أرشيفات التصنيف: مقال

زعيمة الباروني: رائدة الأدب النسائي في ليبيا

imagesولدت السيدة زعيمة في جادو احدى قرى جبل نفوسة سنة 1910م، وتلقت دراستها الابتدائية باللغة التركية في اسطنبول (1) حيث نشأت في أسرة تهتم بالعلم، أسرة سليمان باشا الباروني (2).

تعلمت القراءة والكتابة فتنبهت في نفسها الرغبة في المطالعة والدراسة العميقة (3) وعاشت مع والدها سنوات طويلة في المهجر استطاعت خلالها أن تتلقى قدراً من التعليم المنظم، وقد وجدت بالاضافة الى ذلك مكتبة والدها الغنية بكل أنواع المعارف، فقرأت واستوعبت وتفتحت موهبتها وسط مناخ علمي لم يكن متاحاً لغيرها من النساء في بلادها (4) ثم استكملت دراستها باللغة العربية بعد العودة من تركيا إلى ليبيا (5) بعد ان عاشت مع والدها المناضل حياة التشرد والنفي بعيداً عن ارض الوطن، حيث شاركته تنقلاته بين الاقطار العربية، ثم رجعت الى بلادها في اواسط العام 1947م حيث استقر بها المقام في طرابلس بعد وفاة والدها 1940م (6) حيث عينت في سنة 1950 م مدرسة بالمرحلة الابتدائية (7).

ولعل دخول السيدة زعيمة الباروني ميدان الكتابة والنشر من العلامات البارزة التي سجلتها فترة الخمسينات، فقد اطل عام 1955م ليمنح المشهد الثقافي الليبي انتاجا لامعا قويا رفيع المستوى خطته أنامل هذه السيدة الاديبة ابنة الوطن، فهي تنشر في شهر فبراير قصة (فزان البعيد)، وتوالت قصص السيدة زعيمة في مجلات وجرائد ليبية متنوعة منها صوت المربي، وجريدة طرابلس الغرب، وهي تتحدث عن ما لاقته في هذا الامر من صعوبات، اذ تقول السيدة زعيمة عن ذلك: “لا ادرى بماذا أقدم موضوعات كتبتها منذ سنة 1953م في بلادي، ونشر منها ما نشر في جريدة “طرابلس الغرب”، ومجلة “صوت المربي”، ومجلة “هنا طرابلس الغرب”، ولم تساعدني الظروف القاسية من كل جهة على نشرها مجتمعة في كتاب” (8). وقد استطاعت التغلب على مصاعب عدة من اجل نشر كتابها تحت اسم “من القصص القومي” في سنة 1958م والكتاب عبارة مجموعة قصص هي مزيج من التاريخ والاسطورة في اسلوب لا يخلو من روعة ورشاقة (9).

ولم يلق الكتاب الذي قامت بطباعته على نفقتها الخاصة عند صدوره التعليق الذي يستحقه من النقد او النقاد، باستثناء محاولة يتيمة من الكاتب محمود الفساطوي بجريدة الرائد، في معرض حديثه عن قضية المرأة في ليبيا، في مقالة بعنوان “القصص القومي وأنصار المرأة”، فهو لم يتعرض لنقد المجموعة من الناحية الفنية أو من ناحية المضمون، فما لفت انتباهه الى الكتاب هو وجود ادب نسائي لم ينل اهتماما كافيا، رغم ما يوضع امام المرأة الليبية من عقبات وقيود، معتبرا الكتاب بداية مباركة لمستقبل أدبي عظيم (10).

اما الاديبة شريفة القيادي ففي دراستها التوثيقية للكتابة النسائية الليبية “رحلة القلم النسائي الليبي”، فتشير الى ادب السيدة زعيمة بأنها حاولت احياء الشخصية الليبية بكل ابعادها، فالكاتبة تتوقف عند كثير من التفاصيل في وصف الأزياء والعادات والتقاليد الليبية حتى وان اساء ذلك للناحية الفنية في بعض الاحيان (11).

وهناك من يرى ان السيدة حميدة العنيزي هي الوجه التنظيمي للحركة النسوية الليبية، فإن السيدة زعيمة الباروني هي الوجه الثقافي لهذه الحركة (12).

فقد برزت في فترة الخمسينيات (المرأ قضية تنمية ووعي)، تـحت شعار (الـحجاب والسفور)، أي ثنائية الـحداثة والأصالة. مـحور الـجدل الدائر آنذاك، والذي لـم يتوقف. كان هذا الـجدل رجالـي الطابع فيما كانت المرأة تدخل مُعترَك الكتابة والقضايا الاجتماعية، فالسيدة زعيمة الباروني تكتب قصصها وتوقِّع بـ (بنت الوطن)، دون اهتمام مباشر بالـجدل الدائر، وكأن السفور عندها هو حالة الكتابة ذاتها، فالعرقلة نصيب كتاب (زعيمة البارونية) (13) فكان لا بُدَّ من الـحذر وترك القصص بدون أسـماء، فالسيدة زعيمة تشير للاهمال الذي لحق بكتابها، والسبب في ذلك صاحب المكتبة الذي تعهد ببيعه فركنه في زاوية داخلية بالمكتبة فلم يلتفت اليه احد” (14) (طُبِع هذا الكتاب فـي زمن غير زمن أهله، فكان نصيبه من الإهمال بل وفالعرقلة نصيب صاحبته (زعيمة البارونية)، فكان لا بُدَّ من الـحذر وترك القصص بدون أسـماء، وغيره”. زعيمة البارونية (بنت الوطن) (15).

