .

كان التصوير فى أماكن طبيعية ، وبكوادر محلية ، ولم تنفذ اى مشاهد داخل استوديوهات مقفلة ، فقد كان المخرج الفرجانى حريص أشد الحرص على تقديم عمل سينمائى قريب للواقع ، ويظهر هذا من خلال تمسكه بتصوير مشاهد المغارة التي‮ ‬كان‮ ‬يحتمي‮ ‬فيها “سالم” “‬علي‮ ‬العريبي‮” ‬و”البهلول‮” أى “‬الطاهر القبائلي‮”‬، وكان بإمكان الفرجانى الاستعاضة عن التصوير عدة ‬ ليالٍ باستعمال مرشحات خاصة للتصوير كى تعطى إيحاء الصورة.

جاء مشهد انفجار اللغم فى أثناء ركض سالمة زوجة سالم لاحقة ً بخرفانها ، من المشاهد المؤثرة فى الفيلم لبشاعة المصير ، كم أن الانفجار كان حقيقى من تنفيذ رجال الشرطة للكشف عن الألغام وتفجيرها.

00 08
مشهد من الفيلم يجمع الزوجان وهما يلعبا السيزة وهى لعبة شعبية شهيرة

أيضا ً حرص المخرج على الفرجانى على اختيار مواقع تعكس جمال الطبيعة فى بلادنا ، فقد اختار شلال درنة لتصوير لقاء عاطفى بين البهلول وريم حينما جاءها متسللا ً منصتا ً لغناء ريم لغناوة علم جميل ظل الكثير من شباب وشابات الثمانينات يرددونها فى مناسبات كثيرة ، ويتبادلها العشاق .
كم أن المخرج لم ينسى ان يقدم توثيق فنى جميل وجذاب لبعض العادات والطقوس فى الفرح الليبى فى بادية برقة فجاءت زفة العروس ورقص الكشك وغناء الشتاوى وميز العرس أى سباق الخيل وتجهيز العروس في‮ ‬جحفة على ظهر الجمل‮ لتضفى واقعية شاعرية‮ بأسلوب سلس ورشيق دون ان تتسبب بترهل فى ايقاع الفيلم .
أما الموسيقى التصويرية للفيلم ففى معظمها من اغانى ليبية شعبية ، او موسيقى من وحى التراث الموسيقى الشعبى المحلى ، فأضفى مسحة جميلة ومبهجة على الفيلم ذو القصة الفاجعة .
وبالرغم من حرص المخرج الفرجانى على التدقيق فى تنفيذ العمل إلا انه فاتته نقطة اساسية فى الفيلم وتتعلق بملابس الاولاد الصغار التى لاتخص اولاد البدو فى برقة ، كذلك اختلاف فى اللهجة بين ابنى العم ريم و البهلول ، فالبهلول يتكلم بلهجة المنطقة الغربية من بلادنا ، وهى تختلف بشكل كبير عن لهجة بادية برقة ، كم أن اختيار اسم البهلول هو من ليس من الاسماء الشائعة فى تسمية الذكور فى بادية برقة ، كان على المخرج فى حينها تنسيق الملابس واللهجة و باقى التفاصيل الاخرى للتجانس مع البيئة التى تدور فيها أحداث الفيلم ، والذى يفترض ان يكون مابين ربوع الجبل الاخضر ، و ربوع هضبة البطنان التى زرعت ألغاما ً فى فترات تبادل المواقع بين قوات المحور والحلفاء فى الحرب العالمية الثانية ، بالاضافة لعدم التناسق بين الحوار وحركة شفاه الممثلين فبعض المشاهد ينقطع الصوت لثوانى بينما يواصل الممثل الحوار دون استدارك لخلل فى الصوت.

00 06
ملصق آخر للفيلم أثناء عرضه بدور السينما فى المدن الليبية

لم تستمر الشركة العامة للخيالة المملوكة للدولة آنذاك فى تنفيذاعمال سينمائية بمستوى نجاح فيلم “الشظية”، إذ شكلت قرارات الدمج والحل و‮ ‬الإلغاء‮ “‬للشركة العامة للخيالة‮” خلال عقد الثمانينات والتسعينات من القرن الماضى حتى ألغاء الشركة ‬فى العام 2003 بعد تراكم الديوان ، شكلت خطوة قاضية على نمو وتطور مشروع صناعة السينما فى ليبيا فى تلك السنوات ، وهذه السلسلة الطويلة من الفشل فى ادارة هذا القطاع المتميز بخصوصيته فى أى مكان فى العالم ،جاءت بعد تطبيق النظام السابق للزحف الثورى على مؤسسات الدولة ، مع تأميم دور العرض العامة او المملوكة لمواطنين ليبيين ، فتشكلت لجنة ثورية لإدارة هذه المؤسسة مع باقى دور العرض العامة والخاصة دون ان يكون للاعضاء اللجنة أى خبرة او دراية بهذا المجال ، فساهموا فى تضخم الكادر الوظيفى بإعداد غير مؤهلة ولا صلة لها بهذه الصناعة ، مع عجز عن تسويق الافلام التسجيلية والروائية القصيرة المنتجة من قبل الشركة بالاضافة لسوء الإدارة جعلها تعجز حتى عن دفع مرتبات العدد الكبير من الموظفين ، مع عدم وجود رؤية واضحة وخطة للانتاج الفنى، هذه الاسباب وغيرها ساهمت فى ادخال السينما الليبية فى حالة غيبوبة لم تستفق منها إلا بعد فبراير 2011 حيث ظهرت مشاريع ومؤسسات تنشط فى هذه الصناعة ، اما انتاجا ً او اخراجا ً او كتابة ، والخ من مهن واطر ترتبط بهذا القطاع ، مما يعطى الأمل فى المستقبل رغم كل الصورة القاتمة فى هذه المرحلة .

مراجع :
– عبدالسلام المدنى ، من العروض المسرحية إلى ظهور سينما وطنية .
– على محمد الفرجانى، قصة الخيالة العربية الليبية .
– بشير محمد عريبي، الفن والمسرح في ليبيا.
– عبد الله محمد اطبيقة، الخيالة في ليبيا.

*الصور من أرشيف السيناريست والباحث الليبى عبدالسلام المدنى، والممثل الراحل على القبلاوى .