وكانت إسهامات زعيمة الباروني غزيرة ومتعددة، كتبت المقالة الصحافية والاجتماعية، وهي أحيانا تخوض معركة من معارك الكلمة او تنبه إلى قضية من القضايا وبين الفينة والاخرى كانت تعرج على الادب فتكتب قصة أو خاطرة أدبية تظل مشحونة بكل همومها وإحساسها بوطأة الظروف القاسية التي كان يعيشها الإنسان في وطنها (16). و كانت مقالاتها تفيض سحراً وبهاءً تهز القلوب والعقول حيث شاركت في مختلف الصحف والمجلات مثل مجلة (صوت المربي) الطرابلسية ومجلة الأفكار (17). مركزة اهتماماتها منذ البداية على قضيتين رئيستين أولاهما تربية النشء تربية سليمة بما يحقق ذاته ويصون أمجاده وتاريخه العريق ويحقق طموحه في ارتياد التقدم، والأمر الثاني هو حفظ تراث المجاهدين الذين ضحوا في سبيل هذا الوطن ومن جملة ذلك حفظ تراث والدها (18). ولها مراسلات قيمة في مثل هذه الشؤون العامة مع أخيها تدل على مبلغ علمها وثقافتها وأخلاقها وإخلاصها لمبدأها، امتازت هذه السيدة الفاضلة بأسلوبها القصصي الشيق، الخفيف الروح (19).

كما أخرجت زعيمة للمكتبة الليبية مجموعة من الكتب منها كتاب صفحات خالدة من الجهاد الليبي للمجاهد سليمان الباروني، جمع وترتيب زعيمة سليمان الباروني، وديوان (السيف الوقاد) تأليف إبراهيم بن قيس الحضرمي تحقيق زعيمة الباروني، وهو كتاب يتحدث عن مفاخر العروبة والاسلام (20). فمن وجهة نظر السيدة زعيمة الباروني ضرورة الاستفادة من كتب التراث ذاكرة ذلك للاديبة لطفية القبائلي في مقابلة معها في مجلة البيت في العام 1969: “نصيحتي لهؤلاء الشباب ان يستفيدوا من كنوز الادب القديم ويفهموا ويطبقوا ويجربوا” (21).

وكانت السيدة زعيمة متعلقة بوالدها سليمان الباروني تعلقا كبيرا، وترك ذلك اثر عميق في حياتها، فمن ضمن مؤلفاتها (أبي كما عرفته) وهو كتاب عن حياة والدها سليمان باشا الباروني، وورثت زعيمة الروح الفدائية عن والدها العظيم، واختارت لنفسها حياة الانقطاع من أجل عملها ووطنها ومن أجل أبناء أخيها إبراهيم فلم تتزوج، وبذلت الوقت والجهد لتربية أبناء أبناء أخيها إبراهيم فكانت تقول: (إني أعاهد الله أن أبذل جهدي في تنشئة أبناء أخي التنشئة التي أرادها لهم جدهم المرحوم الوالد الباشا ولو كلفني ذلك آخرة قطرة من دمي) (22).

كانت مع قيامها بشؤون الأسرة وأبناء أخيها إبراهيم (23) كانت معلمة ببعض مدارس البنات بطرابلس، لحسن سيرتها وكمال استعدادها أصبحت نائبة لمديرة دار المعلمات بطرابلس، كما تقلبت في الوظائف التربوية فاشتغلت مفتشة فرئيسة مكتب محو الامية (24).

كما كانت من العضوات المؤسسات لجمعية النهضة النسائية في طرابلس سنة 1958م، حيث شاركت من خلالها في مؤتمرات خارج ليبيا تهتم بقضايا المرأة منها، مؤتمر المرأة الأفرو آسيوية بالقاهرة سنة 1960م، برفقة السيدة حميدة العنيزي رئيسة جمعية النهضة النسائية ببنغازي (25).

وتذكر السيدة زعيمة عن رأيها في الجمعيات النسائية الليبية ومنها جمعية النهضة النسائية بطرابلس، “انها تحاول جميعها تحاول ليس اكثر، فبالنسبة لجمعية النهضة النسائية في طرابلس، لها محاولات لا بأس بها، ولكن تغيير الرئيسة دائما يربك سير الجمعية، لان كل رئيسة جديدة لها تخطيط غير الذي وضعته الاولى، وهذا الامر يجعل الجمعية تحبو بعد أن كانت تمشي، لتعدد الخطط وتعدد البرامج، وقلة التنفيذ، ولكن اجماليا ارى أن كل محاولة نسائية يجب ان تقابل بالتشجيع طالما ان غايتها سليمة، وأهدافها بناءة ” (26).

وربما السيدة زعيمة انسحبت من نشاط الجمعية في فترة ما من حياتها، وذلك لوجهة نظرها المذكورة أعلاها، على الرغم من اعادة تقييم التجربة النسائية الليبية من جديد في استطلاع اجرته مجلة المرأة الجديدة بعد تغير نظام الحكم في ليبيا عام 1969م، مع مجموعة من السيدات الفاعلات في تلك الجمعية ومنهن السيدة زعيمة، فذكرت: “رغم معاصرتي للحياة في بلادي من قبل الاستقلال، ورغم انتسابي لجميعة النهضة منذ تأسيسها في طرابلس وصداقتي مع جميع العاملات ومحبتي لحركة المرشدات، فإن ظروفي الخاصة لم تساعدني مع الاسف على العمل المستمر معهن ولهذا لا أخول لنفسي الحكم على مسيرة هذه الجمعية او تقييم اعمالها، فإلى من كن مسئولات حقاً، الرأي تبنى على الصحة وتنبع من النزاهة وشرف القصة ” (27).

كما كانت من ضمن المشاركين في مؤتمر الكتاب والأدباء الليبيين المنعقد ببنغازي في فبراير سنة 1973 (28).

بالاضافة لعدم توقفها عن الكتابة في المجلات والجرائد فقد كتبت في احدى اعداد مجلة المرأة مقالاً ضمنته تهنئة حارة إلى خريجات إحدى الكليات العلمية في بلادنا في أسلوب أدبي رفيع مع اعطائهن النصح والارشاد، كما أنها كانت ترى رغم الاصوات الرافضة لفكرة وجود أقلام نسائية ليبية فمن وجهة نظرها أن الواقع عكس ذلك، “أن الابداع أو الخلق الابداعي يبدأ بالتدريج إلى أن يأخذ مكانته اللائقة، وهكذا أدبنا، وعدم الاعتراف بوجود أدب نسائي من شأنه أن يحطم آمال الطبقة الناشئة من الكاتبات ويغلق الابواب أمامهن، ويجب ألا نقارن أدبنا بأدب البلدان التي سبقتنا، والمفروض أن نبني على ماضينا إلى أن يخرج لنا انتاج طيب” (29).

توفيت يوم الاثنين 10 مايو 1976م (30) حيث نعتها الاديبة لطفية القبائلي في مجلة البيت الصادرة سنة 1976 : “لوعنا بنبأ وفاة المربية والأديبة زعيمة الباروني، أول من حمل القلم من النساء في بلادي، أول من تصدرت مطبوعاتها المكتبة الليبية كمؤلفة وأديبة ومؤرخة، إنها الابنة البارة، المرأة الوقورة دائما، المتدينة دائماً، أتخيلها بصوتها الخافت حتى ليصل إلى الهمس، أتخيلها الآن وهي تنصحنا في ساحة المدرسة: إياكن يا بناتي والبعد عن كتاب الله، إياكن وتضييع الوقت، أطعن والديكن دائماً، لا تبخلن على آبائكن بجهد، لا تهملن في إدارة البيت، فالفتاة الناجحة هي التي تنجح في الميدانين حتماً بيتها وعملها” (31) ملخصة حياة رائدة حقيقية ذات نظرة تقدمية في ما يخص حرية المرأة وتعليمها وتثقيفها، ومناضلة سياسية ساهمت في حفظ جزء من التاريخ الليبي من خلال وثائق والدها.
————————–

1- دليل المؤلفين العرب الليبيين، طرابلس، دار الكتب، أمانة الاعلام والثقافة، 1977، ص137:138. 2- سليمان باشا الباروني (ولد سنة 1870م) في مدينة جادو (فساطو) بليبيا، مجاهد ليبي حارب الإيطاليين و كان من أهم السياسيين الليبيين في تلك الفترة ساهم في تأسيس جمهورية في الغرب الليبي تحت اسم الجمهورية الطرابلسية. كما اسس المدرسة البارونية بمدينة يفرن بليبيا وأسس بمصر عام 1906م (مطبعة الأزهار البارونية)، وفي عام 1908 م أصدر جريدته التي أسماها (الأسد الإسلامي). رجع إلى ليبيا وقاد معارك الجهاد ضد الغزو الايطالي من الفترة 1911م حتى 1916م حين عين والياً على ليبيا ثم اعلن أول جمهورية في العالم العربي تحت اسم الجمهورية الطرابلسية، سنة 1919م اعتزل العمل السياسي بعد اعتراف إيطاليا المزيف بالحكومة الوطنية الليبية.وفي عام 1922م أجبرته السلطات الإيطالية على مغادرة طرابلس فتنقل بين تركيا و فرنسا محاولا العودة إلى ارض الوطن ولكنه منع، واستقر به المقام في سلطنة عمان سنة 1924 حيث عمل مستشارا لدى الإمام محمد بن عبدالله الخليلي إمام عمُان وظل بها حتى وفاته عام 1940م في الهند أثناء رحلة علاجية من مرض المالاريا.
3- بدرية بنت حمد بن خليفة الشقصية / زعيمة البارونية / شبكة اهل الحق والاستقامة).
4- الطاهر بن عريفة، أصوات نسائية في الأدب الليبي، طرابلس، دار الحكمة، ط1، 1998، ص 12.
5- دليل المؤلفين العرب الليبيين، طرابلس، دار الكتب، أمانة الاعلام والثقافة، 1977، ص137:138.
6- الطاهر بن عريفه، مرجع سابق، ص12.
7- دليل المؤلفين العرب الليبيين، طرابلس، دار الكتب، أمانة الاعلام والثقافة، 1977، ص137:138.
8- الطاهر بن عريفه، مرجع سابق، ص 15.
9- شريفة القيادي، رحلة القلم النسائي الليبي، مالطا، دار elga، 1997، ص 57.
10- شريفة القيادي، مرجع سابق، ص 66.
11- شريفة القيادي، مرجع سابق، ص 67.
12- الطاهر بن عريفه، مرجع سابق، ص 11.
13- احمد الفيتوري / عطر النزوة في الشعر النسائي الليبي / مدونات مكتوب،منبر حرية الفكر والكتابة.
14- (شريفة القيادي، مرجع سابق، ص 58).
15- احمد الفيتوري / عطر النزوة في الشعر النسائي الليبي / مدونات مكتوب،منبر حرية الفكر والكتابة) .
16- الطاهر بن عريفه، مرجع سابق، ص13.
17- بدرية بنت حمد بن خليفة الشقصية / زعيمة البارونية / شبكة اهل الحق والاستقامة.
18- الطاهر بن عريفه، مرجع سابق، ص12.
19- بدرية بنت حمد بن خليفة الشقصية / زعيمة البارونية / شبكة اهل الحق والاستقامة.
20- الطاهر بن عريفه، مرجع سابق، ص12.
21- لطفية القبائلي “مقابلة مع السيدة الاديبة زعيمة الباروني” مجلة البيت، العدد 10،السنة 12، 20 مايو 1976، ص6.
22- بدرية بنت حمد بن خليفة الشقصية / زعيمة البارونية / شبكة اهل الحق والاستقامة.
23- بدرية بنت حمد بن خليفة الشقصية / زعيمة البارونية / شبكة اهل الحق والاستقامة.
24- دليل المؤلفين العرب الليبيين، طرابلس، دار الكتب، أمانة الاعلام والثقافة، 1977، ص137:138.
25- دليل المؤلفين العرب الليبيين، طرابلس، دار الكتب، أمانة الاعلام والثقافة، 1977، ص137:138.
26- لقاء مع الأديبة زعيمة الباروني، مجلة “المرأة” ـ العددالثاني ـ 10 فبراير 1965م، ص 5) .
27- خديجة الجهمي، “الاستفتاء، تقييم الحركة النسائية قبل الثورة” مجلة المرأة الجديدة، نوفمبر 1969، السنة 5، العدد 17، ص5.
28- دليل المؤلفين العرب الليبيين، طرابلس، دار الكتب، أمانة الاعلام والثقافة، 1977، ص137:138.
29- الطاهر بن عريفه، مرجع سابق، ص14.
30- دليل المؤلفين العرب الليبيين، طرابلس، دار الكتب، أمانة الاعلام والثقافة، 1977، ص137:138.
31- لطفية القبائلي، مجلة البيت، السنة 12، 20 مايو 1976، العدد 10، ص 5

 

أسرار صغيرة ..

أسرار صغيرةلست من هواة مشاهدة برامج المسابقات ، لهذا لم أتابع يوما برنامج “الحلقة الاضعف” الا عبر لقطات سريعة ، فالأسلوب الغريب لمقدمة البرنامج “ريتا خورى” فى ذلك البرنامج استوقفنى لبعض الوقت ، سرعان ما نسيت البرنامج ونسيتها، لتفاجئنى عبر كتابها الأول المعنون باسم “أسرار صغيرة” بشخصية مختلفة تماما عن تلك التى ظهرت بها ريتا فى ذلك البرنامج.

وهذا الكتاب هو فى الاصل مجموعة تدوينات سبق لريتا كتابتها ونشرها فى مدونات قامت بأنشائها مابين اعوام 2006- 2011 لتقوم ريتا بجمعها فى الكتاب الصادر فى العام 2012 عن (دار بلومزبري ـــ مؤسسة قطر للنشر).

انهمكت فى قراءة الكتاب فور حصولى عليه لاكمله فى ساعات قليلة ، ثم اضفته لقائمة كتبى المفضلة ، كما صرت احمله فى حقيبتى لاعيد قراءة بعض الأجزاء فى اوقات الانتظار الطويلة بالعيادات والمصحات ، وحيث أصبحت ريتا رفيقة جيدة ومسلية بقصصها وتدويناتها وتأملاتها حول الحياة ومافيها .

كانت ريتا تتحدث من خلال اسم مستعار “رات ” وهو اسم التدليل الذى يستعمله المقربين منها ، كانت تشعر وقتها بحرية كاملة وهي تكتب دون أن يعرفها أحد، متحررة من قيود الشهرة، والقيود الإجتماعية ، و بطريقة سلسة وجميلة فيها جرأة وشجاعة كبيرة فى طرح آرائها وأفكارها ، حكت عن علاقتها بوالديها وزوجها ، ذكريات وحكايات الطفولة ، عن مشاكلها اليومية ، افراحها واحزانها ، و همومها ، وتساؤلاتها الوجودية.

تحت عنوان “أسرار صغيرة ” تتحدث عن ولعها بكتابة اليوميات فى دفاتر أنيقة تليق بأسرارها الصغيرة ، لتستبدل الدفاتر بمدونات مارست عبرها البوح بأسرارها ، وعبر الكتابة تحاول التغلب على مشكلة الخوف الاجتماعى ، فقد عاشت لسنوات خارج لبنان وعندما عادت انكفأت على نفسها مما دفعها للبحث عن مفاتيح للتعامل مع الحياة فى بيروت ، كما نكتشف أنها تكتب كى تتخلص من الألم ، من أوجاع وجروح الماضى ، وورغم معرفتها عن صعوبة الحصول على إجابة عن سؤال من أنا عبر تدوينة مركزة تحمل عنوان “من أكون” تحاول استعادة ماضيها كطفلة ومراهقة وشابة فى بدايات العشرينات من عمرها ، وتقول عن ذلك “أصعب الأمور مواجهة الأنسان لذاته ولذاته” .

تعترف ريتا بمنتهى البساطة بأنها زارت عيادة المحلل النفسي للمعالجة لسنوات طويلة ، كما تكتب رسالة بوح واعتراف جميلة لوالدها الراحل تحت عنوان ” أبى الذى ، مبدئياً، فى السماوات” تقول : “..لم تُتح لى فرصة التحدث إليك عن هذه الأمور ، كما أنك رحلت من دون إنذار، تاركا ً أحاديث معلقة على حبال الغياب ..” .

تحكى لنا عن انطباعاتها كطفلة عن الموت والجنة إثر وفاة جدها ، عن معلومات طريفة وغرائبية ترسخت فى ذاكرتها الطفولة حول هذا الموضوع الماورائى .

تحدثنا فى الكتاب عن علاقتها المتأرجحة بوالدتها منذ طفولتها المبكرة إذ تذكر مدى تأثرها بسماع والدتها تردد للمعارف عن لحظة رؤيتها لريتا فور ولادتها وكيف طلبت من المحيطين بها بالمستشفى أن يبعدوا الطفلة ذات الشعر الداكن والمظهر القبيح عنها ، تقول ريتا عن ذلك :”…كان الناس يضحكون لهذه القصة ، بينما أتمزق من الداخل، لم أفهم سبب رفضها لى، خصوصا أنه لاحيلة لى فى مجيئى إلى هذا العالم ..” .

عندما تكبر وتكتسب بعض الخبرة فى الحياة تحاول ان تجد تفسير ومبررات لسلوك وتصرفات والدتها، فتعترف بأنها احتاجت لسنوات طويلة كى تكتشف أن والدتها كانت امرأة لها عذاباتها وآلامها الخاصة، حيث تنجح فى التخلص من مشاعرها السلبية تجاه ماضي علاقتها بوالدتها.

فى نصوص متخيلة على لسان حاسوبها الشخصى تحدثنا على لسان جهازها الشخصى عن مشاعرها واهتماماتها المتقلبة بمواضيع بعضها يحمل طابع الغرابة والطرافة معا ، إذ تسعى للحصول على منملة لتربية النمل بعد قراءتها لثلاثية للكاتب” برنارد فيبير” ، عن علاقتها بزوجها وبأسرتها .

لا تخجل ريتا، من التكلم بصراحة عن التقلبات فى علاقتها بزوجها الذى يعمل ويقيم فى باريس ، ماجعلها تغادر بيروت منذ عام 2006 .

كما تشاركنا بتفاصيل علاقتها بابنة زوجها المراهقة ، وعن الكتب ، والسينما ، فنتعرف على افلامها المفضلة ، وعن كتابها المفضلين ، وأطعمتها المفضلة ، و رحلاتها و بعض الأماكن التى زارتها.

فى نصوص أخرى تروى لنا أسرار جرائم طفولة بريئة ، وتحدثنا عن فترات كآبة وانكفاء على النفس مرت بها ريتا ،قد يكتشف بعضنا قد سبق له المرور بمثل هذه الأوقات والتجارب السيئة .

ويفيض الكتاب بالكثير من الأحاسيس والمشاعر، والهواجس والمخاوف ، والاعترافات والتأملات .

قامت ريتا بتسجيل بعض النصوص من الكتاب بصوتها، وقد استمتعت بالاستماع للنصوص المختارة إذ أضفت مسحة جميلة عليها، اخترت هذا التسجيل الطريف حول اختراع السعادة .

http://https://soundcloud.com/rita-khoury/jopkfk3fo5yi

بدأت ريتا خوري مسيرتها الإعلامية في برنامج للهواة عام 1988 حيث شاركت عن فئة تقديم البرامج، ثم انتقلت إلى إذاعة الشرق في باريس، حيث قدمت خلال عشر سنوات من عملها هناك مجموعة من البرامج الثقافية والاجتماعية والفنية، ثم عملت فى بعض المحطات الغربية فى أوربا ، قبل أن يُعرض عليها تقديم النسخة العربية من برنامج المسابقات العالمى”الحلقة الأضعف” ، ثم قدمت برامج اجتماعية مثل “يوميات”و”حكايا الناس” و”سوالفنا حلوة”.

عاشوراء.. يوم للشكر والفرح في ليبيا

عاشوراءهناك عادات وتقاليد ليبية ذات طابع ديني وجد فيها الليبيين فى العقود الماضية قبل التحول إلى الحياة الحديث نوع من الترفيه البرىء ويتقربون فيها من الله فى الوقت نفسه، منها الاحتفال بيوم عاشوراء أي اليوم العاشر من شهر محرم من كل عام، حيث يصوم الكبار أيام تسعة وعشرة من هذا الشهر في مخالفة لعادة اليهود والمسيحيين، حيث يأخذون بما ورد أحاديث كثيرة في فضل يوم عاشوراء، منها: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأ اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ماهذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال: فأنا أحق بموسى منكم. فصامه وأمر بصيامه” (رواه البخاري 1865).  

وكان الأطفال يخرجون في مجموعات مع حلول ليلة التاسع من شهر محرم، يطوفون على البيوت ويطرقون الأبواب ويرددون عبارات مسجوعة يستدرون بها الهدايا والنقود من ربات البيوت. 

اتخذ الناس فى ليبيا فى العقود الماضية من يوم عاشوراء من كل عام موعد لاداء الزكاة ، ربما لانها تتوافق مع بداية العام الهجرى الجديد حيث يقوم الزراع والرعاة والتجار بمراجعة حساباتهم و التدقيق فى حصاد عامهم من الخسائر والارباح وفقا للتقويم الهجرى ، وفى مدينة درنة يطُلق على يوم عاشوراء ومايؤدى فيه من طقوس (تعوشير) وربما جاءت الكلمة كما يفسرها الباحث التاريخى مصطفى الطرابلسى رحمه الله بأنها تدل على أخذ العشر أو نصف العشر بالنسبة لزكاة الحبوب ، أو أخذ ربع العشر ، بالنسبة لزكاة النقدين وعروض التجارة . 

كانت الاسر الليبية تحتفل بيومى التاسع والعاشر من محرم بالصيام ، ثم تناول وجبة طعام برفقة افراد العائلة ، كما يقمن ربات البيوت فى مدينة بنغازى بإعداد طبق من البقوليات المسلوقة (حمص وفول ) أما فى بيتنا فقد اعتدنا على تناول طبق السليقة وهى قمح وفول وحمص مسلوق يضاف إليه القديد وبعض البهارات كالملح والفلفل الاحمر والكمون الاسود ، بحسب عادة اهل درنة مسقط رأس والدتى ، في حين يقمن ربات البيوت الليبيات المنحدرات من نسل الاتراك و الكريتلية (اليونانيين) بإعداد طبق البليلة وهى لاتختلف عن السليقة الا فى مذاقها الحلو حيث يستبدل الملح والبهارات بالسكر واللوز والزبيب ويضاف الى الحمص والقمح المسلوق ويزين بجوز الهند ، ويتم تبادل تلك الاطباق بين الجيران والاقارب والمعارف فى الحى والمدينة الواحدة ، فتصبح فرصة للاولاد والبنات للحصول على الحلوى والنقود مقابل قيامهم باحضار تلك الاطباق فلم يكن من العادة اعادة أى صحن فارغ .

و يوم عاشوراء عادة لاتعمل ربات البيوت في أى اعمال منزلية مرهقة باستثناء إعداد وجبات الطعام واستقبال افراد العائلة والجيران لتبادل التهنئة حيث يصبح هذا بمثابة يوم عطلة لهن ، فتكتحل النساء والشابات والفتيات الصغيرات بالكحل العربي ويخضبون أيديهن بالحناء ويقصصن جزء من شعرهن ، لاعتقادهن بأنهن سينلن حظ طيب بالحصول على زوج فى العام الجديد ، ولحرصهن على الظفر بشعر طويل ففى العقود الماضية قبل طغيان الحياة الحديثة على المجتمع الليبى كان هناك حرص كبير للحصول على شعر طويل كعلامة جمال مميزة للشابات ، كما يحرص الجميع فى تلك السنوات القديمة على الاستحمام فور الاستيقاظ اعتقادا ً منهم بأن الماء مزمزم أى قادم من بئر زمزم._____ ______ __ _______ __________كما يهرعون صباح يوم عاشوراء الرجال والنساء برفقة أطفالهم للقيام بزيارات للمقابر التى احتوت رفات أحبائهم وأقربائهم محملين بالزهور والورود وأعراف الياسمين وأوراق شجر الموز الخضراء وسعف النخيل وأوآنى المياه وهناك يتحلقون حول قبورأحبائهم يتحادثون ويتسامرون مستعرضين سيرهم وتواريخهم يسردونها فى شوق وعبره لأبنائهم وأحفادهم المرافقين لهم ، وفى نهاية لقائهم بأحبائهم سكان القبور يودعونهم بكلمات مفعمة بالتدين والإيمان ( أنتم السابقون ونحن اللاحقون ) ويقرأ الجميع كل حسب مقدرته وثقافته آيات من القران الكريم ( أو يستأجرون أحد الشيوخ لكى يقرأ تلك الآيات من الذكر الحكيم) ترحما وصدقه على أرواح أحبائهم وأقاربهم من ساكنى القبور ، ثم يضللون هذه القبور بعد ان ينظفونها من بقايا الأعشاب اليابسه والشوائب، بالأغصان الخضراء وينثرون عليها الورود التى أحضروها معهم ، كما يبللون ترابها وأعشابها برشات من قوارير المياه ويتركون بعد ذلك ما تبقى منها فى أوآنى على قمة تلك القبور رحمة لزوارها من الطيور والحشرات، كما يتصدقون بعد انتهاء الزياره بما توفر لهم من مال أو غذاء على الفقراء والأغراب المتواجدين عند مخارج المقبره.

تذكر والدتى بأن خالتى الكبيرة ياسمينة كانت تحرص فى كل عام من يوم عاشوراء على زيارة الجبانة الغربية بدرنة حيث ترقد والدتها واخيها فرحات الذى قُتل على يد الايطاليين فى أثناء الحرب العالمية الثانية ، مصطحبة ابنائها وزوجها وخالاتى الصغيرات حاملين اغصان النخيل و الياسمين لوضعه على قبور الاحباء الراحلين .________ _______وكان الاولاد والبنات يرددون اغانى واهازيج خاصة بيوم عاشوراء اختلفت من مدينة لأخرى، ففى بنغازى ومدن برقة بشكل عام و،كان جمل عاشورة أهم مايلفت النظر فى الاحتفالات بعاشوراء فكان كل حى يعد الجمل الذى هو عبارة عن قفص خشبى مذبذب الرأس يغطى بالقماش وتربط به خشبة طويلة مغطية بالقماش أيضا تمثل رقبة الجمل وترشق على رأسها جمجمة جمل ، وكان أحد الشبان يدخل وسط القفص فيحمله ويبدو كما لو أنه جمل وتطوف الجمال بالشوارع ومن ورائها الصغر يهتفون جمل عاشوره أى والله ويرجح الدكتور وهبى البورى أن هذه العادة موروثة من العهد الفاطمى فى ليبيا، وكان الاطفال يسيرون وراء الجمل فى موكب ، حاملين صحونا ً مملوءة بالفول والحمص ، ويمرون على البيوت مرددين:يالله جمل عاشورة/ يالله يلعب بالكورة /يالله فى يوم عاشورة /الله يلعب بالمية / الله فى جنان حليمة).

   وما إن يقترب الأطفال من أحد المنازل حتى يطلبون العاشورة المكونة من الفول والحمص وهم يرددون:

عاشورة عاشورتى     تنفخ لى كورتى

تنفخها وتزيدها         سموا من هو سيدها

سيدها عبدالرحمن     كارس فى ذيل الدكان

      يأكل فى خوخ ورمان 

ثم يتوقفون فى انتظار ماسيجود به أهل البيت من فول وحمص وهم يرفعون أصواتهم منشدين:

اللى ماتعطينى الفول     يصبح راجلها مهبول

اللى ماتعطينى الحمص   يصبح راجلها يتلمس

وعندما تعطيهم ربة البيت الفول والحمص وتجود عليهم من خير البيت، فإنهم يمدحونها ويمدحون كرمها قائلين:

هذا حوش البوبشير     فيه القمح والشعير

هذا حوش عمنا           يعطينا ويلمنا

هذا حوش سيدنا     يعطينا ويزيدنا

فإن لم تعطيهم ربة البيت شيئا ً ، وهذا نادر مايحدث إلا نفذ ماعندها من حمص وفول، فإنهم يقفون أمام الباب ويذمونها مرددين:

هذا حوش الوزنان   فيه القمل والسيبان

الرحى معلقة     والمراة مطلقة

وفى هذا البيت إشارة خفية إلى أن البيت الذى يخلو من امرأة كريمة صالحة هو شبيه بالبيت الذى فيه امرأة كسولة ، ولا توجد به أخت كبيرة تعتنى بالصغار، لذلك فكل الأطفال غير نظاف ، ويمتلىء شعرهم بالقمل وبيوضه ولا يطبخ فيه الطعام او يطحن فيه الدقيق ، والزوجة فيه ستتعرض حتما ً للطلاق لكسلها وعدم نظافتها أو عنايتها بالأطفال، وهى إشارة إلى ضرورة الاهتمام بالأسرة والبيت، ودعوة خفية لأداء الواجب.

وفى مدين درنة يحمل الأطفال صحون الفول والحمص ، ويدورون فى الشوراع وهم ينشدون(وارشة نملة ونميلة/وارشة جاك الغرنوق/وراشة ينقبلك عينك/وارشة عينك لافوق/وراشة عدا للسوق/وراشة شراء عبروق / وارشة من وسط السوق/وارشة عبروق فضية/وارشة بألفين ومية).

والغرنوق هو الطائر البحرى المعروف (ونقبك) اى نقرك بمنقاره ، ويرى الباحث التاريخى مصطفى الطرابلسى رحمه الله فى هذه الاهزوجة كنوع من التعبير الشعبى عما كان يصيب الناس من عسف الجباة فى العهود الماضية ، فالمعروف أن جباة الضرائب فى عهد العثمانى لم يدخروا وسيلة او فرصة لاجل استنزاف موارد الناس ، فكانوا يجمعون منهم النقود والأقوات وقد يصادرون منهم مايدخرونه من قوت أو نقود ولايستثنون الفقراء .

كما يردد الاطفال فى مدينة درنة عبارة مسجوعة (اللى ماتعطى العشورا ، تصبح برمتها مقعورا ) وهى تقليد ومحاكاة لما كان يجرى أمام اعين الاطفال من مساومات وتهديدات يطلقها جباة الاموال من موظفى الدولة آنذاك .199677_460833697280492_434291995_nأما فى مدينة طرابلس فإن الأطفال فى دورانهم على البيوت فيتولى قيادتهم (الشيشبانى) وو احد شباب الحى يكون طويل القامة يتبرع للقيام بهذه المهمة مرتديا ملابس من الخيش ويلبس معها سلاسل واالقواقع البحرية وبعض التمور الخضراء والعقود المعدنية وقد يضع عمامة وقناعا من الألياف نفسها ، ويعلق العلب الفارغه في جسمه حتى تحدث صوتا يقرقع ويمسك في يده عصا يرقص بها والأطفال يغنون له أغنية الشيشباني : (شيشبانى يابانى/ هذا حال الشيشبانى/ هذا حاله وأحواله/ربى يقوى مزاله/ شيشبانى فوق جمل/ سقد يامولى المحل/شيشبانى فوق حصان/ سقد يامولى الدكان/شيشبانى فوق تناكة/سقد يامولى البراكة/عمى الحاج هات امية/ بيش انعنقر الطاقية/قيزة قيزة حق القاز/عسكرى والا منطاز).

ويبدأ تهديد صاحبات البيوت (اللي ماتعطيش الفول/ يقعد راجلها مهبول )، اى من لاتعطينا الفول يصبح زوجها مهبولً اي مجنون ، محذرين صاحبة البيت إذا لم تعطي الفول فإن زوجها سيجن ويصير بهلول . 

وعندما تهرع صاحبة البيت لجلب نصيبهم من الفول والحمص وتكون كريمة يغنون لها: (أمشت أتجيب / أعطيها الصحة )، وإذا تأخرت يغنون ساخرين (أمشت تجيب/ أكلاها الذيب ) ، اي ذهبت لتحضر الفول تاخرت اكلها الذئب ، وبعد أن تمتلئ السلال بالفول والحمص يكون الأطفال قد تعبوا من الدوران على البيوت فيغنون للشيشبانى ليرجعهم لبيوتهم قائلا ً: ( روح بينا / شيشباني ليل علينا) فيستلقى الشيشباني ويتظاهربالموت ويقول: (افويله افويله/ وإلا نموت الليلة ) فيقول له الأطفال (صلي صلاتك / الموت جاتك ) ثم يودعون الليلة بأغنية ( العادة دايمة وتدوم العادة / ديرلها سلوم ) .

استوقفت شخصية الشيشبانى الكثير من الباحثين فى التراث الليبي كثيرا فحاولوا تفسير وجود هذه الشخصية الغريبة ضمن الموروث الشعبى الليبى ، باعتبارها جزء من تأثيرات افريقية اتت مع جماعات العبيد الذين عملوا فى بيوت ومزارع الطرابلسيين .

قد كانت شخصية الشيشباني – ولا تزال – شكلا من أشكال التسلية الشعبية الموسمية داخل المجتمع الليبي. حيث تصبح عاشوراء فرصة لنشر روح المرح والفرح بين سكان المدينة ، وزيادة تقوية روابط المحبة والخير بين أفراد المجتمع الليبى .

هذا المساء انتظرت أن يمر اطفال الحى مرددين اهازيجهم واغانيهم مطالبين بنصيبهم فى العاشورا ، لكن الانتظار طال ولم يطرق الباب أى ولد او بنت من اولاد الجيران ، باستثناء حفيد احد اقدم جيراننا جالبا فى يده طبق فول وحمص ، كنت انتظر أن اسمعه يردد عاشورا عاشورتى ، مع الاسف اكتشف مع مرور الاعوام اختفاء واندثار الكثير من العادات والتقاليد الجميلة ، وكم يحزننى الامر فهى عادات وتقاليد تحض وتحرص على اعلاء القيم السامية فى مجتمعنا.

* تم كتابة ونشر هذه المادة التاريخية التوثيقية بمدونتى “المحيط “فى العام الماضى 2013 بمناسبة عاشوراء.

اللوحات للفنان الليبى عوض عبيدة رحمه الله